واشنطن – لجأت إدارة الرئيس دونالد ترامب، الأربعاء الماضي إلى خطوة جريئة بتعيين مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) السابق روبرت ميولر محققاً مستقلاً «للبت سريعاً» في ملف «التدخل الروسي» في الانتخابات الأميركية، وهو الملف الذي يعول عليه معارضو الرئيس لقلب الطاولة بوجه ترامب وعزله من منصبه من قبل الكونغرس، لاسيما بعد إقالته مدير الـ«أف بي آي» جيمس كومي في ظل التحقيقات القائمة بشأن علاقة انتخاب ترامب بروسيا.
وفيما يواصل البيت الأبيض إجراء المقابلات مع المرشحين المحتملين لخلافة كومي على رأس الجهاز، عبّر الرئيس الأميركي، الأربعاء الماضي، عن الأمل في أن يتم الانتهاء «سريعاً» من التحقيق بشأن احتمال وجود تواطؤ بين روسيا ومقربين منه، وذلك بعد أن عينت وزارة العدل الأميركية ميولر محققاً خاصاً في هذه القضية.
وجاءت هذه الخطوة بعد إصرار الديمقراطيين على تعيين مدع خاص للتحقيق في صلات ترامب بروسيا.
وقال ترامب في بيان: «كما قلت مراراً، فإنّ تحقيقاً شاملاً سيؤكد ما نعرفه بالفعل: ليس هناك أيّ تواطؤ بين فريق حملتي وبين جهة أجنبية».
ترامب يرد
ونفى ترامب الخميس الماضي وجود أي تواطؤ لحملته الانتخابية الرئاسية مع الروس العام الماضي، مشددا على أن التحقيقات الخاصة حول هذه القضية «تقسم» البلاد.
وقال ترامب، في مؤتمر صحافي مع الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس في البيت الأبيض، إنه يحترم تعيين روبرت ميولر محققاً خاصاً لكنه يرى أن ما حصل «حملة استهداف» ضده.
وأكد أنه لم يطلب من المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي وقف التحقيق في التدخل الروسي.
وعيّنت وزارة العدل الأميركية، الأربعاء الماضي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي، روبرت ميولر، محققاً خاصاً مهمته إجراء تحقيق في مسألة تدخل روسيا بالانتخابات الرئاسية في 2016.
وقال مساعد وزير العدل، رود روزنشتاين، في بيان تعيين ميولر إن «قراري لا يعني أن هناك جرائم ارتكبت أو أن هناك ملاحقات يجب أن تتم».
وأوضح روزنشتاين الذي استدعي أيضاً للمثول أمام الكونعرس، أن تعيين ميولر يأتي ضمن حرصه على المصلحة العامة للأميركيين، مشيراً إلى أن هذا الحرص يحتم عليه تعيين شخصية مستقلة للتحقيق في الموضوع.
وجاء هذا الإعلان بعد أسبوع ونيف على القنبلة، التي فجرها ترامب بإقالته كومي، بصورة مفاجئة، وما تلا ذلك من اتهامات وجهت إلى الرئيس بمحاولة عرقلة التحقيق في ارتباطه المزعوم بروسيا.
الكونغرس يستدعي كومي
اتخذت الحملة الإعلامية والسياسية ضد ترامب منحى تصعيدياً بعد استضافة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث أطلقت صحيفة «واشنطن بوست» جدلاً واسعاً بشأن إمكانية تسريب ترامب لمعلومات سرية حساسة لروسيا، وقد انعكس ذلك على مؤشرات البورصة الأميركية التي سجلت خلال الأسبوع الماضي أكبر انخفاض لها منذ فوز ترامب في الرئاسة.
وفي سياق الحملة المستمرة، طلب الكونغرس الأميركي من مدير «أف بي آي» المقال جميس كومي الإدلاء بشهادته علناً، بشأن تدخل ترامب في عمله، وطلبه إنهاء التحقيق في علاقة أحد مستشاريه السابقين بروسيا.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» ذكرت الثلاثاء الماضي نقلاً عن مصادر مقربة من كومي أن ترامب طلب منه خلال اجتماع في المكتب البيضاوي إنهاء تحقيق جار حول مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين
ومن المقرر أن يدلي كومي بشهادته في مقر الكونغرس بواشنطن، بحضور وسائل الإعلام، وهي خطوة تخرج أمر التحقيقات عن سيطرة إدارة الرئيس ترامب.
وقال رئيس مجلس النواب الجمهوري بول راين الأربعاء في مؤتمر صحافي إنه «لن يصدر أحكاما مسبقة على أي شيء قبل العلم الكامل بالحقائق»، تعليقاً على مذكرة كتبها كومي تفيد بتدخل ترامب لإغلاق تحقيق حول العلاقات بين مستشار الأمن القومي السابق مايك فلين وروسيا.
وأجبر فلين على الاستقالة في شباط (فبراير) الماضي بعد أن كشفت التحقيقات اتصالات أجراها مع السفير الروسي لدى واشنطن سيرغي كيسلياك، لم يكشف فلين عن مضمونها كاملاً لنائب الرئيس مايك بنس.
وكان كومي يقود أيضاً تحقيقات بشأن احتمال وجود تواطؤ بين حملة ترامب الانتخابية ومسؤولين روس في الكرملين، قبل أن يطيح به الرئيس فجأة.
