هو الوجه ذاته.. يتلقى الصفعات ذات اليمين مرة، وذات اليسار أخرى.
كان هذا ديدن أهل الرافدين، قبل السيد المسيح أو بعده. حكام يتعاقبون على توجيه الصفعات لشعب لم يكن يقدر إلا على إدارة الخد الآخر لجلاديه.
إلى أن جاءت سطوة الزمن بجلاد جديد قام على حساب نظيره في الدين؛ وإن كان قد نادى بالدين لغاية الحكم؛ وكان أن حكم العباسيون على قاعدة نبيهم التي نادت بأفضل أنواع المساواة، “الخلق كلهم عيال الله أحبهم اليه أنفعهم لعياله”.
وهكذا كان، إلى إن وُجد وجه بغداد الجديد الذي أضاء نوره على “الخلق اجمعين”؛ وإن كانت بغداد كغيرها من المدن قد عانت من ظلم المتعاقبين عليها؛ ولكنها بالرغم من ذلك حافظت على وجهها المخضب بدم عيسى النازف من جراح محمد، رغم إحراق مكتبتها على أيدي المغول ومحاولة إطفاء شمعتها من قبل العثمانيين.
خارجي.. داخلي.. لا فرق.
كان هذا قتال خارجي لم يمس بتنوعها، أو حتى بكيانها؛ لهذا استطاعت ان تحافظ على القليل المتبقي من بيت الحكمة (وإن كانت ثارت على أسلاف المأمون ذاته).
ولكنها اليوم أمام جلاد جديد لا يعرف القراءة؛ فلا قراءة الوجوه تعنيه، ولا حتى قراءة التاريخ.
هو من ولد من رحم الاحتلال ناسفاً تعاليم عيسى ومحمد، وحتى موسى. مستنبطاً أحكاماً جديدة تحل له قتل أهل بغداد، أياً كانت دياناتهم، أو حتى طوائفهم، هو من لم يجـد بوجود الغريب سوى فرصة جديدة لبكائـه على أطلال لم تعد موجودة؛ و يريد العودة بالأمة الى خلافة، لو أنها استمرت حتى يومنا هذا لتحولت الى نظام أراده الشعب أو فرضت عليه.!!
هي ذاتها لم تتغير!!
ويأتي بغداد رجل من آخر المدينة ليقول إن الأقليات فيها ضرورة..!!
ونسأل بحرقة: أهي الأقلية المسيحية التي شكلت معظم تراثنا؟؟ أم الأقلية السنية التي شكلت معظم مجدنا؟؟ أم الأقلية الشيعية التي كانت حجر الرحى في فقه ثورتنا؟؟
ليس في بغداد والقدس وبيروت أقليات..
هناك نسيج مميز اختلط بعضه ببعض على مر عشرات القرون ليقدم لنا أوجهاً بيضاء جديدة.. قدمت الأرواح على مذبح الوطن كي تحافظ عليه. فلا يزايدن أحد على أهل بغداد، ولنقف جميعاً معهم على اختلاف مللهم، ليتوقف حمام دمنا..
Leave a Reply