بيروت – عماد مرمل
لم يكن مرور العميد مروان شربل فـي وزارة الداخلية مرورا عاديا، ذلك أن سلوك الرجل اتسم بخصوصية انقسم حولها السياسيون والمواطنون على حد سواء.
حاول شربل أن يوفق فـي أدائه بين الحكمة والحزم، فكان يلين حينا ويقسو حينا آخر، تبعا لطبيعة الموقف الذي يواجهه. الاولوية لديه هي لـ«المعالجة النظيفة» التي لا تترتب عليها إراقة الدماء، فإذا أخفق هذا الخيار لجأ الى استخدام «المبضع الأمني» الذي يتطلب قدرا من القوة.
يتفادى شربل المجاهرة بترشيحه الى رئاسة الجمهورية، لكن اسمه مطروح باستمرار ضمن لائحة مرشحي التسوية أو التوافق، إستنادا الى تجربته فـي وزارة الداخلية. «صدى الوطن»، التقت شربل، وكان هذا الحوار معه حول هموم الأمن والسياسة:
كيف تنظر الى الوضع المضطرب فـي عرسال، وما ترتب عليه من خطف المجموعات المسلحة لعدد من العسكريين اللبنانيين؟
لقد سبق لي ان حذرت خلال وجودي فـي وزارة الداخلية من تطور الوضع بشكل سلبي فـي عرسال، وقد حذرت فـي أحد التقارير من ان آلاف المسلحين سيلجأون الى جرود عرسال بعد معركة القلمون، ونبهت بوضوح الى ان «داعش» إذا قرر ان يدخل الى لبنان فلن يدخل عبر بكفـيا فـي المتن وجونية فـي كسروان، بل عبر السوريين المتدفقين الى عرسال وجرودها.
ما هي نقاط الضعف التي استفادت منها المجموعات الارهابية لتضرب ضربتها؟
أعتقد انه لم تتم حياكة الامن بالشكل المطلوب حول عرسال وفـي داخلها، وكان من المفروض ان تُعزل البلدة عن جرودها منذ البداية.
هل تعتقد ان هناك غرفة عمليات فـي سجن رومية، يقودها موقوفون اسلاميون، تتولى التنسيق مع مجموعات موجودة فـي خارج السجن؟
لا أظن ان الامر بهذا الحجم.. وفـي كل الحالات، أنا أعتبر انه من الممكن معالجة هذا الملف من خلال تجزئته، والتعامل معه بحكمة وحنكة.. وعلى سبيل المثال، لا بأس فـي محاولة إقناع الموقوفـين الاسلاميين من اللبنانيين بانه لا فائدة من خروجهم بموجب مقايضة معينة، لانهم سيظلون ملاحقين قضائيا وأمنيا، وبالتالي تتعهد الدولة لهم بإجراء محاكمة عادلة تنهي قضيتهم. أما بالنسبة الى الموقوفـين من العرب البالغ عددهم 32شخصا تقريبا، فـيجري تسليمهم الى دولهم التي يُفترض بها ان تستكمل محاكمتهم، علما انه سبق للسعودية على سبيل المثال ان استعادت عددا منهم.
الى أي حد تظن انه كان بالامكان تفادي تجربة عرسال؟
نعم.. كان ممكنا تجنب هذه الكأس المرّة لو جرى تعزيز القوى العسكرية والامنية فـي البلدة وجرودها منذ البداية، وجرى التحقيق فـي كيفـية خروج شاكر العبسي من مخيم نهر البارد وفـي كيفـية خروج أحمد الاسير من عبرا، وكيف قتل عسكريان فـي قلب عرسال من دون محاسبة، لانه لو تمت مثل هذه التحقيقات لكنا قد استخلصنا الدروس والعبر اللازمة التي من شأنها ان تساعدنا فـي مواجهة التحديات.
