الجالية تفقد أحد رواد النشاط السياسي والاجتماعي للعرب الأميركيين في منطقة ديترويت
ديربورن – «صدى الوطن»
خيّم الحزن والحداد في أوساط الجالية العربية الأميركية بمنطقة مترو ديترويت، برحيل الناشط المخضرم دونالد يونس الذي رحل إلى جوار ربه، بسبب تدهور وظائف القلب، يوم السبت الماضي، عن عمر يناهز الـ79 عاماً.
ونعى ناشطون ومنظمات عربية أميركية الناشط اللبناني الأصل على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيدين بريادته وتفانيه في خدمة الجالية العربية وقضاياها الاجتماعية والسياسية والثقافية، كما نعته وسائل إعلام أميركية محلية، حيث وصفته صحيفة «ديترويت فري برس» بالشخص «الذي لا يقهر» والناشط المجتمعي الذي سيتذكره الجميع كـ«ريادي»، على الدوام.
يونس من مؤسّسي «المركز العربي الأميركي للخدمات الاقتصادية والاجتماعية» (أكسس)، و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، إضافة إلى خدمته في دائرة إطفاء ديربورن ونشاطه في دعم التعليم العام وتوفير التمويل لبناء مدارس جديدة في شرق المدينة، إلى جانب دفاعه الدائم عن الهوية العربية الأميركية، كهوية خاصة وفريدة من نوعها.
من جانبه، نعى ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني، الراحل ووصفه بأنه «سيبقى علامة فارقة في تاريخ جاليتنا العربية»، مضيفاً «سوف يتذكره الناس في مجتمعنا كبطل وكقائد. إنهم يصفونه بالصاعقة.. لقد كان حقاً الضوء الذي ينير درب جاليتنا، وسوف يتذكره الجميع دائماً على هذا النحو».
كما أكد على أن الراحل الكبير كان في طليعة الأشخاص الذين قدموا الدعم لصحيفة «صدى الوطن» منذ انطلاقتها عام 1985، مشيراً إلى لقائه الأول به ذلك العام، حين كان يونس يعمل متطوعاً في «أكسس»، ويبذل الكثير من الجهود والأوقات «في مساعدة الأشخاص الذين يفتقرون إلى الضمان الاجتماعي والخدمات في مجتمعاتهم»، بحسب السبلاني الذي وصف الراحل بـ«المقاتل الذي لا يهادن ولا يتنازل عن حقوق العرب الأميركيين وقضاياهم».
ولفت السبلاني إلى تواضع وتفاني يونس في خدمة أبناء المجتمع، «لم يكن من النوع الذي يبحث عن الأضواء. كان فخوراً بجذوره وثقافته وتراثه»، مستدركاً بالقول: «لكنه آمن بأميركا وبالحلم الأميركي، وكان في الوقت ذاته متحمساً لانخراط العرب الأميركيين في السياسة والعمل العام».
وكان السبلاني قد قام بزيارة النقيب المتقاعد من إطفائية ديربورن، قبل ثلاثة أسابيع من وفاته، ونشر عبر صفحته على «فيسبوك» مقطعاً مصوراً له في المستشفى، توجه من خلاله يونس إلى الجالية العربية بالقول: «أريد فقط أن أقول للجميع: لقد حان وقتنا»، وأضاف: «نحن العرب الأميركيون أفضل مواطنين. شكراً لكم، يا لكم من شعب ديناميكي، أنا فخور بكوني واحداً منكم، أحبكم جميعاً».
هوية مزدوجة
على الرغم من كون يونس حفيداً لمهاجرين لبنانيين وصلوا إلى الولايات المتحدة، أوائل القرن التاسع عشر، وانخرطوا بشكل عميق في المجتمع الأميركي حيث خدم والده في الجيش الأميركي خلال حرب فيتنام، وخدم –هو نفسه– في قاعدة أميركية بألمانيا عام 1957، إلا أن الضغوط المتزايدة على العرب والمسلمين الأميركيين بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 لم تبدل من قناعات الناشط البعلبكي الأصل، في تمسكه بهويته المزدوجة.
