(تعقيبا على المقال المنشور في صفيحة “صدى الوطن” في العدد الماضي والذي جاء تحت عنوان: “الجالية العراقية .. اسباب الفشل ومقومات النجاح”، بقلم مصطفى العمري)
قليل من الجرأة وكثير من التأمل أحتاجهما للكتابة عما يهم الجالية العراقية في الولايات المتحدة الاميركية، وكل ما أحتاج اليه ممن يقرأني أن يكون متسامحا فيما أكتب ومتفحصا لما أدون من معلومات هي جزء من تاريخ الجالية العراقية الاميركية. فهل أكتب باعتباري شيعيا أم مسلما أم عربيا أم عراقيا؟
والبديهي ان يكون التعبير انطلاقا من العنوان “الجالية العراقية..” وهذا يعني أن ندخل سوية في الوطن الذبيح ضمن دائرة النقد، وأولها ذاتي المتعبة. أما المطرقة التي هي على رأسي فهي مطرقة من لا يوافقني الرأي ولابد من مجاملته كي لا تصدر فتوى التكفير بحقي أو التسقيط في أعين من لا يقرأون بل يتحركون وفق ما يسمعون وما أكثرهم في الجالية. أما اولئك الذين تحركهم التعلميات الحزبية أو الولاءات المزيفة فلا مجال للحديث عنهم فهم داء يحتاج الى دواء ودواؤهم الكي في عقولهم عسى ان يصلح العطار ما أفسدته الاحزاب .
فتعالوا نتحدث كعراقيين تجمعنا هموم الغربة وامنيات العودة الى وطن مستباح. فحال جاليتنا العراقية الاميركية لا يسر صديقاً ويشمت به العدو، فهو يسير رتيبا بلا عطاء ولا تنظيم لحركتنا وفق ما تمليه متطلبات العصر، أو وفق منطق المؤسسات المدنية، رغم وجودنا في بلد يعد الأكثر تطوراً إداريا وقانونيا ومؤسساتيا.
أصحاب الرأي والحكمة الرشيدة، بالتأكيد، أسمعوا أصواتهم وقدموا آراءهم ضمن التجمعات التي شاركوا فيها من حيث التنظيم والعمل الجماعي، لكن المعضلة هي في الذين يتصدون لمثل هذه المقترحات، وهم نفر ممن يتصورون أنهم يحسنون صنعا أو أنهم اصحاب العقول الراجحة لكن التجارب السيئة لكثير من الانشطة لأبناء الجالية أثبتت انهم أصحاب العقول الفارغة والاخلاق السيئة البعيدة، فالثقافة هي ثقافة البيئة المنغلقة على نفسها والمتوارثة جيلا بعد جيل.
كثير من الآباء لم تتوفر لهم ظروف التعليم والدراسة والحصول على الشهادات الجامعية فكان وجودهم هنا في أميركا صدمة لهم. جاؤوا بثقافة البيئة التي من خلالها يفرض الأب سلطته وديكتاتوريته على الاسرة فهو خط أحمر لا يمكن تجاوزه او مناقشته مهما كان رأي الزوجة او الأبناء راجحا، او يحتمل الرجحان. ومن صور تلك الثقافة يبرز “العنف الاسري” كما يعبر عنه وفق القوانين الاجتماعية التي يحاسب عليها المدان، فكان الضرب بطريقة مبرحة عنوان لغة الأب لابنائه ومن الطبيعي التعرض للمساءلة القانونية وسحب الابناء من الاسرة وبالتالي تفككها بسبب ديكاتورية او حماقة الأب.
وأما السبب الآخر فهو يكمن في أن الكثير من الآباء العراقيين لا يعرفون اللغة الانكليزية وهي لغة الدولة والتعاملات، ونجد كثيرا من الابناء وقد دخلوا معترك الحياة هنا في اميركا وهم غرباء عن أهلهم من حيث بعض القيم النبيلة التي نعتز بها ولم تنقل اليهم بسبب تخلف او عدم انتباه اولياء الامور لها. فلقد اصبح طبيعا ان نجد من وصلوا سن السادسة عشرة او الثالثة عشرة وهم لايعرفون القراءة باللغة العربية او لا يستطيعون التعبير باللغة العربية. بالاضافة الى التحلل الاخلاقي وتورط الكثير منهم بثقافة تعاطي المخدرات.
التحايل على القوانين الاميركية أمر موجود وشائع، والذي يفترض بنا كمسلمين أن نحترم المواثيق والعهود مع الدولة التي قبلت لجوءنا اليها فصار كل شيء مباح للتحايل والنصب والسرقة، بعنوان الاموال غير المحترمة. هنا لا بد من الوقوف عند الازمة الاخلاقية في فهمنا للدين والناتجة عن تواطؤ سيئ لكثير من رجال الدين في مسخ العقول والضمائر. وأذكر في مدينة دالاس عندما كنت جالسا عند رجل دين قال ما معناه ان السيد الخوئي يجيز ذلك باعتبار ان اصحاب الاموال في البنوك مجهولين. وقال ان السيد الخوئي لا يقول ذلك علنا. هنا طامتنا كابناء ونتاج البيئة الجنوبية في العراق من حيث تورط المؤسسة الدينية في ايصال المعلومات الخاطئة للناس عن الدين الذي يركز على المسائل الأخلاقية ومنها حسن الخلق وحسن المعاملة، لكن ممارسات من يدعون الكلام باسم الدين صارت لعنة على الدين، كما هي الوهابية في فكرها التكفيري أصبحت عبئا ثقيلا ومسيئا للاسلام وعلينا ان نكون اكثر جرأة وشجاعة في القول ان المؤسسة الشيعية هي كذلك صارت جزءا من تخلفنا وسوء أفعالنا لأن من ينتسبون الى المؤسسة الدينية مجرد جباة خمس ودعاة متعة وأفكار بالية.
