حتقولو الفقرا ومشاكلهم دي مسائل عايزة التَفانين
وانا رأيــي نحلّها رَبّــــاني ونمـــوّت كـل الجَـعــانين
وبـهذا ما حـدّش ح يجوع و ح نقفل هذا الموضــوع
أحمد فؤاد نجم
تعيش كثير من شعوب المعمورة تحت حدّ الفقر وخاصة في إفريقيا وآسيا ومن بينها المنطقة العربية، نعم المنطقة العربية التي تموج تحت أراضيها بحيرات من الغاز والنفط، لكن للأسف الشديد تكافح كثير من شعوبها من أجل الحصول على ما يسدّ الرمق. تصفحوا مواقع كثيرة على الإنترنت لتقفوا على الحقيقة المُرة ولتروا الفقر والمآسي الزرقاء وبكل الألوان في الصومال وجيبوتي وجزر القمر وإريتريا والسودان واليمن ولعل كثير من العرب لا يعرفون بعض هذه الدول العربية الإفريقية وأكيد أن الكثير لا يعرفون كذلك شعوبها ولا لهجاتها الأمهرية والسويحلية العربية والتي تجعل منهم أكثر عروبة من بلدان البطيخ العربي.
نقول وبكل ألم أنّ أغلب الدول الخليجية المستكرشة والمتخمة بالمال لم يعد يهمها حالات الخصاصة والفقر المدقع الذي تعاني منها شعوب شقيقة ترتبط معها بوحدة الدم واللغة والدين والتاريخ المشترك، لم يعد يحرك مشاعر «آل بترودولار» ما يعانيه اشقاؤهم الذين يعيش كثير منهم واقعا تتفشى فيه الامراض والاوبئة والفقر المدقع، لا يجد كثير منهم ما يقتاته ولا يجدون بعض دواء يعالجون به عيالهم، ولا بيتا يأويهم فيحميهم برد الشتاء وقيظ الصيف، كثير منهم يفترشون الأرض ويتلحفون السماء وأكثرهم حظاً تتكرم عليه المنظمات الإنسانية بخيمة، لا توجد مياه وإن وجدت فهي غير نظيفة، لا طعام إلاّ بعض الفتات، مياه وبعض أكلٍ من دقيق يتطاير فوقه الذباب والحشرات لتتضاعف الامراض وتتعمق مآسي البشر.
بلغ الأمر الى أن تدق المفوضية العليا للاجئين لدى الأمم المتحدة ناقوس الخطر وتعلن أنّ اليمن اصبحت تحتل المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر فقراً بالعالم، دولة بتعداد يتجاوز أكثر من خمسة وعشرين مليون نسمه يعيش 17 بالمئة منهم بأقل من دولار واحد يوميا، والأدهى والأمرّ من هذا أنّ اليمن يجاور شقيقته السعودية التي تعتبر من أغنى دول العالم!! مصيبتنا لم تقف عند اليمن بل لقد صنفت بعض من الدول العربية مثل جزر القمر والصومال واريتريا الى جانب اليمن من بين الدول العشر الأفقر في العالم. مرحى ويحيا التضامن العربي!.
مآسي العرب استفحلت حتى تصدّروا في ذلك دول العالم، ففي تقرير أجرته مؤخرا منظمة الشفافية الدولية التابعة للأمم المتحدة تأتي العراق والسودان من بين الدول الأكثر فسادا إقتصاديا في العالم أي أنّ أموال الدولة والمساعدات لا توظف للصالح العام، فالأموال العراقية المتأتية من ريع المبيعات النفطية الضخمة لم تستثمر لتطوير البنية التحتية كالطرقات والصرف الصحي والكهرباء والماء النظيف وتأهيل مزيد من المدارس بل يوزع كثير منها لإسترضاء زعامات المذاهب الدينية والعشائرية وتظل دار لقمان على حالها. في السودان أراضٍ زراعية شاسعة، مياه كثيرة تتدفق في نهر النيل وأموال ومساعدات ترصد لذلك لكنها لا توظف توظيفا صحيحا وبذلك يظل باب السودان مُشرّعا لتنفذ منه المجاعات والكوارث البيئية والأمراض والأوبئة. عجبي من بلاد يجري فيها النيل أكبر أنهار العالم أراضيها جرداء وناسها عطاشى!
