بعد عجزها عن الحد من الانبعاثات السامة في الـ«ساوث أند»
منذ عقود طويلة، يعاني حي الـ«ساوث أند» بديربورن من مستويات قياسية للتلوث المنبعث من المصانع الثقيلة المحيطة بالمنطقة المعزولة في جنوب شرقي المدينة. ويبدو أن معاناة السكان اليومية مع تلوث الهواء والأمراض الناجمة عنه في طريقها إلى مزيد من التعقيد، مع الاعتراف الجديد لـ«وزارة جودة البيئة بميشيغن» (أم دي إي كيو) بمحدودية سلطاتها على الشركات الصناعية التي تتقدم إليها بطلبات تسمح بزيادة الانبعاثات السامة!
الوزارة التي خدعت وماطلت السكان المحليين مراراً وتكراراً، قامت –الأربعاء قبل الماضي– برمي الكرة في ملعب الحكومات المحلية، وأناطت بها سنّ وتطبيق لوائح بلدية تلزم الشركات الصناعية بسياسات وممارسات صديقة للبيئة.
في الأثناء تبدو بارقة الأمل الوحيدة المتبقية لسكان الـ«ساوث أند»– الذي يعرف أيضاً باسم حي «ديكس»– هي التوجه إلى مجلس ديربورن البلدي وحثه على إصدار اللوائح التنظيمية التي تحد من انبعاثات الغازات السامة التي يصنف بعضها في خانة المواد المسرطنة. فهل يقدر المجلس البلدي على تلبية طموحات السكان المحليين بعد إعلان مسؤولي «وزارة جودة البيئة بميشيغن» عجزهم عن تحقيق ذلك؟
شفافية أم تملص؟
وفي جلسة استماع عامة، عقدت الشهر الجاري بمدرسة «سالاينا»، وحضرها مسؤولون من «قسم جودة الهواء» (دي إي كيو) بـ«وزارة جودة البيئة بميشيغن»، أبدى السكان المحليون استياءهم وعدم ثقتهم بالمسؤولين متهمين إياهم بتجاهل مصالح السكان وهواجسهم الصحية عند منح الموافقات للمصانع على زيادة الانبعاثات الملوثة. كما دعا الحضور مسؤولي «قسم جودة الهواء» إلى التحلي بالمزيد من المسؤولية والشفافية وأخذ قضايا الصحة العامة بعين الاعتبار عند النظر في طلبات من هذا النوع.
وفي جلسة الاستماع التي عقدت توخياً لتحسين العلاقة بين المجتمع المحلي وووزارة البيئة، شدد مسؤولو «جودة الهواء» على أنهم لا يملكون سلطة رفض الطلبات المقدمة، طالما أن الملوِثات تخضع لمعايير الولاية والمعايير الفدرالية.
وقال المشرف المساعد في مكتب ديترويت جيف كورنيسكي: «سلطاتنا ليست شاملة.. وفي حال لم نعثر على مخالفات للقواعد المنصوص عليها من قبل «وكالة حماية البيئة» الفدرالية (إي بي أي) أو من قبل الولاية، فليس بوسعنا تقييد انبعاثات المنشآت أو الحد منها».
وأضاف بأن قدرة وزارة البيئة على التحكم بالانبعاثات محدودة للغاية وتعتمد على المعايير المعتمدة لمصادر التلوث، مشيراً إلى أن الوزارة تجري سنوياً 150 عملية تفتيش للتأكد من مطابقة الانبعاثات للمعايير المعتمدة، لاسيما في مقاطعة وين التي يوجد فيها أكثر من 4 آلاف مصدر للتلوث.
وشدد كورنيسكي على أن الوزارة تركّز على مصادر الانبعاث الكبيرة التي يتم فحصها دورياً كل عام أو كل عامين، مثل مصافي النفط ومصانع الصلب ومراكز تجميع السيارات ومحطات توليد الطاقة، لافتاً إلى أن مصادر التلوث المتوسطة يجري تفتيشها كل 3–5 سنوات، وأما الملوثات الصغيرة فيجري تفتيشها كل 5–15 سنة.
