فاطمة الزين هاشم
عندما يرحل العظماء تبقى أعمالهم خالدة فـي الأذهان والضمير البشري كما تبقى مؤلفاتهم إرثاً للأجيال القادمة.
لقب الأستاذ جورج جرداق بعاشق الإمام أي الإمام علي (ع) لكثرة ما كتب عنه وغاص فـي تاريخه، حتى أنه كان يحمل نهج البلاغة فـي يده أينما ذهب وهو مازال فـي ريعان الشباب، سئل لماذا كتبت حول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) فـي حوار خاص ونادر، أجاب جورج جرداق كتبت حول الإمام علي لأنه كان نموذجاً وهو يؤسس فـي دولته العدالة. ولأن الإمام علي كان أستاذ عصره فـي الحكمة والفلسفة بل أستاذ الأجيال التي تعاقبت من بعده. وفـي هذا الحوار لأول مرة يصرح عن سر عدم الكتابة لشخص آخر غير الإمام علي. قال: «لقد عرض علي بعض الناس من دول الخليج العربي ومصر أن أكتب عن خليفة آخر فرفضت ليس لأني أرى أنه لا يستحق، لكني لم أجد من هو أهل بعد الإمام علي للكتابة، ….. فعقرت قلمي فـي أن أكتب لشخص غيره، لأن العدالة المتوفرة فـي الإمام علي من عادات عربية أصيلة كحب الخير والمساعدة والنخوة والشهامة والكرم والرجولة والبطولة والفروسية والشجاعة والعدل والفكر والعلم والدين أي الزهد ومخافة الله وما غير ذلك، أمور تدفعني بأن أتخذ منه أيقونة قومية عربية أتفاخر بها.
هذا من أروع وأصدق ما كتب شخص غير مسلم عن الإمام علي. لقد حاز كتابه، صوت العدالة الإنسانية، فـي حينه جائزة أحسن من كتب عن إمام، ورشحه لهذه الجائزة لجنة كان ضمنها الفـيلسوف الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) ويعترف الكاتب الكبير أن حبه وإعجابه لشخص الإمام علي كان سبباً فـي أن يجعل من قلمه سيالاً بارقاً التعبير وفنون الكتابة التي يمكن أن يكتب فـيها كاتب باللغة العربية.
كان القلم يعطيه سحراً إضافـياً وهو يكتب عن أعظم شخص عاش على الأرض بعد رسول الله (ص) .
ولم يستثن الإمام الحسين حين كتب عن معركة الطف وتضحياته الكبيرة.
لقد قابلت هذا الكاتب الكبير ذات مرة عندما كنت أزور بيروت بصحبة والدي رحمه الله وكان هناك مقهى خاص بالشعراء فـي ساحة البرج يجتمع به الشعراء وخاصة شعراء الزجل حيث كان والدي صديقاً للجميع. جلست بجانبه وكنت آنذاك صغيرة السن، لفت نظري فـي الزاوية المقابلة رجل وقور يجلس بمفرده وبيده سيجارة وباليد الثانية قلم وورقة فإذا بأحد الشعراء يقدم له التحية من بعيد بإسمه. نزل هذا الاسم على مسمعي فهرعت إليه قائلة حضرتك جورج جرداق من كتب لأم كلثوم (هذه ليلتي وحلم حياتي بين ماض من الزمان وآتي، ضحك وأجلسني إلى جانبه وقال أتسمعين أم كلثوم يا صغيرتي هذا جيد جداً،
يدل على تذوقك للشعر لحق بي والدي ليكتشف أمر الرجل.
دعاه للجلوس وعرفه بنفسه. ونظر فـي وجهي وخاطب والدي «هذه البنت ذكية سيكون لها مستقبل زاهر» ضحك والدي وقال «أشكرك وأتمنى ذلك، فكانت ذكرى جميلة لن أنساها أتساءل اليوم عند رحيله هل كتب أي مسلم عن الإمام واعطاه حقه مثل هذا الرجل المسيحي الذي سخر قلمه لمحبة الإمام علي (ع).
نم قرير العينين أيها العبقري الخالد، ستبقى فـي ذاكرة التاريخ أيقونة لن تتكرر.
Leave a Reply