إنّ مشاكل الفقر والتخلف وانعدام التنمية في المنطقة العربية ليس مرده سوء الإدارة والفساد فقط بل إن أكبر مشاكل المنطقة العربية وأهم معوقات التنمية فيها هو عدم التوازن في توزيع الثروة العربية التي هي ملكية عامة لكل افراد الأمة. لقد استفردت بعض الدويلات التي يبلغ تعدادها السكاني أقل من مليون نسمة أو يزيد بقليل بكل ثروات المنطقة بحجة انها تقع في حدود دولتها. أيّ فرية هذه، ومن يصدق هذا الكلام، وتلك الدويلات اصطُنعت وفُصلّت تفصيلاً من قبل الدوائر الاستعمارية لتحييد الثروة ووضعها في أيدي بضعة أسر حتى يسهل افتكاك هذه الثروات ومنع العرب من التطور؟. ما الذي يميز أهل قطر عن أهل السعودية أو اليمن أو مصر أو بقية المنطقة العربية حتى تكون لكل منهم دولة خاصة بهم؟ جميعهم عرب، اغلبهم مسلمون، لغتهم عربية، كلهم يتشاركون التاريخ والجغرافيا، والأوضح من كل هذا أنه لم توجد بينهم حدود على مدى تاريخ المنطقة، ولم توضع تلك البوابات إلا في ظل الحقبة الاستعمارية.. وما تم في ظل واقع باطل فهو باطل.
لقد رفض الألمان التقسيم وأطاحوا بجدار برلين الذي فصل بينهم لسنين طويلة ولم تستطع أي جهة أن تفرض عليهم واقع التجزئة، أليس من حق العرب ان يرفضوا التقسيم ويتجاوزوا الكثبان الرملية التي هي اسهل امرا من خراسانات جدار برلين؟ أليس من الأحرى بالشباب العربي الذي يهاجر سراً الى أوروباً وتغرق بكثير منهم القوراب في عرض البحر ليهلكوا وهم في ريعان الشباب أن يحولوا وجهتهم شطر بلادهم الأخرى الغارقة في الترف والتي تبلغ مدخرات واحدة منها مدخرات كل دول أوروبا مجتمعة؟
أعتقد انه سؤال وجيه خاصة وان تلك الدول تجلب غير العرب من اقاصي الدنيا وتمنح كثيراً منهم الوظائف وحتى جنسية البلد، في حين لا يعطى العرب الوافدون من الجيل الثالث حقوقاً ويحرمون أحيانا حتى من التعليم في تلك البلدان. تُصرف الأموال لشراء بغل أو فرس أو جمل بملايين الدولارات، وتنفق جبال من الاموال في بناء اليخوت أو القصور أو شراء الجزر أو في استجلاب رياضيين من أمم أخرى بالمليارات للتباهي بهم في الدورات الرياضية في حين يجوب الأطفال والمعوزون وهم يتضورون جوعاً شوارع دول عربية أخرى ليقتاتوا من المزابل.
سلّم العرب أمرهم للّه بعد أن نصّب الاستعمار مشائخ على مناطق غنية بالنفط وفصّل لهم الدول على مقاس الثروات التي تحتها وفوقها، ومنع أغلب العرب من أن يكون لهم حق في إرث أجدادهم، بعد أن قننوا التجزئة وبنوا الحدود والبوابات وتركوا وراءهم في اغلب القصور «مستشارين» هم في الحقيقة الساسة المتنفذون، وهم من يوجهون السياسة الى حيث لا مصلحة للشعوب العربية فيها. تحول العرب من غير الدول النفطية الى جرب يجب التخلص منه وتوضع الشروط عليهم ليدخلوا الى بلدان النفط ووصل الامر الى ان يفرض على العربي تأشيرة للدخول في حين تشرّع الأبواب في وجه غيره. إنه مشروع متكامل يقوم على تفرد البعض بالثروات، تكريس التجزئة والتمييز بين العرب، وبذر التحاسد بينهم.
وظف المال لمنع التنمية في البلدان النفطية فنشر ثقافة الكسل مع وجود كل شيء جاهز مما قتل ملكة الخلق والابتكار لدى كثير من الناشئة في تلك البلدان ونَمَّى لدى الكثير منهم حب الذات والانانية وازدراء العربي الاخر «غير النفطي». وقد عُمل في نفس المسار على حرمان البلاد العربية غير النفطية من ثروات «شقيقاتها» العربية لإعاقة مسيرة التنمية فيها وإجبارها على الإرتباط بالقروض الخارجية من الدول والبنوك ذات الصلة بنفس الدوائر الاستعمارية السابقة.
المال المتدفق بلا تعب ولا مجهود من ريع الغاز والبترول العربيين حيث تأخذ الشركات الإستثمارية حصة الأسد وتعطي جزءاً منه للقاعدين على كراسي تلك الدول، سيكون له وظيفة أخطر وهي ضرب الأمن والأمان والسلم الأهلي في الدول الشقيقة واحلال حالة من اللا أمن ضمن مشروع اعادة تقسيم المنطقة من جديد، لكن الغريب ان يكون معول التفتيت هذه المرة هو المال العربي.