وما فاقم الأمور سوءاً، برأي النشطاء البيئيين، كان تعيين حاكم الولاية ريك سنايدر للجنة مكونة من 11 عضواً تضم ممثلين عن مصالح الشركات الصناعية ولديها سلطة إشرافية على وزارة البيئة، كما لدى اللجنة سلطة النظر بطلبات الاستئناف، وهو ما يسمح عملياً للشركات الكبيرة بتنظيم أعمالها بنفسها.
وأبدى الحاضرون غضبهم على دور اللجنة، معربين عن قلقهم من أنها تكبل وزارة البيئة وتجعلها عاجزة عن تنفيذ المهام الموكلة إليها بحماية جودة الهواء.
النائب العربي الأميركي عبدالله حمود (ديمقراطي–ديربورن) دافع عن الوزارة قائلاً إنها تزجّ أمام خيارات بالغة الصعوبة بين اتباع القوانين المعايير الحكومية من جهة، والتمسك بالعدالة البيئية من جهة أخرى، داعياً سكان المنطقة إلى إسماع أصواتهم في العاصمة لانسنغ.
وقال: «بصراحة.. إن قسم جودة الهواء ليست لديه –اليوم– سلطة حقيقية للحد من الانبعاثات التي تنسجم مع المعايير المقبولة»، مضيفاً «هذا ليس خطأ هؤلاء الناس (في إشارة إلى مسؤولي قسم جودة الهواء) ولكنه واقع يجب عليهم التعامل معه».
صفعة للجميع
من جانبها، اعتبرت تيريزا –وهي ناشطة مقيمة بـ«ديكس»– أن تعيين سنايدر للجنة الآنفة الذكر هو بمثابة «صفعة على وجوه جميع سكان ميشيغن»، وقالت: «يبدو لي أنه توجد هنالك جماعات ضغط (لوبيات) لديها الأموال والجشع الذي يؤثر على حياة الناس في مقاطعة وين»، مضيفة: «إن وزارة البيئة بالولاية سوف تفقد بذلك صلاحياتها في منح الأذونات، ولن تكون هي الجهة المخولة بوضع اللوائح والمعايير.. وهذه الخطوة سوف تعيد الولاية إلى الخمسينيات والستينيات.. حيث لم تكن توجد حينها ضوابط على الإطلاق».
وشددت: «أنا أؤيد وزارة البيئة»، واستدركت مخاطبة مسؤولي «قسم جودة الهواء»: «لكنكم بحاجة إلى المزيد من القوة، وميزانية أكبر، والمزيد من الأشخاص، وكادراً أكبر يكون متخصصاً في جودة الهواء والماء».
بدوره، أشار غريغ فيتزنر –وهو مدير قسم مساعد– إلى أن مسؤولي الوزارة يعملون مع مكتب سنايدر لكي يفهموا بشكل أوضح ما هي سلطات وزارة البيئة، مؤكداً أنه لا توجد لديه فكرة واضحة عن كيفية تأثير القانون عليها، وقال: «إننا نعمل على توضيح المناطق الرمادية، لكن في الوقت الحالي ليس لدينا تقييم جيد لكيفية تأثيرها (اللجنة) علينا».
الكرة في الملعب البلدي
في حزيران (يونيو) الماضي، كان حمود قد تقدم مع 6 من زملائه في مجلس نواب ميشيغن بحزمة مشاريع تناولت إصلاح جودة الهواء مع التركيز على العدالة البيئية والشفافية والمساءلة والرقابة المحلية وتوسيع معايير التصاريح.
مشروع القانون الذي تقدم به حمود، (رقم 6143 في مجلس النواب)، يطالب وزراة البيئة بأن تأخذ بعين الاعتبار الأثر التراكمي لجودة الهواء عند النظر في (منح) التصاريح (للشركات المطالبة بالسماح في زيادة الانبعاثات) بدلاً من الاكتفاء بالنظر في التأثير المباشر للانبعاثات.