في حديث مع مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» في أعقاب الهجمات على برجي التجارة العالمية، تساءل يونس باستنكار وحرقة: «متى أصبح أميركياً؟».
وأضاف حفيد الأجداد الذين وصلوا إلى العالم الجديد في 1896: «لا أريد لأبنائي أن يعيشوا الحياة التي توجب علي أن أحياها، دائماً أعتذر عمن أكون، يمكنني أن أكون إما عربياً أو أميركياً، لا يمكنني أن أكون الاثنين معاً، ولكن.. هل تعرف ماذا: أنا عربي وأميركي في الوقت ذاته».
وقبل ذلك بعشر سنوات، كان يونس قد توجه برسالة إلى الشباب العربي الأميركي عبر صحيفة «ديترويت فري برس» في مقال بعنوان: «أكدح بجد، فلماذا أنا مشكلة؟».
وتحدث المقال عن التحديات الكثيرة التي يتوجب على المجتمع العربي الأميركي مجابهتها، معرباً –في ذات الوقت– عن فخره بتراث أجداده، وضرورة استلهام التراثين العربي والإسلامي من قبل الأجيال الشابة. وشدد: «أقول للشباب العرب الأميركيين، مهلاً، لا تشعروا بالخجل، بغض النظر عما ترونه في وسائل الإعلام حول عروبتكم، لا تشعروا بالاستحياء من حقيقة أنكم مسلمون، وأنكم تؤمنون بالله، انظروا إلى تاريخكم، فشعبكم هو الذي علّم العالم كيف يقرأ ويكتب، لقد علّم العالم، الكيمياء والعلوم، لديكم تاريخ لا يُعلى عليه، كونوا فخورين به».
الشغف بالشأن العام
مثل جميع العرب، كانت السياسة تجري في عروق الإطفائي المتقاعد الذي آمن بأن الحقوق الاجتماعية والثقافية لا تكتمل ما لم تشتمل على المشاركة السياسية والانخراط في الخدمة العامة، ولهذا انضم إلى طليعة الجهود التي تضافرت لتأسيس «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، عام ١٩٩٨.
وفي هذا السياق، يقول مؤسس «أيباك» المحامي عبد حمود: «عندما طرحنا فكرة اللجنة السياسية لتمكين العرب الأميركيين في الحقل السياسي، كان دونالد من أوائل الأشخاص الذين تحمسوا إلى الجهود الأولى وشاركوا في التأسيس».
أضاف: «دونالد.. هو جزء من تاريخنا. الحماسة التي كانت تلمع في عينيه، وكأنها تقول: كنت أنتظر هذا منذ زمن».
ووصف حمود، الراحل «بالرجل الذي لا يعرف الخوف أو التعب»، وقال: «على الرغم من أنه كان من أكبر أعضاء «أيباك» سناً، فقد كان أول من يصل وآخر من يغادر، وأول من يتحدث لتذكير الحاضرين بسياق القضايا التي اجتمعنا من أجلها».
في الأيام الطويلة والمضنية، وعندما كان حمود يشعر بالتعب، كان ينظر إلى يونس ويستمد منه الطاقة والحماسة، يقول حمود، «يجعلك ترغب بالقيام بالمزيد من العمل، ويمنحك الطاقة والشجاعة للاستمرار.. طاقة وشجاعة لا نهاية لهما. لم يكن هنالك شيء يخيفه».
ووصف يونس بـ«الأيقونة العربية الأميركية» لافتاً إلى جهوده الاستثنائية في حقل التعليم وإنشاء المدراس في ديربورن، حتى قبل تأسيس «أيباك». وأكد: «لقد كان مدافعاً وداعية للتعليم ثنائي اللغة».
حماسة يونس للتعليم استمرت حتى أيامه الأخيرة، وكان من أبرز الناشطين لدعم إصدار سندات خزينة بقيمة 150 مليون دولار عام 2002 لبناء مدارس جديدة في شرق ديربورن.
