لا جديد تحت الشمس. ها هو شهر رمضان يشرف على نهايته، والمسلسلات التلفزيونية في حلقاتها الأخيرة. وعما قليل، سينتصر الأبطال والأخيار والطيبون على الخونة والأشرار و”العواينية”، وبعدها نعود إلى الحياة الحقيقية، الحياة التي من لحم ودم وعمل وتعب وحقد وحسد وتذمر وتأفف وحنين إلى الأوطان(!!). الحياة التي يأكل السمك الكبير فيها السمك الصغير دائماً، في جميع المشاهد والحلقات، دون أن يتمكن السمك الصغير من الاحتجاج أو حتى.. من التألم. الحياة التي ينتصر فيها المنافقون و”الدواسيس” والأزلام والتجّار، ويتسيدون المواقف ويعتلون المنابر، ويمثلون “أصواتنا” ويستخدمونها لزيادة نفوذهم وحشو جيوبهم وكروشهم.
لا جديد تحت الشمس. في شهر رمضان وحده، أقصد في مسلسلاته، يُكتشف أمر “مأمون بيك أبو كامل” ويقتل برصاصات وطنية. أما في باقي الشهور، فيظل أبو كامل من “عضوات” الحارة، أو من “عضوات” الجالية، يبيع ويشتري ويتلاعب بمصائر الآخرين من خلال مكالمات سرية ومؤامرت مع أصحاب النفوذ والشأن. في رمضان وحده، نرى “مسيلمة الكذاب”، الذي ادعى النبوة في عهد النبي محمد، يقتل بسيوف المؤمنين، في مسلسل القعقاع. نعم لقد قال أحد أتباعه، مفسراً ولاءه لذلك المدّعي: “والله إن كذّاب حنيفة أحب إلي من صادق قريش”. أما في الحياة، فإن “المسيلمات” (ج: مسيلمة) يصولون ويجولون، ويتكاثرون كالأرانب، على أساس أنه ما في حدا أحسن من حدا. خاصة وأن نبوّات القرن العشرين وبادية ديربورن لا تحتاج إلى معجزات ولا من يحزنون. هناك “مسيلمات” من جميع الأصناف والماركات، لكل طائفة وجماعة وأسرة وفئة منا، وهنالك سجاحات أيضا (ج: سجاح، المرأة التي ادعت النبوة وتزوجت من مسيلمة).
لا جديد تحت الشمس. رمضان في أواخره، و”أبو عصام” لم يظهر بعد، رغم أنه ما زال حياً يرزق ولله الحمد، وهو يقضي أصعب أوقاته بلا شك في سجون المستعمرين، رغم أن الواقع والتاريخ يقولان إن سجوننا الوطنية هي التي تسجن “الناس” بالمؤبد، أو تغيبهم في أعماقها بلا خبر ولا علم. لقد قرأنا في كتب التاريخ عن مئات الشخصيات التي ناضلت ضد الاستعمار، والتي سجنت، أو حكم عليها بالإعدام، والكتب نفسها تخبرنا عن الكثير من مراسيم العفو التي أصدرتها سلطات الاحتلال. أما حكوماتنا الوطنية فماتزال تسجن مواطنيها بلا محاكمات، وماتزال تعدمهم أو تغيبهم لمجرد التعبير عن الرأي، إذن ما الفرق بينها وبين سلطات الاحتلال؟
والمضحك، أن الكثيرين يتساءلون بجد واهتمام عن أبو عصام فيما إذا كان سيظهر في المسلسل أو لا. والبعض يجيب بأنه لن يظهر لأنه يمثل في مسلسل آخر. هكذا تضيع الحدود بين الواقع والخيال، بين الحياة والدراما. صرنا نتعامل مع الشخصيات الدرامية (الخيالية الوهمية) كشخصيات حقيقية. وهذا طبيعي في بلاد دأبت على الخلط بين الواقع والخيال، ألم يعلمونا في الكتب والمدارس والتلفزيونات أن الحكّام والمسؤولين هم شخصيات أسطورية، عملاقة، خارقة، تتوفر فيها كل مواصفات الشجاعة والبطولة والإلهام والذكاء والحكمة، لدرجة أنه لا يخطر في بالنا على الإطلاق أن تلك الشخصيات تذهب إلى التواليت.
لا جديد تحت الشمس، سوى الشمس ذاتها، والأداء الرائع للفنان بسام كوسا في دور “المعاق بدر” في مسلسل “وراء الشمس”. الأمر الذي دفع وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا ديالا الحج عارف إلى القول: إن ما قامت به الدراما السورية على صعيد تسليط الضوء على معاناة المعاقين في هذا المسلسل وتنبيه المجتمع لإيلائهم الاهتمام الكافي يفوق ما قامت به الحكومة على مدى 30 عاما. أداء رائع ومميز للفنان كوسا ربما لم تشهده استوديوهات التصوير من عقود، ما دفع بعض الفيسبوكجيين إلى اقتراح إنشاء جائزة أوسكار عربية ومنحها لهذا الفنان القدير!
Leave a Reply