في هذه المرة تغيرت الصورة، فبعد حالات التراخي واللامبالاة بما يجري من مآسي الفقر والهزات الاقتصادية في البلاد العربية، نشط عرب المال بقدرة قادر وتكثفت الاجتماعات والمؤتمرات التي تحث على مساندة «ثورات الربيع» وجمع السلاح وإرساله لفرقاء عرب ليستمر القتال في المزارع وفي المصانع في الساحات وفي البيوت وفي الشوارع وعلى السطوح.. لم تبق أي منطقة آمنة، لكن تطفو على السطح كثير من اسئلة المتتبعين للشأن العربي وهي:
ما هي الرسائل التي يراد أن تصل الى كل الشعوب العربية مما يجري الآن في واقعهم؟ سنحاول هنا أن نتتبع الاحتمالات، واحدة بواحدة:
احتمال اول: البلدان النفطية، ديمقراطية يسود فيها العدل وحقوق الإنسان والتوزيع العادل للثروة لذلك دعمت «ثورات الربيع» حتى تحذو حذوها. والجواب لا لأن البلدان النفطية ليس لها دساتير وأغلبها لا يُجري انتخابات وتضم سجونها آلاف سجناء الراي، كما يملك بعض قادتها يخوتاً وجزراً وكثير من مواطنيها لا يجدون بيوتاً محترمة صالحة للعيش البشري.
احتمال ثاني: بعض دول النفط تساند قوى خارجية تريد ان تساهم في تركيز دول ديمقراطية في المنطقة. والجواب
أ- أين كانت تلك الدول من قبل، وكثير منها كان يصف مبارك وبن علي وصالح وغيرهم من زعماء الاستبداد بالاصدقاء؟
ب- تكريس الديمقراطية في البلاد العربية تعني انتخابات تفرز قيادات وطنية تعمل على وحدة المتفرق وارساء حقوق الانسان والحريات الفردية وتوظيف ثروات المنطقة لصالح كل شعوبها وامتلاك قرارها وسيادتها على أراضيها. فهل تعمل القوى المتنفذة والتي يقف بعضها الآن وراء اشعال حروب المنطقة على تكريس هذه الطموحات العربية الحقيقية في الواقع؟
احتمال ثالث: تتطلع شعوب المنطقة العربية منذ خروج الاستعمار المباشر الى البحث عن سبل للتضامن والتوحد والتآزر وبناء دول المؤسسات المدنية التي تحترم حقوق الانسان، وتمتلك قرارها وثروتها، لكن طغاتها كانوا يجدون دوما المؤازرة من الخارج لقمع كل التطلعات الشعبية، وعندما انطلقت شرارة التحرر في بعض «دول الربيع»، دخلت قوى مضادة لختيارات الشعوب وحولت الثورات في وجدان العرب الى مشاهد للخراب والقتل والتدمير وانعدام الأمن والفوضى وقانون الغاب. والرسالة هنا مزدوجة، جزؤها الأول لشعوب الخليج أن حافظوا على نعمكم وانظروا ما فعلت نزعات الديمقراطية في بقية الدول، أما الجزء الثاني من الرسالة فالى شعوب «دول الربيع»، وهي: هل تقبلون الفقر والحاجة وانعدام الأمن ثمناً للديمقراطية؟.
هكذا يتبين أن مسألة التنمية ليست مرتبطة برفض العرب للتطور وعجزهم عن الفعل الإبداعي كما بينا في مقالنا السابق زيف مقولة ان العرب ليسوا مؤهلين للديمقراطية بسبب ثقافتهم الاستبدادية. إن التنمية عملية تراكمية انتاجية مرتبطة أساساً بوجود واقع أمن وأمان مع اطلاق للحريات والابداع ثم توفر الاموال التي تأتي من ثروات المنطقة والتي يقع استثمارها في عملية الانتاج المادي والفكري (تكوين كفاءات وكوادر في جميع المجالات). كما أنّ وجود الأموال سيغني الشعوب عن الاقتراض والتداين بالفوائد أما وجود الكوادر المحلية فسيمكن من بقاء العملات في الداخل كما سيسهل عملية الإنتاج المادي ويؤمن عملية التكوين والتأهيل للأجيال القادمة. إنّ مشاريع تكريس التخلف في البلاد العربية كان لها عناوين معلومة أولا تكدس الثروات في يد أقلية تحتكرها ملكاً خاصاً لا تستثمره في تنمية قدرات شعوبها إلا ما ندر وثانياً تكريس واقع الخوف وعدم الشعور بالأمان إماّ نتيجة وجود أنظمة أغلبها استبدادية أو نتيجة الغرق في أتون حروب عبثية ودمار لا يستثني أحداً حتى يفنى أغلبهم، ويبدو أن الهدف هو استهداف أصحاب الحقوق والمشاريع الوطنية حتى لا يبقى وراء الحق العربي مطالب، فهل ينجحون؟
Leave a Reply