وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بناءً على طلبهم، استقبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يوم الأربعاء الماضي، سفراء 25 دولة، وجرى تداول موضوع استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق، وفي مقدمتها السفارة الأميركية بالعاصمة بغداد.
الكاظمي أكد حرص بلاده على فرض سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وحماية البعثات والمقار الدبلوماسية، موكداً أن مرتكبي الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية يسعون إلى زعزعة استقرار العراق، وتخريب علاقاته الإقليمية والدولية.
من جانبهم، أكد السفراء في مداخلات متفرقة دعم العراق وشعبه واحترام سيادته والسعي عبر الحوار لتحقيق الاستقرار والسلام وضمان الصداقة والتعاون، وأعربوا عن قلقهم من تزايد الهجمات ضد المنشآت الدبلوماسية بالصواريخ.
في هذا الوقت، أبلغ السفير الأميركي لدى العراق، ماثيو مولر، وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، بأن البلدين دخلا، بالفعل، حقبة جديدة من علاقاتهما. إلا أن مولر أكّد بعد لقائه مستشار الأمن الوطني العراقي، قاسم الأعرجي، في بغداد، استمرار دعم بلاده للعراق في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب والمساعدة في تخطّي التحدّيات الراهنة.
تحالف «الفتح» الذي يضم عدداً من الكتل النيابية بينها كتلة «صادقون»، كشف عن أن السفارة الأميركية في بغداد عملت على إفشال اتفاقيات عسكرية واقتصادية أبرزها اتفاقية «سيمنز» والصين، وقال النائب عن التحالف محمد كريم، إن استمرار وجود القوات الأميركية داخل الأراضي العراقية يهدد الأمن والسلم بالمنطقة، لافتاً إلى أن السفارة الأميركية أسهمت بدور تخريبي في العراق حيث عملت على دعم جماعة «داعش» الإرهابية لخلق الفوضى.
وقد أصدرت «عمليات نينوى» في «الحشد الشعبي»، الخميس الماضي، توضيحاً بشأن الصواريخ التي استهدفت محافظة أربيل، مؤكدة إلقاء القبض على أشخاص لهم علاقة باستهداف البعثات الدبلوماسية، مشيرةً إلى أن التحقيقات وصلت إلى «نتائج كبيرة ومهمة».
مجموعة من الأسئلة توجهت بها «صدى الوطن» إلى الناطق الرسمي باسم كتلة «صادقون» البرلمانية نعيم العبودي، الذي لفت بداية إلى أنه قبل لقاء الكاظمي بالبعثات الدبلوماسية كان هناك لقاء للسفير الأميركي مع تلك البعثات للضغط عليها من أجل إقفال سفاراتها وممثلياتها، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، معتبراً أن موضوع إقفال السفارة الأميركية في بغداد من أساسه هو مجرد «فبركة» لتأليب الرأي العام على الحكومة العراقية وفصائل المقاومة.
ويؤكد العبودي أن السفارة الأميركية تحولت إلى ثكنة عسكرية وأنها ليست مجرد بعثة دبلوماسية، وهي تتدخل بوضوح في الشأن العراقي، وتؤدي دوراً تحريضياً لاسيما في التظاهرات الأخيرة، وعبر إنشاء منصات في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويشدد النائب العبودي أن هذا لا ينفي الموقف الحاسم للفصائل وللقوى السياسية الرافضة لاستهداف البعثات الدبلوماسية، كما أن هناك مطلباً شعبياً وبرلمانياً، وأيضاً حكومياً، منذ عهد حكومة عادل عبد المهدي يعتبر أن العراق ليس بحاجة إلى وجود قوات أجنبية مقاتلة على أراضيه، وهذا الأمر حصل سابقاً بطلب من الحكومة العراقية نفسها في فترة ظهور داعش واستيلائه على مساحات واسعة من العراق عام 2014، لكن اليوم أصبحت للعراق قوة كبيرة من الجيش والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب، فضلاً عن قوات «الحشد الشعبي»، وهي مدربة بما يكفي وقادرة على حماية الساحة العراقية من أي تهديد أو اعتداء.
