عماد مرمل – «صدى الوطن»
فجأة، تقدمت وزارة العدل في لبنان إلى الواجهة والمواجهة، بعدما ازداد الطلب عليها في سوق التفاوض الحكومي حتى كاد وهجها يغطي على الحقائب السيادية. الرئيس ميشال عون يتمسك بإبقاء هذه الحقيبة ضمن حصته الوزارية، و«القوات اللبنانية» تريد أن تحصل عليها أو على ما يعادلها في الأهمية، فيما تعلو التحذيرات من انهيار اقتصادي قريب إذا طال أمد الأزمة الحكومية بكل ما ترتبه من الاستنزاف الاقتصادي والمالي، وآخرها صدر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ولكن، ما هي قصة التجاذب حول «العدل»، ولماذا أصبحت موضع استقطاب؟
عرض مسحوب
وفق رواية «القوات اللبنانية»، أبدى الرئيس عون أمام مستشار رئيس الحكومة الوزير غطاس خوري خلال زيارتهما معاً إلى أرمينيا مؤخراً، استعداده لمنح «القوات» حقيبة العدل التي يشغلها حالياً الوزير سليم جريصاتي المنتمي إلى فريق رئيس الجمهورية.
وعليه، نقل الحريري هذا الطرح إلى «القوات» التي تجاوبت معه، ما دفع الرئيس المكلف إلى توقع تشكيل الحكومة قريباً جداً، قبل أن يتراجع منسوب التفاؤل بعدما سحب عون موافقته على التنازل عن «العدل»، وهو موقف اعتبرته أوساط «قواتية» انعكاساً لانزعاج عون من تصريح لسمير جعجع قال فيه «يضحك كثيراً من يضحك أخيراً».
في المقابل، تحرص أوساط «القوات» على التأكيد بأنها ليست هي التي طلبت «العدل»، بل عُرضت عليها فوافقت وهي تنتظر بديلاً مناسباً بعد تراجع المعنيين عن العرض، وبالتالي تنفي «القوات» أن تكون هي المسؤولة عن التأخير المتمادي في ولادة الحكومة، مشددة على أن من حقها أن تنال حصة وزارية وازنة، تضم حقيبة أساسية.
في المقابل، يشعر «التيار الوطني الحر» بأن «القوات» تبالغ في مطالبها وكلما حصلت على مكسب سعت إلى انتزاع آخر، معتبراً أنه قدم من ناحيته تسهيلات وتنازلات عدة من أجل التعجيل في تشكيل الحكومة.
ووفق الوقائع التي يملكها «التيار»، فإن عون لم يتنازل رسمياً عن وزارة العدل لـ«القوات»، بل أن الوزير جبران باسيل هو الذي أوحى بإمكان الموافقة على منحها تلك الحقيبة، شرط أن يأخذ فريق رئيس الجمهورية «الأشغال» مكانها، مستدركاً بأن هذا هو رأيه الشخصي وأن القرار النهائي في هذا الشأن يعود إلى عون تحديداً.
ويبدو أن عون لم يتحمس لـ«الأشغال»، على خلاف باسيل الذي يفترض أنه يمكن إنجاز الكثير من الخطط والمشاريع على مستوى هذه الحقيبة.
أسباب إصرار عون
ويؤكد المقربون من عون أنه مصر على الاحتفاظ بحقيبة العدل، لأنها تشكل خطاً أمامياً في معركة مكافحة الفساد التي يعتبرها أولوية له في المرحلة المقبلة، إذ أن هذه الوزارة المتصلة بالجسم بالقضائي هي بمثابة «منصة هجومية» في مواجهة ملفات الفساد والهدر.
كما أن عون يعتقد أن وزارة «العدل» المعنية بالعدالة والمحاسبة والقانون والنزاهة يجب أن تبقى تحت مظلة رئاسة الجمهورية التي تمثل الدولة اللبنانية بمجملها، لا أن تخضع إلى سيطرة جهة حزبية، لها أجندتها الخاصة.
وفوق ذلك كله، يفترض عون أن إبقاء «العدل» بحوزة فريقه هو أمر ضروري لتأمين التوازن مع شريكيه في الحكم، إذ أن «المالية» تتبع للرئيس نبيه بري و«الداخلية» مرتبطة بالرئيس سعد الحريري، وبالتالي فإن رئيس الجمهورية يرى أنه من المهم أن يُمسك بضلع العدل في مقابل تحكم رئيسَي المجلس والحكومة بالشريان المالي والعصب الأمني.
ولعل ما يزيد من أهمية حقيبة «العدل» أنها تقع على تماس مع ملفين دقيقين هما، المحكمة الدولية التي تستعد لإصدار حكمها في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والنزاع القضائي بين جعجع وبيار الضاهر حول مصير «المؤسسة اللبنانية للإرسال» (أل بي سي).
وفي معرض شرح أسباب إصرار عون على إبقاء «العدل» معه، يشير مصدر مقرب منه إلى أن هذه الوزارة اكتسبت حضوراً نوعياً في عهده، لافتاً إلى أنها «نفضت الغبار عن قضايا صعبة وأنجزت التشكيلات القضائية بعد انتظار، وحرّكت المجلس العدلي، ودفعت نحو إتمام محاكمات حساسة كانت معلقة، والأهم أنها وضعت الأجهزة الأمنية في خدمة القضاء بعدما كان العكس هو السائد».
جعجع في الزاوية
ويلفت المصدر إلى أن جعجع هو الذي حشر نفسه في زاوية ضيقة عندما وافق على الاستغناء عن «الصحة» لـ«حزب الله»، وترك «التربية» لوليد جنبلاط، وتجنب المطالبة بـ«الأشغال» تفادياً لأية حساسية مع سليمان فرنجية عشية إتمام المصالحة بين «القوات» و«المردة»، فلم يبق أمامه من ضمن الحقائب الأساسية غير السيادية، سوى «العدل».
وينبه المصدر المنضوي ضمن فريق عون إلى أن منح «العدل» إلى معراب هو أسوأ خيار ممكن، لأن تجربة وزرائها في الحكومة المستقيلة غير مشجعة، «وبالتالي فإن القوات إذا نالت هذه الحقيبة ستستخدم شعار مكافحة الفساد في إطار ديماغوجي».
ويرجح المصدر أن يكون جعجع قد اقتنع بصعوبة الحصول على وزارة العدل وكذلك بصعوبة الخروج من الحكومة التي لا مصلحة له في الانكفاء عنها، ولذلك لم يبق أمامه سوى محاولة تحسين شروط وجوده فيها قدر الإمكان.
Leave a Reply