كمال ذبيان – «صدى الوطن»
ترتفع وتيرة عقوبات واشنطن على «حزب الله» في لبنان، وهي ليست جديدة، فقد تمّ تصنيفه من قبل وزارة الخارجية الأميركية تنظيماً أجنبياً إرهابياً منذ تشرين الأول من العام 1997، وبعد أربع سنوات، أدرج على لائحة المنظمات الإرهابية التي صدرت حوالي الشهر من أحداث 11 أيلول 2001. في آب 2012، صُنّف الحزب بين المنظمات المؤيدة للنظام السوري في خضم محاولات إسقاطه، حيث كان مقاتلو الحزب يذودون جنباً إلى جنب مع الجيش السوري عن تخوم العاصمة دمشق.
قبل ذلك، وضعت الإدارة الأميركية «حزب الله» على قائمة «القوى الإرهابية» التي تعرقل وتهدد عملية السلام في الشرق الأوسط، بعدما وقف الحزب مع قوى وأحزاب وفصائل فلسطينية وأخرى عربية، ضد «اتفاق أوسلو» الذي وُقّع بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، فقام الحزب حينها بتنظيم تظاهرات ضد الاتفاق أدّت إلى صدام بين «حزب الله» والجيش اللبناني، قرب مطار بيروت، في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية، سقط فيه قتلى وجرحى من المتظاهرين.
الشيطان الأكبر
من جهة أخرى، عداء «حزب الله» لأميركا، يعود إلى مرحلة تأسيسه مطلع الثمانينيات، مع انتصار «الثورة الإسلامية» في إيران بقيادة الإمام الخميني الذي رفع شعاري «أميركا الشيطان الأكبر» و«الموت لإسرائيل»، فقامت عقيدة الحزب المقاوم لإسرائيل، على نهج مرشد الثورة الإيرانية، باعتبار أميركا هي الداعم الأول للكيان الصهيوني، فيما افتتحت طهران سفارة لفلسطين مع وصول «آيات الله» إلى الحكم وأقفلت سفارة إسرائيل فيها. فيما كانت إيران –قبل الثورة– دولة داعمة لإسرائيل، ومنفذة لسياسات ومشاريع أميركا في المنطقة، فاحتل طلاب إيرانيون ثوريون السفارة الأميركية في طهران كتعبير عن رفض لسياسات واشنطن لتبدأ العلاقة بين البلدين بالتدهور.
وجاء الإعلان عن «حزب الله» رسمياً عام 1984، بعد سنتين من اجتياح إسرائيل للبنان، فيما كانت طلائع الحزب قد بدأت بالظهور في العام 1980، مع وصول مستشارين من «الحرس الثوري الإيراني» وقياديين منه، لتنظيم عناصر مؤيّدة للثورة، فكانت البداية مع انشقاق أو خروج قيادات وكوادر من حركة «أمل»، وإنشاء ما سمي بـ«حركة أمل الإسلامية»، التي كان من مؤسسيها حسين الموسوي الذي أصبح نائباً عن «حزب الله» في البقاع وزكريا حمزة، وعلي الحسيني، والسيد حسن نصرالله، إضافة إلى تحوّل قيادات من «حزب الدعوة» في لبنان نحو التنظيم الجديد ومن أبرزهم الشيخ نعيم قاسم والنائب محمد رعد.
ثأر قديم
مع الغزو الصهيوني للبنان في صيف 1982 –لطرد الفلسطينيين وإقامة حكم موالٍ لإسرائيل يقوده بشير الجميّل الذي تعاون مع جيش الاحتلال واغتيل قبل أن يتسلّم رئاسة الجمهورية– بدأ «حزب الله» نشاطه العسكري باستهداف قوات الاحتلال، كان أبرزها نسف مقر الحاكم الإسرائيلي في صور، فيما ظهرت أولى عمليات المقاومة الوطنية في بيروت بعد احتلالها، في عملية «الويمبي» الشهيرة التي قام بها عضو «الحزب السوري القومي الاجتماعي» خالد علوان، كما نشط أيضاً عناصر من الحزب الشيوعي وقوى ناصرية، في طرد الاحتلال الإسرائيلي من العاصمة اللبنانية، لتشن بعد ذلك عملية هزّت لبنان والعالم بنسف السفارة الأميركية، فيما كانت قوات مشاة البحرية (المارينز) تتمركز على الشاطئ اللبناني، لتثبيت الحكم الكتائبي وتشريع الاحتلال الإسرائيلي عبر إقامة سلام معه، من ضمن المشروع الأميركي آنذاك لإنهاء الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني، بعدما وقع الرئيس المصري أنور السادات اتفاق كامب ديفيد.
إذ كان من المفترض أن يصبح لبنان ثاني دولة عربية توقّع اتفاق سلام مع إسرائيل، عبر ما عرف بـاتفاق «17 أيار» الذي أسقطته القوى الوطنية اللبنانية، فيما تعرّضت مقار القوات الأميركية والفرنسية لأعمال تفجير، فخسر عهد أمين الجميّل الغطاء الدولي، وانفكّ الإسرائيليون عنه.
فقد كان تفجير السفارة الأميركية وبعدها مقر قوات «المارينز»، كفيلاً بقلب المشهد رأساً على عقب، وهو ما لم يغب عن ذهن الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تتهم «حزب الله» بالوقوف وراء تلك التفجيرات، ناهيك عن عمليات خطف مواطنين أميركيين وأجانب قام بها عماد مغنية القائد العسكري لـ«حزب الله».