هل انت مرتاح الى سلوك الحكومة حيال ملف عرسال وقضية العسكريين المخطوفـين؟
ما فعلته الحكومة حتى الآن ممتاز، لاسيما لجهة التضامن الوزاري الذي يخفف من التشنج على الارض ويلجم الفتنة المذهبية، خصوصا ان الارهابيين يلعبون على الوتر المذهبي، ويدفعون فـي اتجاه الفتنة من خلال قتل العسكريين وتحريض الاهالي، سعيا الى إشاعة الفوضى وإحداث اقتتال داخلي، مفترضين ان ذلك سيسهل انتشارهم فـي الاراضي اللبنانية وإيجاد بيئات حاضنة لهم، تحت شعار التدخل لنصرة الطائفة السنية ورد الظلم عنها.
هل تشارك البعض قلقه من احتمال انزلاق لبنان الى حرب أهلية؟
أنا قلق.. وهناك مؤشرات على الارض شبيهة بتلك التي سبقت اندلاع الحرب عام 1975، مع فارق أساسي هذه المرة وهو ان المواجهة ستكون مذهبية اي انها ستكون اقسى وستُشرّع لبنان امام «داعش» والغبراء، مع ما سيرافق ذلك من انقسام للمؤسسات وتهديد لوحدة الجيش، ولذلك المطلوب التسلح بالوعي السياسي والمسؤولية الوطنية فـي مواجهة هذا الخطر، وإذا كنا قد تفادينا الوقوع فـي المحظور، حتى الآن، فان الجرة لا تسلم كل مرة، وعلينا سريعا ان نتنبه ونرتقي فـي خطابنا وسلوكنا الى مستوى التحدي المصيري، قبل فوات الأوان.
متى تتوقع ان تنتهي ظاهرة «داعش»؟
ينتهي دور «داعش» من دون ضربة كف عندما تنجز دورها وهو تفتيت المنطقة وتقسيمها، بالشكل الذي يخدم اسرائيل ومشروعها، ولعل العراق يدفع حاليا ثمن أول صاروخ عربي سقط على اسرائيل وكان مصدره الجيش العراقي. وحتى يكتمل مخطط التجزئة والفتنة، أنا أقول انه لو لم تكن إيران موجودة لكانوا قد اخترعوها، حتى يخوّفوا بها الدول العربية ويدفعونها الى شراء الاسلحة. وإذا كانت بعض الدول تخضع حاليا لعملية تقسيم على اساس جغرافـي، فإن لبنان الذي لا تحتمل مساحته الصغيرة هذا النوع من التقسيم تحول الى مسرح لصراع بين الطوائف على الصلاحيات والمراكز، وهذا صراع خطير يفتت الدولة من الداخل، ويُضعف مناعتها.
ما أهمية الإسراع فـي انتخاب رئيس الجمهورية، لتحصين الساحة الداخلية فـي هذه المرحلة الخطيرة؟
إن الإسراع فـي انتخاب الرئيس هو أمر ضروري، وكان يجب إنجاز الاستحقاق الرئاسي أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد.. لكن الأهم لتحسين شروط التصدي لخطر الفتنة هو استمرار التواصل بين حزب الله وتيار المستقبل، ضمن حكومة واحدة، وأي ضرب لهذه المعادلة يهز الإستقرار، وأنا أشدد فـي هذا الإطار على ضرورة عدم الوصول الى الفراغ الكامل، فـي حال افلتت اللعبة من السيطرة، وتعذر التمديد لمجلس النواب وإجراء الانتخابات النيابية فـي الوقت ذاته.
هل انت مرشح الى رئاسة الجمهورية؟
أنا لا أسعى الى الرئاسة، لكن إذا حصل توافق عليّ، فلن أتهرب من تحمل مسؤوليتي..
كيف يمكن ان تتصرف إذا أصبحت رئيسا؟
كما كنت فـي وزارة الداخلية حريصا على جمع «8 و14آذار»، هكذا سأفعل كرئيس للجمهورية، وسأسعى الى جمع الكل حولي على قاعدة تطبيق القانون، منطلقا من الرصيد الذي صنعته فـي تجربتي الوزارية، إذ ان لبنان ليس حلبة مصارعة بل مساحة للتنوع والتفاعل، وانا لا أزال على تواصل مع الجميع، وقد التقيت الرئيس سعد الحريري عندما عاد الى لبنان كما ان صداقة وثيقة تربطني بالعماد ميشال عون.
Leave a Reply