فاطمة الزين هاشم
لم ولن يجود الزمان بمثلك، ولن تجد الانسانية طريقها إلى قلوب البشر من بعدك، حملت همّ العرب على أكتافك، وطفت العالم تدافع عن المظلومين، كانت قضية فلسطين وجهتك في كلّ المحافل الدولية، دافعت بإخلاص وحماس أكثر من أي فلسطيني حتى لقّبت بخطيب القضية العربية.
مع تنوع وثراء مقالاته عن فلسطين وقضايا العرب، اختير مقصود ليشغل منصب سفير الجامعة العربية في الهند مابين 1961-1966، وسرعان ما اختير مبعوثاً خاصاً للجامعة العربية بالولايات المتحدة عام 1974، كما عمل سفيراً لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة، لكنه استقال من هذا المنصب عام 1990 في أعقاب غزو العراق للكويت في عهد صدام حسين.
شغل منصب رئيس تحرير صحيفة «النهار العربي والدولي» وعمل أيضاً في جريدة «السفير» اللبنانية كما عمل في جريدة «الأهرام» المصرية، حيث انتهى به المطاف محاضراً بكلية الخدمة الدولية في الجامعة الأميركية بواشنطن، وله مؤلفات عدّة وكتبه أشهر من أن تعرف.
لم يعرف هذا الرجل الكلل والملل من المطالبة بحق الشعب الفلسطيني، جال العالم مطالباً بالعدالة ومن منطلقات متعلقة بوحدة هذه الأمة ومصيرها، وكانت الانسانية طاغية في مواقفه، وتأكيداً على إنسانيته اللامحدودة واحترامه لمشاعر البشر سأسرد لكم هذه القصة باقتضاب:
حضر أولادي مع والدهم إلى هذه البلاد، وبقيت لوحدي في الإمارات العربية المتحدة حيث كنت أعمل في وزارة الصحة هناك، ابتعد عني أولادي لمدة سنتين قضيتها أحترق بنار الفراق ولهفة الأم لرؤية فلذات كبدها، عملت المستحيل لأحصل على تأشيرة دخول إلى هذه البلاد لأرى أولادي، خاصة وإن ابني الأصغر كان مشرفاً على إجراء عملية جراحية له، وكان طلبي دائماً يجابه بالرفض رغم أن كل أوراقي سليمة ومرفقة بكتاب من وزارة الصحة يفيد بأني مازلت موظفة لديها وأتمتع بأخلاق حميدة وسيرة ذاتية نظيفة ورغم تدخل شخصيات كبيرة رأفت بوضعي، كل هذا لم يجدِ نفعاً.
في أحد الأيام بينما كنت جالسة أتطلع إلى برامج التلفاز ودموعي على وجنتي شوقاً لأولادي، قرأت إعلاناً يفيد بأنّ الدكتور مقصود سيحضر إلى دبي برفقة سفير دولة الإمارات في أميركا لإلقاء محاضرة عن الصراع العربي الإسرائيلي، طرق في ذهني فوراً بأن هذا الرجل ممكن أن يساعدني لأذهب وأرى أولادي رغم عدم معرفتي به وكأنّ شيئاً في داخلي تحرك ودفعني لمقابلته.
ذهبت إلى مكان المحاضرة وجلست في الصف الأمامي أستمع إليه بإنصات بعد أن شدني أسلوبه الشيق في طرح المواضيع المراد مناقشتها، انتهت المحاضرة وقطعت عليه طريقه في الممر المقابل للمصعد، عرفته بنفسي وأطلعته على بطاقة عملي وبعض الأوراق الثبوتية وورقة من وزارة الصحة تعرّف بوضعي الوظيفي، كما أطلعته على التقرير الخاص بوضع ابني الصحي، رافقته حتى سيارة السفير المرافق له، ربت على كتفي وهدأ من روعي وطيب خاطري بكلمات ملؤها الحنان والانسانية التي يتمتع بها هذا الرجل العظيم، قال لي: «أنا أفتخر عندما أرى سيدة لبنانية مثلك ناجحة في عملها وتستحق المساعدة»، فأخذ صوراً عن جواز سفري، وأعقب «اطمئني يا ابنتي ستكونين بجانب أولادك قريباً» وطلب مني رقم هاتفي وهاتف أولادي في ديربورن.
وفعلاً عندما وصل إلى واشنطن اتصل بأولادي واطمأن على صحة ابني وبعدها اتصل بي وقال «لا تخافي ابنك بخير وستكونين إلى جانبه في المستشفى إن شاء الله»، وجند فريق عمل للاتصال بي يوميا وأخذ المعلومات عن وضعي، لا أبالغ إذا قلت إنّ الموظفة في مكتبه السيدة كارول كانت تتصل بي مراراً لتستفسر عن كل ما يخصني سواء كان في لبنان أو دبي، وفي اليوم الثالث اتصل بي شخصياً وقال لي «سيتصل بك القنصل الأميركي بعد ساعة ويطلب منك بعض الأوراق ويخبرك عن مقابلته غداً لإعطائك التأشيرة» وفعلاً هذا ما حصل.
وبعد وصولي إلى هنا بساعة، اتصل بي وهنأني بالسلامة هو وزوجته المرحومة السيدة هالا مقصود، وعرض عليّ أن أسافر مع إبني إلى واشنطن لتجرى له العملية على نفقته الخاصة، لكن ابني كان موجوداً في المستشفى تمهيداً لإجراء العملية في اليوم الثاني.
لم يمر يوم إلا ويتصل ليسأل عن صحة ابني، أشعرني بأنه كوالدي حيث كان يناديني بابنتي، وبقيت على اتصال به لا يمر اسبوع إلا وأطمئن على صحته.
كان يحضر إلى ديربورن بين الحين والآخر، يوقظني الساعة السابعة صباحاً ويدعوني لتناول الفطور معه.
نم يا عزيزي قرير العين، أعمالك ستشهد لك حين مقابلة الكريم وتكون خالداً في الجنة إن شاء الله لأنك خير من يستحقّها. ش
Leave a Reply