نيويورك – خاص “صدى الوطن”
كشفت وثيقة سرية صادرة عن “دائرة شرطة نيويورك” بأن الدائرة أوصت بتكثيف مراقبة آلاف المسلمين الشيعة ومساجدهم، فقط بسبب انتمائهم للمذهب الشيعي، وذلك كطريقة لمسح منطقة الشمال الشرقي من احتمال وجود “إرهابيين إيرانيين”، حسب ما جاء في مقابلات في الوثائق السرية للشرطة.
وتعطي هذه الوثائق لمحة عن طريقة تفكير ضباط الاستخبارات العاملين مع شرطة نيويورك وكيفية الطريقة التي يبحثون فيها عن التهديدات المحتملة، حيث يركزون جهودهم التجسسية على مراقبة المسلمين والمساجد. ويقول محللون أمنيون أن قائمة المساجد المراقبة شملت العشرات منها، والمتواجدة في المنطقة الممتدة بين ولايتي كونيتيكت وفيلادلفيا لم يثبت علاقة أي منها بالإرهاب حتى باعتراف الوثائق الصادرة عن دوائر الشرطة والوكالات الأمنية الأخرى.
وكانت وكالة “أسوشيتيد برس” قد نقلت على مدى شهور قيام شرطة نيويورك وعملاء متنكرون بزي مدني بمراقبة المساجد والمسلمين في نشاطاتهم الاجتماعية وفي المقاهي، عبر عملية تجسسية بدأت بعد هجمات ١١ أيلول (سبتمبر) 2001، وقد تم التجسس بمشاركة غير عادية (ومستغربة) لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي).
وتضمن تقرير صدر عن شرطة نيويورك في أيار (مايو) العام 2006 حمل عنوان “الصراع الأميركي الإيراني: التهديد لمدينة نيويورك” سلسلة من التوجيهات منها “توسيع وتركيز المجموعات الاستخبارية على المساجد الشيعية”.
هذا في الوقت الذي تمنع فيه قوانين المدينة وأنظمة الشرطة ومكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) أن يجريا تحقيقاتهما بناء على الانتماء الديني، ولكن شرطة نيويورك تقول إنها تتبع التوجيهات.
كما أن التقرير، الذي يتضمن معلومات متوفرة في الجرائد والمواقع الالكترونية مثل “ويكيبيديا”، تم تحضيره لمفوض الشرطة رايمون كيلي، وكانت قد تمت كتابته في فترة عصيبة ومتوترة بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية الطموحات النووية الإيرانية التي ازدادت وتيرتها في الفترة الأخيرة.
وتقدر دائرة الشرطة في المدينة أعداد الشيعة بحوالي 35 ألفا والإيرانيين بـ8.500 شخص. وتوصي التقارير بمراقبة التجمعات الفلسطينية “لأنه قد يوجد بينهم إرهابيون”، وفي هذا الصدد كتب بعض المحللين: “إن الجالية الفلسطينية، رغم كونها غير شيعية، يجب أن تكون تحت الأنظار لاحتمال وجود أفراد ومتعاطفون مع حركة حماس والمجموعات الأخرى المرتبطة بعلاقات مع الحكومة الإيرانية”.
وتتعارض هذه الوثيقة السرية مع بيان لرئيس بلدية نيويورك مايكل بلومبيرغ الذي قال إن شرطة نيويورك لم تأخذ أبدا بعين الاعتبار مسألة الانتماء الديني خلالها عملها، بينما أكد كيلي أن الشرطة تذهب إلى حيث تقودها التحقيقات وليس أكثر، ولكن الوثيقة نفسها لا تتضمن أية أسباب لتوسيع عمليات المراقبة على مساجد الشيعة.
كما أثارت الوثيقة جدلا حول الطريقة التي تراقب فيها الشرطة المسلمين وتنتهك خصوصياتهم، وكان كيلي نفسه قد تلقى طلبات من ناشطين مسلمين بخصوص مشاركته في شريط فيديو يقول فيه “إن المسلمين يتسللون ويريدون الهيمنة على الولايات المتحدة”، وقد تم عرض ذلك الفيديو أمام أكثر من 1500 ضابط شرطة خلال نشاطات تدريبية.
وكانت وثائق قد نشرتها “أسوشيتيد برس” في وقت سابق أظهرت مدى المراقبة الواسعة للمساجد من قبل شرطة نيويورك، وليس واضحاً بأية حال في ما إذا كان التقرير الصادر في أيار (مايو) 2006 هو الذي شجع الشرطة ووجهها باتجاه مراقبة تلك المساجد، وكان أحد المسؤولين السابقين في الشرطة والمطلعين على التقرير، قد قال: “إن التوجيهات بخصوص مراقبة المساجد تم تنفيذها، ولكن لا يمكن القول بشكل دقيق فيما إذا كانت تلك المساجد قد تم التسلل إليها”.
وقال مسؤول في إحدى وكالات تطبيق القانون، وهو بدوره اطلع على ذلك التقرير، أنه منذ تم إصداره (التقرير) فإن شرطة نيويورك “تعلمت” أن “حزب الله” اللبناني هو حزب سياسي أكثر منه حزبا دينيا وختم بالقول إنه من غير الفعال مراقبة الشيعة. ونوه المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه بأنه لا يملكون صلاحية لمناقشة ذلك البرنامج (الذي ينصح بمراقبة المساجد).