كما أن بغداد شهدت منذ فترة، تظاهرات مطالبة بخروج القوات الأجنبية، سبقتها إدانات متكررة للانتهاكات المستمرة للسيادة وللتدخلات الأميركية في الساحة العراقية، ومن ضمنها قصف مقار تابعة للشرطة و«الحشد الشعبي»، فضلاً عن الاعتراف الإسرائيلي بقصف مخازن أسلحة تابعة للشرطة الاتحادية والحشد الشعبي، حيث سقط نتيجة ذلك عدد من الشهداء.
وكانت تجاوزات الولايات المتحدة قد بلغت ذروتها باستهداف الرجل الأول في قيادة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس وضيف العراق، الفريق قاسم سليماني الذي كان يحمل رسالة رسمية للحكومة العراقية، بحسب العبودي.
كل ذلك دفع بالساحة العراقية لتكون على موقف واحد بالدعوة إلى خروج القوات الأميركية.
وعن وجود شبه إجماع حول ذلك، يلفت العبودي إلى أن الكتل الشيعية تحديداً مجمعة على هذا الأمر، وأيضاً ضد موضوع التطبيع مع إسرائيل الذي برز في الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أن هذا التوجه «مرفوض رفضاً قاطعاً، بل هو خط أحمر، وواشنطن اليوم تضغط من أجل تهيئة الرأي العام لذلك، لكن في العراق الأمر مختلف، وقد لا تجد عراقياً واحداً يتقبل فكرة التطبيع، لأن ذلك يتعلق بالجانب الفكري والعقائدي والاجتماعي».
ويشدد الناطق باسم كتلة «صادقون» على أن الكيان الإسرائيلي هو، في الوجدان الشيعي والعراقي، العدو النهائي.
وفيما يتعلق بإطلاق الصواريخ على المدنيين الآمنين وعلى بعض المناطق، يجزم العبودي بوجود طرف ما على علاقة بالولايات المتحدة، هو الذي يقوم بتلك الأعمال التخريبية، والهدف من ذلك هو تأليب الرأي العام على كل من يطلق صاروخاً على القوات الأميركية، أي على فكرة ومبدأ المقاومة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أن الولايات المتحدة لديها القدرة الكاملة على كشف أدق التفاصيل في أية عملية استخبارية، وهي تعتمد على الأقمار الاصطناعية، فلماذا هي اليوم تدعي العجز عن كشف هوية الذين يستهدفون البعثات الدبلوماسية ومن بينها الأميركية؟ علماً أنه يتم العثور على المنصات التي تطلق منها الصواريخ في أماكن قريبة ومحيطة بالسفارة الأميركية، ما يعني بالضرورة أن ثمة عملاً منظماً لمحاولة خلط الأوراق.
وحول التهديد بإغلاق سفارتها في بغداد، يشير العبودي إلى أن موقع العراق الاستراتيجي واقتراب موعد الانتخابات الأميركية والتحديات الموجودة في المنطقة، وليس فقط في العراق، تحتم على الولايات المتحدة الإبقاء على سفارتها، «لكن الهدف من هذه الزوبعة هو تأليب الرأي العام على فصائل المقاومة والحشد الشعبي».