وفي حديث مع «صدى الوطن»، أكد حمود على أهمية «الشفافية في منح الأذونات.. لا نريد النظر فقط في التلوث الذي تسببه منشأة ما وإنما النظر في مستوى التلوث في المنطقة برمتها».
ورغم اعترافه بمحدودية سلطات الحكومات المحلية، أشار كورنيسكي إلى أن البلديات والمقاطعات قادرة على وضع وتمرير معاييرها وقوانينها الخاصة التي تحظر الأنشطة الصناعية الضارة.
وساق مثالاً على ذلك، بإصدار مجلس ديترويت البلدي –في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي– مرسوماً بتنظيم تجارة وتخزين رواسب النفط المكرر، تفادياً لآثارها البيئية الضارة على نهر ديترويت، حيث كان يتم تكويمها على ضفاف النهر.
وقال كورنيسكي: «هذه أيضاً فرصة لمدينة ديربورن أو أي من المجتمعات المحلية.. أنا لا أقول إن ديربورن يمكنها تصحيح جميع القوانين، ولكن حكومات المدن والمقاطعات لديها السلطة لتنظيم الانبعاثات.. وكذلك اعتماد أية قيود أخرى طالما أن قانون الولاية لا يمنعها من ذلك».
لافتاً إلى أن ميشيغن ولاية تتميز باللامركزية حيث تتمتع الحكومات المحلية باستقلالية أكبر من المدن والمقاطعات في الولايات الأخرى».
استياء شعبي
في أواخر آذار (مارس) الماضي، شارك المئات من سكان الـ«ساوث أند» في جلسة استماع عامة دعت لها وزارة البيئة بميشيغن، للتعبير عن معارضتهم لطلب تقدمت به شركة «دي تي إي للطاقة» بزيادة انبعاثاتها الملوثة في إطار خطتها لتعزيز إنتاج الطاقة من الغاز الطبيعي لتلبية مراكز الأبحاث والتطوير التابعة لشركة «فورد» لصناعة السيارات.
وقبلها بشهر، كانت الوزارة قد سمحت لشركة «ديربورن إنداستريال جينيريشن» (ديغ) بزيادة مستويات انبعاث الفورمالدهيد، وهي مادة مسرطنة، ولكن محطة الطاقة ألغت طلبها لاحقاً تحت ضغط السكان المحليين.
ويعترض الناشطون البيئيون على الارتفاع القياسي لمستويات التلوث في المنطقة وسط تجاهل تام من صنّاع القرار في لانسنغ.
ويطالب هؤلاء، السلطات بأن تقوم بقياس دوري لجميع مصادر التلوث في المنطقة.
وفي الإطار، أشار خالد صلاح إلى أن مصدر القلق الأكبر بالنسبة للسكان المحليين هو الأسطوانات الفولاذية الساخنة (بطول 12 إلى 20 قدماً وبقطر 6 إلى 12 إنشاً) التي يتم نقلها بواسطة شاحنات بـ18 عجلة عبر الأحياء السكنية إلى مصنع «أي كي ستيل» للصلب.
صلاح الذي يعمل مهندساً كهربائياً في شركة محلية لصناعة السيارات، أكد لـ«صدى الوطن» أن تلك الاسطوانات الساخنة تصدر دخاناً كثيفاً يتسبب بضبابية الرؤية ونشر السموم في الهواء، لافتاً إلى أنه تقدم بشكوى لوزارة البيئة بهذا الشأن، ولكن رد الوزراة كان «نحن لا ننظم مثل تلك الانبعاثات». وقال «إذن.. نحن الآن نتوجه إلى مسؤولي البلدية في مدينتنا ديربورن لنرى فيما إذا كان بإمكانهم تطبيق بعض القوانين لمنع مثل هذه الأمور من التفاقم».
Leave a Reply