معركة التكريم
في إشارة إلى إطلاق اسمه على المدرسة الواقعة على شارع مايبل بديربورن، أكد حمود أن ذلك كان «أقل شيء يمكن فعله لتكريم يونس»، مشيراً إلى أن «أيباك» خاضت «معركة» مع مجلس ديربورن التربوي لتسمية مدرسة باسمه.
وأضاف «لم يكن يونس رجل مؤسسات، لقد كان شخصاً حيوياً يريد فعل الشيء الصحيح دائماً. بالنسبة لي هو قدوة ونموذج، وأتمنى أن أتمكن من تحقيق المطامع التي أنجزها».
وكانت الجهود التي بذلت من أجل تسمية مدرسة باسم الناشط العربي الأميركي قد أثارت الكثير من الجدل، حيث استغرق الأمر شهوراً من المناقشات الحامية الوطيس، إثر انقسام أعضاء المجلس التربوي الذين توزعوا بين مؤيد ومعارض لتسمية المدرسة باسم الناشط العربي الأميركي، خاصة مع إصرار البعض على تسمية المدرسة المقترحة باسم النائب (حينها) في مجلس ميشيغن التشريعي لوسيل ماكولو، بعد فترة وجيزة من وفاتها.
وفي حديث مع «صدى الوطن»، تستذكر عضو مجلس ديربورن التربوي آيمي شولز بعضاً من فصول تلك «المعركة» التي جرت في 2004، وتقول: «في تلك الأيام، كان المناخ السياسي ملتهباً، وكان بعض الأعضاء ضد تسمية المدرسة باسم يونس، ولفض الاشتباك اقترحوا تسميتها باسم عربي آخر أقل إثارة للجدل، وهو مايكل بري».
وانتهى المطاف بإطلاق اسم يونس على المدرسة المتوسطة، واسم ماكولو على المدرسة الابتدائية، فيما تم إطلاق اسم مايكل بري على المركز المهني، المعروف الآن باسمه.
وتضيف: «الفرق في حالة يونس، أن اسمه أطلق على مبنى تكريماً لجهوده في خدمة أبناء مجتمعه»، لافتة إلى أنه «من القلائل الذين تطلق أسماؤهم على المباني اعترافاً بجهودهم»، لافتة «في العادة تُسمى المباني باسماء من يدفعون الأموال»، وشددت: «كان يونس استثناءً».
وقالت: «كان ذلك شيئاً يعني الكثير، ودونالد نفسه رأى في ذلك شيئاً كبيراً، حيث قال سيكون بمقدور التلاميذ القول: واو.. إنه (يونس) مثلنا، وها هو اسمه على المبنى».
التكريم الأسمى
من عاشر الفقيد الكبير واختبره خلال العقود الماضية، يعرف تمام المعرفة تواضع الرجل وعدم اهتمامه بالشهرة والأضواء وتصدر المجالس، ولهذا فإن التكريم الأسمى الذي حصل عليه يونس، كان حب الناس واحترامهم وتقديرهم له.
وكان، هو ذاته، يؤمن بذلك في قرارة نفسه، فقد روى في إحدى المرات عن لقائه بطفل يمني أميركي في مبنى «أكسس»، حيث بادر الطفل بالقول: «أنا أعرفك.. أنت الكابتن يونس»، وأضاف: «لقد أخبرني والدي عنك، وعندما أكبر أريد أن أصبح مثلك تماماً».
يصف يونس تلك اللحظة بتأثر، ويقول: «أقسم بشرفي، لقد كانت تلك اللحظة تستحق كل التضحيات».
وفي هذا السياق، أشاد المدير التنفيذي لـ«الجمعية الخيرية اليمنية الأميركية» (يابا) علي بلعيد المكلاني بتواضع الفقيد وتفانيه في خدمة العرب الأميركيين، خاصة اليمنيين، وقال: «كان الأقرب من بين جميع نشطاء الرعيل الأول، إلى جاليتنا اليمنية، وإذا كان اليمنيون يسمون الناشطة علية حسن بـ«أم اليمنيين»، فأنا أدعوه بـ«أبو الجالية اليمنية».