وتقول وسائل إعلام أميركية إن كومي كتب المذكرة فور انتهاء اللقاء الذي جمعهما، بعد يوم من استقالة فلين.
ونفى البيت الأبيض صحة ما ورد في هذه التقارير. وأوضح في بيان أن صحيفة «نيويورك تايمز» والعديد من وسائل الإعلام لم يكونوا دقيقين في نقل الحوار الذي جرى بينه وبين كومي.
نقلت تقارير إعلامية أخرى عن مسؤولين أميركيين إفادتهم بأن فلين، ومستشارين آخرين في حملة ترامب الانتخابية قد اتصلوا بمسؤولين روس 18 مرة على الأقل عبر اتصالات هاتفية أو رسائل بريد إلكتروني في الأشهر السبعة الأخيرة من سباق الرئاسة الأميركية.
الرد الروسي
من جانبه، سخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الادعاءات التي روجتها وسائل الإعلام الكبرى المناهضة لترامب حول تسريبه معلومات استخباراتية سرية للافروف، قائلاً إن وزير خارجيته لم يبلغ الاستخبارات الروسية بها.
وأعرب بوتين عن استعداده لتقديم نص الحديث الذي دار بين ترامب ولافروف، إلى الكونغرس الأميركي، نافيا صحة التقارير التي زعمت أن ترامب نقل معلومات سرية إلى روسيا حول تنظيم داعش، على الرغم من أن مصدر المعلومات اشترط عدم الإفشاء بها لموسكو. لكن روسيا تقول إن هذا لم يحدث.
وسخر بوتين من التقارير الإعلامية قائلاً «لافروف لم يشاركنا تلك الأسرار، ولم يبلغ بها وكالات الاستخبارات الروسية، لقد فعل شيئا سيئاً».
وقال بوتين إن محضر اللقاء يمكن أن يقدم إلى الكونغرس الأميركي أو مجلس الشيوخ إذا تسلمت روسيا طلبا بذلك.
وكان ترامب قد دافع عن «حقه المطلق» في تبادل المعلومات مع روسيا، ووصف التقارير الصحفية بأنها «أخبار كاذبة».
وكان ترامب قد قال في تغريدة الثلاثاء، «أريد، باعتباري رئيساً، إشراك روسيا، في اجتماع مفتوح مقرر موعده من قبل، ولدي الحق المطلق لفعل ذلك، في الحقائق المتعلقة بالإرهاب وسلامة خطوط الطيران.
«وهذا لأسباب إنسانية، إضافة إلى أنني أريد أن تصعد روسيا بدرجة أكبر قتالها ضد تنظيم داعش».
وليس ما أقدم عليه الرئيس ترامب غير قانوني، فهو باعتباره رئيساً للولايات المتحدة يتمتع بسلطة كشف المعلومات السرية.
لكن ما فعله –بالرغم من ذلك– أثار انتقاداً شديداً من قبل أعضاء الحزب الديمقراطي الذين يصر بعضهم على محاولة إسقاط ترامب وعزله، فيما طالب بعض أعضاء الحزب الجمهوري بتفسير لذلك.
لافروف يسخر من الإعلام الأميركي
وبدوره، سخر لافروف من التقارير الإخبارية الأميركية بشأن لقائه مع ترامب بحضور السفير الروسي في واشنطن.
وقال لافروف للصحفيين في قبرص الخميس الماضي إنه لم يفهم ما «السر» وراء فرض الولايات المتحدة حظرا على أجهزة الحاسب الآلي المحمولة على الطائرات القادمة من بعض دول الشرق الأوسط قبل شهرين.
وسخر من أن بعض وسائل الإعلام الأميركية تتصرف مثل الصحف الشيوعية إبان الاتحاد السوفيتي ولا تقدم أخبارا حقيقية.
وقال لافروف إن وسائل الإعلام ذكرت أن ترامب أبلغه أن «الإرهابيين» قادرون على حشو أجهزة الحاسب الآلي المحمول، وكل أنواع الأجهزة الإلكترونية بمواد متفجرة لا يمكن تعقبها، وهي معلومات قال إن الإدارة كشفت عنها مع فرض الحظر.
ونقلت «أسوشيتد برس» عن الوزير الروسي قوله: «إذن لو أنك تتحدث عن ذلك، أرى أنه ليس سراً».
وقالت وسائل إعلام في الولايات المتحدة إن ترامب تبادل مواد تسلمتها أميركا من بلد آخر شريك لها لم تحصل منه على إذن بتبادلها، وقد أشارت بعض المعلومات إلى أن إسرائيل هي مصدر المعلومات السرية عن «داعش».
ونقلت وكالة إنترفاكس عن مسؤول أميركي سابق، أن المعلومات السرية التي حصلت عليها الولايات المتحدة الأميركية والتي تبادلها ترامب مع مسؤولين روس في البيت الأبيض، قدمتها إسرائيل.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، لم يؤكد المسؤولون الإسرائيليون أنهم مصدر المعلومات التي تبادلها ترامب مع الروس، وأكد السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون ديرمر في بيان أرسله إلى الصحيفة، أن البلدين سيحافظان على علاقة وثيقة لمكافحة الإرهاب.
Leave a Reply