عماد مرمل – «صدى الوطن»
مع انجاز التعيينات العسكرية والأمنية من قبل الحكومة اللبنانية، يكون دم جديد قد ضُخّ في شرايين معظم المؤسسات والاجهزة المولجة بمواجهة خطري الارهاب التكفيري والاحتلال الاسرائيلي، في ترجمة للزخم السياسي الذي تولد عن انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية.
وبرغم أن عدداً من الوزراء اعترض على طريقة التعيين واحتج على عدم أخذ الوقت الكافي لدراسة السيَر الذاتية للاشخاص المعينين، إلا أن ذلك لم يقلل من أهمية القرارات الحكومية المتخذة التي اعادت الانتظام إلى عمل جزء حيوي من الدولة، بعدما سادت قاعدة التمديد والتأجيل خلال السنوات الماضية، نتيجة الشلل الذي اصاب المؤسسات الدستورية في مرحلة الشغور الرئاسي.
ومن بين ابرز القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء، تعيين قائد اللواء التاسع العميد جوزف عون المقرب من رئيس الجمهورية قائدا للجيش بعد ترقيته إلى رتبة عماد، والعميد عماد عثمان المقرب من رئيس الحكومة مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي بعد ترقيته إلى رتبة لواء، والعميد طوني صليبا مديراً لأمن الدولة بعد ترقيته إلى رتبة لواء، فيما بقي اللواء عباس ابراهيم مديراً للأمن العام بصفة مدني بعد استقالته من السلك العسكري.
وفيما تعكس سلة التعيينات التي شملت أيضاً مراكز قضائية وجمركية توافقاً سياسياً بين أقطاب السلطة، سهل مرور الأسماء في مجلس الوزراء، وجد البعض في ما جرى امتداداً لنهج المحاصصة القائم على معادلة «مرقلي لمرقلك»، وهي معادلة راسخة في النظام السياسي الطائفي وتسمح لكل زعيم بان يأتي بمناصريه إلى المواقع القيادية في الدولة، انطلاقا من مقايضات تكاد تكون مكشوفة، وتقود إلى تقاسم مدروس لجبنة السلطة.
وبهذا المعنى، فان الضباط المُعينين في المناصب العسكرية والأمنية المتقدمة، سيكونون مُطالبين بالفصل بين عواطفهم وولاءاتهم السياسية وبين متطلبات النزاهة والتجرد في عملهم، بحيث يبتعدون عن الكيدية والتشفي في سلوكهم ويقفون على مسافة واحدة من جميع القوى الداخلية، لاسيما أن الفرز السياسي والطائفي للأجهزة في الماضي أدى إلى صبغها بألوان فئوية، حتى قيل يوماً بأن هذا الجهاز محسوب على «14 آذار»، وذاك محسوب على «8 آذار»، وهذه صفحة يُفترض أن تكون قد طويت مع التحولات السياسية التي أعادت خلط الأوراق وترميم بنى السلطة.
وليس خافياً أن الرئيس ميشال عون كان من أشد المتحمسين لوصول العميد جوزف عون إلى قيادة الجيش كونهما يتناغمان في القناعات والخيارات، وليس خافياً أن اللواء عماد عثمان هو محسوب على الرئيس سعد الحريري الذي دفع نحو تعيينه رئيساً لـ«فرع المعلومات» بعد اغتيال وسام الحسن، ثم مديراً للأمن الداخلي.
عند الامتحان..
أمام هذه الحقيقة، سيكون أداء كل من عون وعثمان تحت المجهر، بالنظر إلى الحساسية الفائقة لموقعيهما، ما يفرض عليهما مسؤوليات مضاعفة، لاثبات تجردهما الوظيفي وترفعهما عن الحسابات السياسية، خصوصاً أن متطلبات المحافظة على الأمن لا تحتمل من المسؤولين عنه أي انخراط في الاصطفافات الضيقة أو أي انزلاق إلى لعبة المحاور التي تسيُ إلى مصداقية البزة العسكرية ونزاهتها.
وامتداداً لهذه القاعدة، يواجه القادة العسكريون والأمنيون الجدد تحدي رفع مستوى التنسيق والتناغم بين أجهزتهم إلى الحد الأقصى الممكن، لمواجهة المخاطر الداهمة بأفضل جهوزية وقدرات، عوضاً عن الصراع على الصلاحيات والأدوار، كما حصل خلال بعض المراحل في السابق، مع الإشارة إلى أن التنافس الإيجابي والمحكوم بضوابط المصلحة العليا هو مفيد ما دام أنه ضمن هذه الحدود تحديداً، كونه يعزز الحافز على تحقيق الانجازات.
ويأتي العماد جوزف عون إلى قيادة الجيش من مسيرة عسكرية حافلة قادته إلى الكثير من المناطق والجبهات، من الجنوب إلى عرسال وما بينهما، وهو معروف في اوساط الضباط بشجاعته القتالية، وقد سبق له أن خاض العديد من المعارك المفصلية والمصيرية، واصيب مرات عدة.
أما اللواء عثمان، فمن المعروف عنه أنه يعمل بصمت ويفضل الابتعاد عن الضوضاء الإعلامية، وقد برز اسمه بشكل اساسي بعد توليه قيادة «فرع المعلومات» خلفا لوسام الحسن، علماً أن الاختبار الأهم الذي يواجهه مع تعيينه مديراً عاماً لقوى الأمن، يكمن في حماية استقلالية هذه المؤسسة وتحييدها عن التجاذب السياسي، وهناك من يعتبر انه سيكون عليه أن يختار بين نهج اللواء أشرف ريفي الذي ضخ جرعة سياسية زائدة في عروق القوى الأمنية عندما كان يقودها بسبب تعاطفه مع فريق «14 آذار» وبين نموذج اللواء ابراهيم بصبوص الذي نجح إلى حد كبير في تحرير هذه المؤسسة من الصبغة الفئوية وأعاد التوازن إليها، فيما يرجح آخرون أن يصنع عثمان تجربته الشخصية وأن تكون له بصمته الخاصة.
.. وحدها الأيام المقبلة، ستُبين ما إذا كانت التعيينات الأخيرة في محلها أم لا..
Leave a Reply