وأضاف: «لقد وقع خبر رحيله علي كالصاعقة، كان علماً وبيرقاً في مجتمعنا، وقد خسرنا بفقدانه قائداً وسياسياً من الصعب أن يكون له بديل».
إشادات
مؤسس «النادي اللبناني الأميركي» علي جواد، قال: «من الصعب أن يسد أحد، الفراغ الذي سيتركه في جاليتنا«، مشيراً إلى مشاركاته الثمينة مع المذيع التلفزيوني مورت كريم في برنامجه الأسبوعي على القناة الرابعة، أوائل الثمانينات، والذي واظب فيه على الدفاع عن «حقوق المهمشين والأقل حظاً في الحياة».
كما عاد رفيق دربه، الناشط جورج خوري، بذكرياته إلى أوائل السبعينات، حين كان يونس من الأعضاء المؤسسين لـ«أكسس»، وقال: «كان يقوم بنفسه بإصلاح الأعطال، وتنظيف الأرض، ومساعدة المراجعين.. لم يكن يتعالى على أحد، أو على أي عمل ينبغي القيام به».
وأشار الناشط الفلسطيني الأصل إلى أن أحلام النشطاء العرب الأوائل لم تقتصر على تأسيس مركز للخدمات الاجتماعية والاقتصادية، وإنما اشتملت أيضاً على تأسيس متحف عربي وإنشاء محطة تلفزيونية عربية في الولايات المتحدة.
وأكد: «كان يونس منسجماً دائماً مع نفسه، ومع تطلعات أبناء شعبه العربي، سواء هنا في أميركا، أو في البلدان العربية».
وأشار إلى أن الفقيد لم يكن من الطامحين لنيل المناصب والألقاب، ورغم كونه من دعامات «أكسس»، فلم يطلب مرة الترشح للرئاسة أو تولي المناصب.
ابن شقيق الراحل، رون أمين (73 عاماً) قال لصحيفة «فري برس» إن إحدى أفضل صفات عمه كانت «إيمانه بالتنوع الذي يفترض المساواة بين الجميع»، مضيفاً «لقد كانت تلك الخصيصة هي إحدى القضايا التي جاهد من أجلها طوال طياته»، في إشارة إلى نشأة الراحل الكبير في منطقة جنوب شرقي ديربورن حيث «يمكنك أن تسير في حيّنا، وتدرك أن كل منزل هنالك يستخدم لغة مختلفة»، بحسب تعبير أمين.
النشأة الأولى
ولد يونس في 19 كانون الأول (يناير) 1939 لأبوين لبنانيين هما سام وزينب طيراني إبراهيم، ونشأ قريباً من «مصنع الروج» التابع لشركة «فورد»، وهي منطقة ترك تنوعها أثراً لا يمحى في حياة الناشط اللبناني الأصل.
وأكد أمين أن عمه الفقيد «لم يتراجع –طوال حياته– عن التزامه بالدفاع عن العائلات العربية الأميركية وأبنائها»، لافتاً إلى دوره في تأسيس «أكسس» والذي جاء –في أحد وجوهه– رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على البلدان العربية، وفق تعبيره.
تزوج دونالد من السيدة نانسي يونس، وهي أميركية، وأنجب منها خمسة أبناء، هم: ليزا وجولي وتمارا وديريك ورون.
ويوم الثلاثاء المنصرم شيّع يونس إلى مقبرة «سانت هدويغ» في مدينة ديربورن هايتس، حيث ووري الثرى بحضور عائلته وأصدقائه وحشد من أبناء الجالية العربية.
والجدير بالذكر، أن «أيباك» ستقيم حفلاً تأبينياً للراحل، في «دار العزاء» (مركز الحاج جميل الاجتماعي) على شارع تشايس في ديربورن، 5 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، الساعة الخامسة والنصف مساءً
Leave a Reply