بعدما نجحت الجالية العربية في منطقة ديترويت بتنظيم أكبر مظاهرة مؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، الشهر الماضي، حدانا الأمل بأننا على طريق شفاء جاليتنا من الانقسامات الطائفية والسياسية التي تنخر أوطاننا الأم، لاسيما في أعقاب ما سمّي بـ«الربيع العربي».
لم نكد نسعد بالتئام لحمتنا وتوحيد صفوفنا خلف قضية فلسطين، حتى باغتتنا مرة أخرى بعض الأصوات الناعقة بالخطاب المذهبي المقيت، ممن لا يتوانون عن إثارة النعرات الدينية من أجل مصالح ضيقة، غير آبهين بانعكاسات ذلك على وحدة الجالية وتعايش مكوناتها.
ففي عطلة نهاية الأسبوع الماضي، عجت تطبيقات التواصل الاجتماعي بدعوات لمقاطعة مقهى جديد يملكه رجل أعمال عربي أميركي، بدعوى أنه أدلى قبل حوالي خمس سنوات بتعليقات مسيئة للمسلمين الشيعة وطقوسهم الدينية.
وإننا في «صدى الوطن»، إذ نرفض رفضاً تاماً الإساءة لعقائد الناس وانتماءاتهم الدينية، فإننا لا نقبل –في الوقت نفسه– أن تثار النعرات المذهبية من أجل قطع الأرزاق بسبب هفوة رعناء ارتكبت في الماضي.
وإذا كان صاحب المقهى قد أخطأ بالتطاول على مقدسات الآخرين، فإن من أطلق حملة المقاطعة وقام بنبش بوستات قديمة ونشرها على نطاق واسع، قد ارتكب خطيئة كبرى لا يمكننا التساهل معها أو المرور عليها مرور الكرام، لأن مثل هذا التصرف –ببساطة– يشكل تهديداً صريحاً لوحدة جاليتنا التي تمكنت على مر العقود من حجز مكانة لائقة على خارطة ولاية ميشيغن بفضل جهود أبنائها وتكاتفهم.
فوحدة جاليتنا هي الرهان الأول والأخير لمواجهة التحديات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية التي قد ترسم معالم مستقبلنا في وطننا الجديد، وهي الخط الأحمر الذي لن نتغاضى عن تجاوزه أبداً.
إنه لمن المؤسف حقاً، أن بعض الأشخاص في جالياتنا العربية في الولايات المتحدة لا يتوانون عن لعب ورقة الطائفية لتحقيق أغراض سياسية أو تجارية ضيقة، دون أي اكتراث بما قد يترتب على أفعالهم لاسيما في زمن السوشال ميديا.
وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها البعض للتحريض المذهبي من أجل تحقيق مكتسبات محدودة مثل دفع منافس تجاري إلى الإفلاس أو كسب الأصوات في سباق انتخابي أو تأسيس منظمات جديدة بزعم أن المنظمات القائمة تعمل لصالح طائفة دون أخرى.
كذلك، يجب ألا يخفى علينا أن بعض الأشخاص في جاليتنا العربية مستعدون للمقايضة بأي شيء مقابل تحقيق زعامات وهمية، وهؤلاء لا يتورعون عن استغلال الحساسيات الدينية أو النزاعات المناطقية لتحقيق مآربهم الدنيئة، غير آبهين بمصالح العرب الأميركيين ومستقبل أبنائهم في المهجر الأميركي. وإن أقل ما يقال في تلك التصرفات، أنها خطيرة ومرفوضة ورخيصة، وإنها تندرج تحت عنوان إيقاظ الفتن النائمة، وقد لعن الله من أيقظها، بحسب تعبير الحديث النبوي الشريف.
نعم، لقد ارتكب صاحب مقهى «حراز» خطأ فادحاً حين تعرض لأبناء الطائفة الشيعية في ديربورن، وكذلك حين سخر من المسيرة العاشورائية الخاصة بإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، ولكن علينا، من باب الإنصاف، أن نتساءل: لماذا نُبشت تلك التعليقات القديمة بعد شهور قليلة من افتتاح مقهى «حراز» في نيسان (أبريل) الماضي؟
وما يزيد الطين بلة، هو رخاوة المسؤولية الأخلاقية لدى بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي التي خلقت فضاءً مترامي الأطراف تعمّه الفوضى والإشاعات والاتهامات والمهاترات، التي يتم تناقلها بسرعة النار في الهشيم.
ومن الجدير بالذكر، أن تلك المواقع أصبحت منصات للاستعراض وإثارة الغرائز وتغذية الحساسيات، في ظل غياب شبه كامل لأية مسؤولية أخلاقية تحد من بث الشائعات والأكاذيب، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على البيئة الافتراضية لمجتمع المتصفحين الإلكترونيين وعلى واقعهم العياني المباشر.
نعود ونؤكد بأن «صدى الوطن»، عندما شعرت بمخاطر الدعوات إلى التظاهر أمام مقهى «حراز» ومقاطعة منتجاته، بادرت بمسؤولية عالية إلى التواصل مع شخصيات وقوى اجتماعية لنزع فتيل الفتنة المذهبية، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، من منطلق إيمانها بأن وحدة الجالية العربية بمنطقة ديترويت هي مصدر قوتها الأوحد في تحقيق مطامحها السياسية والاقتصادية والثقافية بولاية ميشيغن.
وبناءً عليه، دعا الناشر أسامة السبلاني إلى تنفيذ «وقفة من أجل الوحدة»، بعدما ضمن تراجع صاحب المقهى واعتذاره عن تعليقاته المسيئة، وهو ما حصل بالفعل. بذلك، تكون الفتنة قد وئدت بأقل الخسائر، آملين بألا تتكرر الإساءات للمقدسات احتراماً لتنوعنا وتعايشنا كمجتمع واحد، وألا نسمح للمتهورين والمغرضين بإثارة النعرات من أجل تصفية حسابات أو تحقيق مكتسبات خاصة.
وبغض النظر عن رد فعل هذا الفريق أو ذاك، فإن «صدى الوطن» مستمرة في تحمل مسؤولياتها الإعلامية والسياسية والثقافية، وفي حماية مصالح العرب الأميركيين، وتعزيز دورهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، غير آبهة بمثيري الفتن.. الذين لا يعجبهم العجب، ولا الصيام في رجب!
«صدى الوطن»
Leave a Reply