ومن أجل البرهان على هذا الكلام، افتحوا “قناة الانوار الفضائية” التي تبث برامجها وتلتقط في اميركا، واسمعوا الثقافة الهشة والضعيفة المبنية على اللعن والغلو. فما الذي يفرقهم عن ثقافة التكفير واستباحة دماء الابرياء من أهلنا في العراق؟ والغريب ان من يقيم الخط الاعلامي لقناة “الأنوار” يقول انها قناة عقائدية! فهل اللعن جزء من عقيدتنا؟ وهل الافكار البعيدة عن منطق القرآن أصبحت عقائدية؟ طبعا ما يطرح لا يختلف كثيرا عما نسمعه على المنابر وأرى أن من مصلحة طبقة “الروزخون” أو بعض المؤسسات الدينية ان تبقي العقول محجورا عليها ويلقن تلقينا خاطئا من حيث المعلومات. في هذا الجو يتحرك العراقي الاميركي.
والعزلة التي نتحدث عنها كنتاج للبيئة المنعزلة والمنغلقة على نفسها هي الافراز الطبيعي والخطير لانعزال أبناء الجالية العراقية في ميشيغن عن الجاليات العربية الأخرى. فالجالية العراقية في اميركا حديثة عهد بالواقع والمجتمع الاميركي باعتبار ان الظرف السياسي في العراق فرض عليهم اللجوء والتشتت، ونحن نعرف ان الكثير من العرب يعتقدون ان “صداما” كان نموذجا جيدا للحاكم العربي المعادي لاسرائيل، ولايصدقون ما يسمعونه من اللاجئين العراقيين عن ظلم صدام وأجهزته البوليسية بالاضافة الى طائفية الموالين له. وهذا ما أنتج علاقة مشحونة ومتوترة بين الجاليات العربية والجالية العراقية بل حتى الجالية اللبنانية الشيعية لا تتعاطف من حيث المواقف مع الجالية العراقية الا فيما ندر نتيجة المعلومات الخاطئة من قبيل “أهل العراق أهل الغدر والنفاق” و”انتم من قتل الحسين” ..الخ. وهي تتحرك في عقولهم وضمائرهم، الآن ربما ونتيجة مصالح في العراق باعتبار ان العراق أصبح مفتوحا للعالم من حيث الاستثمار أو ما شابه تبدلت بعض الامور لكن بقيت العقلية العراقية المنطوية على نفسها بلا نتاج مؤسساتي مفيد.
والجالية العراقية الكلدوآشورية لا تختلف عن الجانب الآخر من أخوتهم في الوطن فهناك تنافس بينهم على المصالح وضيق أفق وتخطئة للآخر وجهود فردية هي الموجه والمحرك لها. أما باقي الجاليات العراقية الاخرى كالكردية فهي أيضا عزلت نفسها نتيجة الاضطهاد القومي ضدهم من قبل النظام السابق وتصورهم انهم لا علاقة لهم بالعراق، انما هم كردستانيون، وبقي التواصل محصورا في المناسبات الرسمية حين يدعى ممثل لاحد الاحزاب الكردية للحضور.
في ظل هذا الجو المحبط الذي تعيشه الجالية العراقية الاميركية أنهي مقالي التشريحي مختصراً لاقول ان الدين يلعب دورا سلبيا في عقول أبناء جاليتنا باعتبار أن القائمين على ادارة المراكز الاسلامية هم نتاج سيئ للعقلية الاسلامية الممسوخة، ومن يتصدون للتحرك وسط الجالية هم من نتاج تلك المؤسسة. أما الاحزاب فلها أكثر من دور سيئ في تشتيت العراقيين سواء أيام ماعرفت بالمعارضة العراقية أو الان بعد مرحلة عام 2003 وهذه الاحداث المؤلمة من تاريخ العراق خير شاهد على قبح أفعالهم ورداءة عقولهم سواء ممن يحكمون العراق أو ممن يتم لهم الترويج وسط الجالية في المهجر الأميركي.
وقد يتساءل سائل هل من مخرج لهذه الأزمات؟ نقول نعم.. هناك أكثر من مخرج، ان نحن فكرنا بعقل منفتح وعملنا بروح الجماعة وتحاورنا بروح التسامح. خلاف ذلك يبقى الجميع تحت طائلة صرح فلان وقال علان دون أن نعي أن هؤلاء هم شر البلية.. التي تضحك.
Leave a Reply