ولم يجب ضابط الاستخبارات في شرطة نيويورك ديفيد كوهين ولا المتحدث باسم شرطة المدينة بول براون على الرسائل الإلكترونية التي أرسلتها لهما “أسوشيتد برس”. والوثيقة تم تأريخها بعد أسابيع من قيام وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس بإخطار الكونغرس الأميركي: “لا خطر نواجهه من بلد من مفرده كالخطر الإيراني”.
وماتزال الولايات المتحدة تتحسب من الخطر الإيراني ليس بسبب الملف النووي وحده وإنما بسبب من يبديه مسؤولو الاستخبارات من المتعاطفين مع إيران داخل الولايات المتحدة من تخوفات في حال نشبت حرب بين البلدين. هذا في الوقت الذي تعيش فيه أكبر المجموعات الإيرانية في أميركا حول مدينة لوس أنجلوس، وتتشاطر شرطة نيويورك هذه المخاوف مع وجود حوالي 8500 في مدينة نيويورك تحسبا لمواقفهم في حال اندلاع الحرب.
وقال رئيس “بيت القيم” أسد صديق، وهو مؤسسة تضم مسجدا في ضواحي مدينة ديلران في ولاية نيوجرسي: “هل إذا هاجمت كوبا سيقوم جميع الكاثوليكيين هنا بمهاجمة الولايات المتحدة؟ وهل إذا لأنه لدينا نفس الدين (مع الإيرانيين) سنقوم بإيذاء الولايات المتحدة، هذا لا معنى له”.
وأظهرت وكالة “أسوشيتد برس” قول محللين في مكافحة الإرهاب أنهم لم يعرفوا شيئا في حياتهم من قبل. وقال براين فيشرمان، الباحث والمدير السابق في أحد مراكز محاربة الإرهاب: “إنها لمشكلة فعلا كيف يمكن بالفعل القفز من موضوع صراع دولي إلى مراقبة مساجد الشيعة داخل أميركا”.
ولا يوجد أي توضيح حول الأسباب وراء المطالبة بتوسيع مراقبة المساجد حتى تلك المتواجدة في كونيتيكت ونيوجرسي، وقال المحلل السابق لدى “وزراة الأمن الداخلي” روبرت ريجل “في أي وقت تبدأ فيه بعزل مجتعمات معنية لأسباب سياسية فقط لأنك تظن أنها خطرة، ففي هذه الحال فسوف تدفع أحدا ما ليقوم بتلك الأشياء فعلا”.
وقال إمام “مؤسسة المهدي” في بروكلين مالك شوكت حسين “منذ 1400 سنة والشيعة مستهدفون في العراق وأفغانستان وباكستان وفي كل مكان”. وكان شوكت قد أخبر بأن المؤسسة ورد اسمها في وثيقة شرطة نيويورك.
وعبر مدير “مسجد الرحمن” أبو ماهر عن دهشته لمعرفته بأن المسجد موجود على اللائحة ضمن المساجد الشيعية المطلوب مراقبتها، وقال: “هذا المسجد ليس شيعيا حتى.. إن معلوماتهم خاطئة”.
وقال مسؤول سابق في شرطة نيويورك “إن ضباطا متنكرين بأزياء مدنية قاموا بمراقبة المطاعم والمنتديات الاجتماعية وكل أنواع النشاطات الأخرى، على عدة مجتعمات، من بينها المجتمعات الإيرانية”.
وقال الإمام صديق إن حوالي 25 عائلة معظمهم باكستانيون وهنود وعراقيون يفدون إلى المسجد، وكل عدة سنوات يمر عميل لـ”اف بي آي” ويعرف عن نفسه ثم يسأل فيما إذا لمسجدنا أية علاقة مع إيران أو فيما إذا كان من المحتمل وجود راديكاليين بين الذين يؤمون المسجد.. وإن آخر لقاء مع عملاء الـ”أف بي آي” كان في الأسبوع الماضي، ونحن نفتح أبوابنا لمن يريد، وحتى شرطة نيويورك إذا أرادت أن تأتي فأهلاً بها”.
وتجدر الإشارة أن وحدة الاستخبارات تعمل بشكل سري وبدون وجود ما يكفي من المراقبة على عملها، وحتى مجلس مدينة نيويورك لم يكن على علم ببرامج الاستخبارات السرية. ويعلق صديق على هذه المسالة بالقول: “يظنون أن بإمكانهم أن يفعلوا ما يريدونه”.
واقترحت الوثيقة السرية أن مهمة الاستخبارات تتعدى أميركا إلى خارجها، وكشفت أن ضباط شرطة نيويورك يعملون في دوائر متواجدة في 11 مدينة أخرى مثل لندن وباريس ومدريد وتل أبيب وهؤلاء يعملون بالتنسيق مع الشرطة المحلية بوصفهم آذانا وعيونا لدائرة شرطة نيوريوك.
وكتب محلل أن هؤلاء الضباط، بحسب توجيهات الوثيقة، عليهم أن يركزوا على توقعات الاستخبارات العالمية حول الخطر الإيراني، وحول مراقبة أعضاء “حزب الله” و”حماس” في أوروبا وفي الشرق الأوسط.
وهؤلاء الضباط الذين يعملون خارج أميركا من غير المفترض أن يعملوا كجواسيس ولا يفترض بهم أن يجيبوا على مديري المراكز الاستخباراتية التابعة لـ”سي آي أي”، وحتى أنهم لا يقبضون رواتبهم من الوكالة، وإنما يتقاضونها من مؤسسات غير ربحية تقوم بجمع التبرعات.
Leave a Reply