هدية جديدة من إدارة ترامب لدولة الاحتلال
عواصم – «صدى الوطن» – أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأسبوع الماضي تغييراً جوهرياً في موقف الولايات المتحدة إزاء المستوطنات اليهودية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية، متخلياً عن سياسة اعتمدها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر والإدارات المتعاقبة على مدى أربعة عقود، باعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي.
فوفقاً للسياسة الأميركية الجديدة التي تتناقض مع الشريحة الأكبر من الدول كما وقرارات مجلس الأمن الدولي، فإن بناء المستوطنات في الضفة الغربية لن يعتبر خرقاً للقانون الدولي، بل هو «شرعي». وهذا يعني إعطاء الضوء الأخضر لدولة الاحتلال بضم أراضي المستوطنات إلى إسرائيل، والقضاء على أي أمل في تحقيق تسوية للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي على أساس حل الدولتين.
ويتناقض هذا القرار مع الرأي القانوني لعام 1978 الذي كانت تبني على أساسه وزارة الخارحية الأميركية سياساتها، وينص على أن واشنطن تعتبر المستوطنات «انتهاكاً للقانون الدولي». ويعرف هذا الرأي القانوني بـ«مذكرة هانسيل»، وكانت الأساس لأكثر من أربعين عاماً من المعارضة الحذرة للبناء الاستيطاني، التي كانت تتفاوت بلهجتها وفقاً لموقف الرئيس، وإن لم تتوقف أعمال البناء وقضم الأراضي الفلسطينية، قط.
القرار الجديد الذي مهد له السفير الأميركي في القدس المحتلة، ديفيد فريدمان، ومبعوث السلام السابق، جيسون غرينبلات، ووصفته صحيفة هآرتس اليسارية بـ«الهدية المسمومة»، يضاف إلى مجموعة القرارات الجائرة والمعادية للفلسطينيين، التي اتخذتها إدارة دونالد ترامب منذ تنصيبه عام 2017، في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية ومنها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها وإغلاق المفوضية الفلسطينية في واشنطن وقطع الأموال عن حكومة رام الله وكذلك قطع الحصة التي كانت تدفعها لوكالة غوث اللاجئين «الأونروا» كخطوة لإضعافها وإغلاقها توطئة لإنهاء ملف اللاجئين الذين لا تعترف واشنطن بأعدادهم وفقاً لتقديرات «الأونروا».
ووجدت الولايات المتحدة، الأربعا الماضيء، نفسها في موقع الدفاع عن النفس داخل الأمم المتحدة في وجه معارضة قوية من الاتحاد الأوروبي والقوى العالمية الأخرى.
وكررت نائبة السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، شيري نورمان شاليه، الموقف الأميركي الجديد بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قائلة إنها «لا تتعارض في حد ذاتها مع القانون الدولي». وأضافت شاليه أن الولايات المتحدة «لا تزال ملتزمة بقضية السلام»، وإعلان بومبيو« لا يغير هذه الحقيقة».
ردود فعل
رحبت إسرائيل بإعلان الإدارة الأميركية، واصفة إياه بـ«تصحيح للخطأ التاريخي»، فيما دانته ورفضته السلطة الفلسطينية، مطالبة المجتمع الدولي بالرد عليه.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمة له، تعليقاً على القرار، إن «الولايات المتحدة تبنت اليوم سياسة مهمة تصحح المسار التاريخي الخاطئ».
واعتبر نتنياهو أن قرار واشنطن «يعكس الحقيقة التاريخية التي تتمثل في أن اليهود ليسوا مستعمرين غرباء في يهودا والسامرة (التسمية العبرية للضفة الغربية)».
وأضاف أن «إسرائيل تبقى مستعدة لمفاوضات سلام مع الفلسطينيين حول جميع المسائل المتعلقة بالوضع النهائي بهدف تحقيق سلام ثابت، لكنها ستواصل رفض جميع الحجج بشأن عدم شرعية المستوطنات».
ورداً على إعلان بومبيو، صرح الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، أنه «إعلان باطل ومرفوض ومدان ويتعارض كلياً مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية الرافضة للاستيطان، وقرارات مجلس الأمن، خاصة القرار رقم 2334».
وأكد أبو ردينة أن «الإدارة الأميركية غير مؤهلة أو مخولة بإلغاء قرارات الشرعية الدولية، ولا يحق لها أن تعطي أي شرعية للاستيطان الإسرائيلي».
وطالبت الرئاسة الفلسطينية دول العالم برفض وإدانة القرار الأميركي لأنه غير قانوني ويهدد السلم والأمن الدوليين، وجددت التأكيد على أن «الإدارة الأميركية فقدت تماماً كل مصداقية ولم يعد لها أي دور في عملية السلام».