القرار الأميركي الجديد
العقوبات الأميركية الأخيرة التي أعلنتها وزارة الخزانة الأميركية، بوضع ثلاثة من قيادات «حزب الله» السياسية على قوائم العقوبات، لم يكن مفاجئاً، وهو كان متوقعاً، من ضمن سياسة واشنطن التصعيدية ضد «حزب الله»، وإن كان غير مسبوقاً لناحية استهداف عضوين في البرلمان اللبناني. فواشنطن ترى في «حزب الله» تهديداً لإسرائيل، وذراعاً إيرانية في المنطقة، إضافة إلى علاقته الوطيدة بدمشق وحركة «حماس» وفصائل فلسطينية أخرى.
ورفع قرار العقوبات الأميركية الأخير، عدد الأفراد والمؤسسات التابعة لـ«حزب الله» إلى نحو خمسين، بعد إضافة كل من محمد رعد رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة»، وأمين شرّي النائب في الكتلة نفسها، إضافة إلى رئيس لجنة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا.
وفي مطالعة لوكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، سيغال ماندلكر، قال إن الأشخاص الثلاثة، تعتبرهم واشنطن داعمين للمصالح المالية والأمنية للمنظمة الإرهابية في لبنان، كما تتهمهم بتعزيز الأنشطة الخبيثة لصالح إيران، واصفاً «حزب الله» بأنه مصدر تهديد للاستقرار الاقتصادي والأمني في لبنان والمنطقة ككل، على حساب الشعب اللبناني. وأضاف أن الولايات المتحدة ستواصل جهودها الداعمة للحكومة اللبنانية، «لحماية مؤسساتها من استغلالية إيران وعملائها الإرهابيين، وتأمين مستقبل أكثر سلاماً ورخاء للبنان».
وبحسب تقرير وزارة الخزانة، فإن النائب شرّي يستغل موقعه «لتعزيز أهداف «حزب الله» والتي كثيراً ما تتعارض مع مصلحة الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية». وأضاف التقرير أن شرّي يعمل لمصلحة «حزب الله» داخل المجتمع اللبناني، و«قد استخدم ثقل دوره التمثيلي للتأثير في صنع القرار والضغط على المؤسسات المالية لمساعدة «حزب الله» في الحد من تأثير العقوبات الأميركية». ويورد التقرير أنه هدّد مسؤولين في المصرف المركزي وأفراد أسرهم، بعدما جمّدت حسابات عضو «حزب الله»، أدهم طباجة.
وما ينطبق على شرّي، وفق ما جاء في القرار الأميركي، يسري على النائب محمد رعد العضو في مجلس شورى الحزب منذ عام 2009، والمتهم بمحاولة التأثير على قرارات مجلس النواب لصالح «حزب الله»، مع ذكر علاقته بطباجة وحسين علي فاعور المتّهمين أميركياً بتمويل منظمة إرهابية.
كما أن وفيق صفا، يستغل منصبه الأمني، والتنسيق الذي يجريه مع القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية، لتسهيل مرور مواد مهربة عبر الحدود والمرافئ والمطار، إضافة إلى تأمين مرور شخصيات من «حزب الله» عبر المطار، وهو على علاقة وثيقة أيضاً بطباجة، إضافة إلى ارتباطه بقائد فيلق القدس في «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني، المدرج أيضاً على قوائم العقوبات الأميركية.
موقف لبنان
لا شك أن القرار الأميركي الجديد، شكل خطوة سلبية تجاه لبنان، وربما مفاجأة للبعض في ظل الحديث الأميركي الدائم عن مساعدة لبنان وحماية أمنه واستقراره، إذ جاءت العقوبات بعد فشل مهمة ديفيد ساترفيلد في ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، حيث رفض لبنان الخضوع للشروط الإسرائيلية التي لم تتحرّر منها واشنطن، كما تزامن القرار مع ارتفاع وتيرة الصدام بين أميركا وإيران، حول إلغاء الإتفاق النووي الإيراني من الجانب الأميركي، ووقف تصدير النفط الإيراني، للضغط على الجمهورية الإسلامية اقتصادياً ومحاصرتها مالياً لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات.
فكانت حصة لبنان من هذه التوترات، من خلال «حزب الله»، بإنهاء سياسية الفصل بين جناحه العسكري والسياسي، في محاولة غير مسبوقة للضغط على الحكومة اللبنانية لمقاطعة «حزب الله» وإخراجه من السلطة التنفيذية وعزله سياسياً بفك الارتباط به وعدم تمثيله في الحكومة، إضافة إلى قطع التنسيق بينه وبين الجيش الذي تصر الإدارة الأميركية على مواصلة دعمه، تمهيداً لنزع سلاح «حزب الله»، وفق ما يروّج له سياسيون مناهضون للمقاومة، ممن يسيرون في ركب السياسة الأميركية في لبنان والمنطقة، وربما هذا ما يفسّر هجوم وليد جنبلاط على «حزب الله» منذ أشهر.
لكن الموقف الرسمي اللبناني، لم يوافق الإدارة الأميركية في قرارها، إذ أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن أن القرار يتناقض مع مواقف أميركية سابقة، اعتبرت أن لبنان يلتزم بالقرارات المالية والمصرفية، مطالباً بتفسير لما حدث، في حين رأى الرئيس نبيه برّي في القرار اعتداءً على سيادة لبنان، معلناً رفضه المساس بمجلس النواب، كما بالحكومة. أما الرئيس الحريري فقال إنه يمكن معالجة هذا الموضوع كما تمت معالجة عقوبات سابقة دون التأثير على عمل مؤسسات الدولة اللبنانية.
Leave a Reply