وأضاف «نحن كفصائل مقاومة نعتبر أنه لو كانت واشنطن تريد مصلحة العراق وتطوير العلاقات وصادقة في مسألة احترام سيادته، ما كانت لتلوّح بإقفال سفارتها، وأكبر مثال على ذلك ما تعرّض له عدد من القنصليات الإيرانية من اعتداء وحرق، وحتى باغتيال الرجل الأول للقوات العسكرية الإيرانية قاسم سليماني على الأراضي العراقية، رغم كل ذلك راعت الجمهورية الإسلامية سيادة العراق ووحدته في كل الإجراءات التي اتخذتها، ولو أن الاغتيال حدث لشخصية أميركية موازية لموقع قاسم سليماني فماذا كانت لتفعل أميركا؟
وعمن يساوي بين إيران وأميركا في العراق يسرد العبودي بعض الوقائع، للتمييز بين موقف الدولتين بغض النظر عن المنطلقات العقائدية أو الدينية أو الشخصية. فإيران وقفت منذ البداية إلى جانب العراق وكانت تدعمه وتزوده بالأسلحة وتحديداً في عام 2014، يوم طلبت لجنة الأمن والدفاع العراقية من الولايات المتحدة تزويدها بالسلاح وقد وافقت واشنطن حينها على الطلب لكنهم قالوا إن السلاح سيصل بعد أربع سنوات، بينما كانت المناطق تسقط الواحدة تلو الأخرى بيد «داعش». أما الجمهورية الإسلامية عندما طُلبت منها المساعدة وصل على الفور مستشاروها العسكريون والكميات المطلوبة من العتاد، وكانت عقود شراء السلاح تُوقع في الصباح وتصل الكميات المطلوبة في مساء اليوم نفسه. «هذا هو الفارق بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة ونحن كعراقيين ننطلق من مصلحة بلدنا أولاً وآخراً» يقول العبودي.
وحول رضى كتلة «صادقون» عن أداء الحكومة العراقية الحالية، وتحديداً فيما يتعلق بالعلاقة مع «الحشد الشعبي» يشير العبودي إلى أن الحكومة الحالية جاءت بعد حراك شعبي دفع الحكومة السابقة للاستقالة وسط ملفات شائكة عديدة، لافتاً إلى أن الأزمتين الاقتصادية والصحية والإعداد للانتخابات المقبلة هي الأهم، و«محاسبة الحكومة يجب أن تكون انطلاقاً من هذه الملفات الثلاثة والتصويب على أي تفاصيل أخرى لا يفيد في الوقت الراهن بل يفاقم الأزمة».
لا ينفي العبودي وجود «ملاحظات» على أداء الحكومة، «لكننا في تكتل صادقون ننتقد بموضوعية ونرغب في تثبيت الاستقرار السياسي في البلاد وفق السياقات القانونية، مع توخي الموضوعية.
واستدرك العبودي بالقول «حتى هذه اللحظة، موقف الحكومة لا يرقى إلى مستوى التحديات التي تشهدها الساحة العراقية، وقد نصحناها وأكدنا أن الانتخابات المبكرة، هي التي ستبيّن أحجام الكتل السياسية وتعيد ثقة المواطن بالعملية السياسية. كما طالبنا بوجود رقابة دولية عليها من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فالهدف هو إنجاح هذه الانتخابات وليس وصول كتل سياسية معينة أو إفشال أخرى».
وفيما يخص انتخابات الرئاسة الأميركية وانعكاساتها على المشهد العراقي، يقول الناطق الرسمي باسم كتلة «صادقون»، إن الأمر سيان «فالإدارة واحدة والسياسة الخارجية مرسومة وواضحة وأياً كان الرئيس سيسير وفقاً لها».
الانتخابات الأميركية باتت على الأبواب، ولذلك يتوقع المراقبون الذين يحمّلون إيران مسؤولية استهداف القوات الأميركية في العراق، عدم قيام طهران برفع وتيرة الضغط على الأميركيين –عبر حلفائها طبعاً– كي لا تنعكس تبعات هذا الأمر لصالح ترامب في الانتخابات، ومن المرجح أن يكون الهدف من زيارة وزير الخارجية العراقي لطهران، إقناع الإيرانيين بفرملة حلفائهم.
هكذا، وإثر كل تطور أمني على الساحة العراقية، تنشط الاتصالات بين مختلف اللاعبين، وعلى رأسهم إيران والولايات المتحدة، فهل سيظل العراق صندوق بريد لتبادل الرسائل بين القوى الإقليمية؟
Leave a Reply