إنه لأمر مروّع أقل ما توصف به وحشية الاعتداء الإرهابي المزدوج الذي تبناه تنظيم «داعش» والذي استهدف جمعا من المدنيين الأبرياء فـي محلة برج البراجنة بضاحية بيروت الجنوبية، وقضى على أثره ما يزيد عن 40 شهيداً معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى مئات الجرحى.
جريحان يرقدان في مستشفى «بهمن» بضاحية بيروت الجنوبية.(رويترز) |
ويتعدى التوصيف الذي يمكن أن يُوصف به المنظمون والمنفذون لهذه الجريمة النكراء بأنهم مجرد بهائم متوحشة، مريضة التفكير والسلوك، لا تقيم أية حرمات دينية أو أخلاقية أو إنسانية لنفوس الأبرياء، ومع ذلك يتلطون خلف شعارات التطرف المذهبي التي لا تمتّ إلى الدين الإسلامي الحنيف بأية صلة. هؤلاء القتلة الموتورون يصدق فـيهم قول الله عز وجل: «إن هم إلّا كالأنعام بل أضلّ سبيلاً» (الفرقان ٤٤).
فعندما يقوم انتحاريان بتفجير نفسيهما وسط تجمع بشري يضم مواطنين من مختلف التوجهات والمشارب، فهذا لا يعني سوى أمر واحد فقط، وهو أن هذه الجريمة البشعة موجهة ضد الإنسانية جمعاء، وبالتالي فعلى جميع الناس، من مختلف الانتماءات والعقائد والأديان، أن يجابهوا تلك المجموعات الضالة ومنظومتها العقائدية المنحرفة التي تؤسس وتبرر قتل الناس الأبرياء وتزيد فـي تسعير نيران الفتنة المذهبية بين جماعات خبرت العيش المشترك لقرون طويلة من الزمن.
أما فـي سياق الصراع السياسي والميداني الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما فـي سوريا، فإن هذا التفجير الإرهابي يثبت مرة أخرى صواب القرار الذي اتخذه «حزب الله» بدعم صمود النظام السوري فـي حربه الشاملة والشرسة على الإرهاب والتطرف الذي اجتاح البلاد، وفـي مقدمتها محاربة التنظيمات الظلامية ووأد مزاعمها وأطروحاتها الأيديولوجية التي تعادي كل من يختلف معها، وتهدد بتدمير النسيج الاجتماعي والحضاري لشعوب المنطقة تمهيدا لتفكيك الأوطان ودول الشرق الأوسط.
ومن هذا المنطلق فنحن ندين كل محاولة لتبرير الاعتداء المزودج فـي منطقة عين السكة (برج البراجنة) وعَزوِ أسبابه إلى مشاركة «حزب الله» فـي الحرب الدائرة فـي سوريا، فلقد بات فـي الأكيد أن انضمام الحزب لجبهة الحرب على الإرهاب قد قلّل -طوال الفترة السابقة- من حجم العمليات والتفجيرات الانتحارية التي تقترفها الجماعات الدينية المتطرفة والتي لا تتوانى عن تنفـيذ ضرباتها فـي أي مكان مدني يحقق لها بعض الأهداف التكتيكية، وهو الأمر الذي لطالما أكدته الأحداث المتتالية.
ومن ناحية أخرى، يجب علينا أن لا نغفل أن التطورات الميدانية الأخيرة التي نتجت عن اشتراك روسيا فـي الحرب بشكل مباشر على «داعش» وبقية التنظيمات الإرهابية المسلحة فـي سوريا وأدت إلى إحداث تغيرات كبيرة فـي موازين المعركة، فضلا عن الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش العربي السوري خلال الأسبوع الماضي بالسيطرة على عشرات القرى والبلدات فـي ريف حلب وصولا الى فك الحصار عن مطار كويرس المحاصر منذ ثلاث سنوات.
وفـي هذا الإطار، يأتي التفجير المزدوج كمحاولة بائسة لتخفـيف الضغوط الهائلة الواقعة على تلك الجماعات الإرهابية وتعويض الخسائر والهزائم العسكرية التي مُنوا بها مؤخرا، حتى ولو على حساب الناس الأبرياء البعيدين كل البعد عن ساحات الحرب وميادينها العسكرية.
أما على المستوى السياسي، فمن الملاحظ أن حادثة التفجير جاءت بعد وقت قليل من خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي أكد فـيه أن انتصار كويرس يأتي لتأكيد إرادة القتال الموجودة لدى محور المقاومة مشيداً بصمود حامية المطار الأسطوري، وداعياً الحلف المعادي الى إسقاط الرهانات على الخيار العسكري فـي السيطرة على سوريا.
أمام هذا المشهد، يبقى زحف الجيش العربي السوري والقوى الحليفة له، وعلى رأسها «حزب الله»، واستمرار مقارعتهم للقوى التكفيرية والإرهابية هو الأمل الوحيد فـي هزيمة الإرهاب الذي إن تمكن من الانتصار فـي سوريا فسوف لن يكون بمقدور أحد فـي العالم على احتوائه.
Leave a Reply