من جهته، دعا أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، مستشاري الإدارة الأميركية إلى مراجعة بنود القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقال إن «أدوات القانون الدولي جميعها تدين الاستيطان بدءاً من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحرم نقل السكان المدنيين إلى الأرض المحتلة مروراً بميثاق روما الذي يعتبر الاستيطان جريمة حرب، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، ومؤخراً القرار الصادر عن محكمة العدل الأوروبية بحيثياته القانونية الموثقة تأكيداً لهذا الموقف الواضح الذي تتخذه أدوات القانون الدولي كافة إزاء الاستيطان والذي هو غير قابل للدحض أو الشك».
بدوره، حذر الأردن من خطورة القرار الأميركي وتداعياته على عملية السلام. وكتب وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي في تغريدة على «تويتر»، أن «المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة خرق للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وإجراء يقتل حل الدولتين ويقوض فرص تحقيق السلام الشامل».
وأضاف أن «موقف المملكة في إدانة المستوطنات راسخ ثابت. نحذر من خطورة التغيير في الموقف الأميركي إزاء المستوطنات وتداعياته على كل جهود تحقيق السلام».
وبطلب من السلطة الفلسطينية، أعلنت جامعة الدول العربية في بيان، عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب الاثنين المقبل، في القاهرة لبحث «التطور الخطير لموقف الإدارة الأميركية بشأن الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني في أرض دولة فلسطين المحتلة عام 1967».
أوروبا وروسيا
أدانت الخارجية الروسية، القرار الأميركي في بيان أصدرته يوم الثلاثاء الماضي، وحذرت فيه من أن هذه الخطوة ستزيد التوتر في المنطقة وتقوض الأساس القانوني لتسوية الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وفق ما نقلت «رويترز». وأضاف البيان، أن موقف روسيا هو أن المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية غير قانونية، وتتعارض مع القانون الدولي.
ومن جهته، دان الاتحاد الأوروبي سياسة إسرائيل ببناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد، فيديريكا موغيريني، في بيان إن «موقف الاتحاد الأوروبي بشأن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة واضح ولم يتغير: كل الأنشطة الاستيطانية غير شرعية بموجب القانون الدولي».
وتابعت أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية «تقوض إمكانية تحقيق حل يستند إلى قيام دولتين وفرص التوصل إلى سلام دائم».
وذهب وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن إلى حد مطالبة الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بدولة فلسطينية رداً على قرار الولايات المتحدة.
وقال أسلبورن لرويترز «الاعتراف بفلسطين دولة ليس معروفاً ولا تفويضاً مفتوحاً وإنما اعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولته… ليس المقصود منه مناهضة إسرائيل»، لكنه إجراء يستهدف تمهيد الطريق لحل الدولتين.
والجدير بالذكر أن إعلان بومبيو جاء بعد أقل من أسبوع من قرار المحكمة الأوروبية بشأن الالتزام بتمييز منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأسواق الأوروبية.
الانتخابات الأميركية
وبالإضافة إلى الاهتمام الدولي، حظي قرار إدارة ترامب بردود فعل شاجبة داخل الولايات المتحدة، ولاسيما من المرشحين الديمقراطيين البارزين للرئاسة، إليزابيث وورن وبيرني ساندرز.
وتعهدت السناتورة اليسارية، وورن، بإلغاء قرار إدارة ترامب في حال فوزها بالانتخابات، وقالت في تغريدة على «تويتر»: «إنها محاولة إيديولوجية أخرى من قبل إدارة ترامب لصرف الانتباه عن إخفاقاتها في المنطقة، هذه المستوطنات لا تنتهك القانون الدولي فحسب، بل إنها تجعل السلام أكثر صعوبة، سأقوم بإلغاء هذه السياسة، وسأتابع حل الدولتين».
ومن جهته، انتقد السناتور ساندرز القرار قائلاً –عبر «تويتر»– إن «المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غير قانونية. وهذا واضح من القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعددة». وأضاف «مرة أخرى، يقوم السيد ترامب بعزل الولايات المتحدة وتقويض الدبلوماسية من خلال التقيد بقاعدته المتطرفة».
إلى ذلك، اتهم مارتن إنديك، المفاوض والسفير الأميركي السابق، زميله اللاحق ديفيد فريدمان بأنه ضغط في اتجاه اتخاذ القرار.
وقال إنديك في تغريدة: «خطوة لا مبرر لها، لماذا هذه الصفعة الجديدة للفلسطينيين مرة أخرى؟ لماذا يتم تعزيز حركة الاستيطان في نفس اللحظة التي يحاول فيها غانتس تشكيل حكومة؟ هذه هي بصمات فريدمان».
Leave a Reply