عماد مرمل
تمكن وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق من ان يضع بصمته الخاصة على سجل الوزارة، الشريكة للجيش فـي التصدي للارهاب، والمقيمة على تماس مباشر مع الارض والادارة، مازجا فـي أدائه بين الحزم الذي يتطلبه موقعه الوزاري، وبين الواقعية التي تفرضها التوازنات اللبنانية الدقيقة.
ويقول المشنوق لـ«صدى الوطن» انه وبرغم كل السلبيات التي ينطوي عليها النظام اللبناني، إلا ان هذا النظام أثبت قدرته على التكيف مع التحولات والزلازل التي ضربت المنطقة، وبالتالي استطاع حتى الآن تحييد لبنان نسبيا عن آثار الحروب الطاحنة التي تدور من حوله.
ويضيف: ليس أمرا بسيطا، ان يكون لدينا حد أدنى من الاستقرار الامني المقبول وحد أقصى من الودائع بالدولار الاميركي فـي المصارف اللبنانية، بينما تندلع بالقرب منا حرائق إقليمية واسعة، وليس بسيطا ان يدور حوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» وان ننجح فـي تنفـيس الاحتقان المذهبي الى حد كبير، بينما تضرب رياح الفتنة الكثير من دول المنطقة.
ويتابع: بصراحة، أنا معجب بهذا النظام القادر على التأقلم مع كل الظروف والمخاطر، وحتى تكتمل الأعجوبة، لا بد من الإشارة الى ان لبنان يعبر هذه المرحلة المضطربة، من دون رئيس جمهورية، ومع ذلك فهو نجح فـي حصر خسائرها، بل ان القطاع المصرفـي استطاع استقطاب ودائع ضخمة، تعكس استمرار الثقة فـي لبنان ونظامه.
ويدعو المشنوق الأطراف الداخلية الى التعامل بمسؤولية وطنية مع الواقع الحالي، والتصرف وفق ما تقتضيه التحديات الكبرى التي تواجهنا، بدل الاستغراق فـي مماحكات وتفاصيل، ليس هذا أوانها، إذ ان الاولوية حاليا يجب ان تكون لتعزيز المناعة الوطنية وحماية مساحة الاستقرار النسبي السائد لدينا، وسط محيط مضطرب.
ويلفت وزير الداخلية الانتباه الى ان هناك قرارا اقليميا ودوليا، لا يزال ساري المفعول، بتحييد لبنان ومنع تمدد النار اليه، كاشفا فـي هذا السياق عن ان جهات دبلوماسية ابلغته بان إيران على كل مستوياتها، من المرشد الى الحرس الثوري مرورا برئيس الجمهورية، تريد تحييد لبنان عن الحرائق المشتعلة. ويضيف: هذا هو ايضا الموقف السعودي والاميركي والاوروبي، وبالتالي علينا الاستفادة من هذا التوافق الاقليمي- الدولي، والبناء عليه لتحصين جبهتنا الداخلية.
لكن المشنوق يعتبر فـي المقابل ان الظهور العلني لقائد فـيلق القدس الايراني اللواء قاسم سليماني فـي معركة تحرير محافظة صلاح الدين العراقية من «داعش» لايفـيد، بل هو يساهم فـي تحريك الفتنة.
ويعرب وزير الداخلية عن اعتقاده بان المملكة العربية السعودية فـي عهد الملك سلمان هي بصدد السعي الى وضع استراتيجية توازن مع إيران، لا استراتيجية مواجهة، لافتا الانتباه الى ان الرياض تحاول تجميع الاوراق اللازمة لبناء حلف توازن يضمها الى جانب مصر والاردن والامارات العربية المتحدة وربما تركيا لاحقا.
ويشدد المشنوق على ان مثل هذا التوازن الاقليمي مع الدور الايراني يساهم فـي استعادة المنطقة لاستقرارها، ما ينعكس بدوره تحصينا لاستقرار لبنان الذي من مصلحته ان يبقى بمنأى عن تجاذبات المحاور وان يتجنب الالتحاق بمحور ضد آخر. ويؤكد ان الرياض لم تعد على علاقة بأي جانب من جوانب الحرب الناشبة فـي سوريا، وهي توقفت منذ فترة طويلة عن تقديم الدعم لأي جهة هناك، خلافا لما يتم ترويجه فـي بعض وسائل الاعلام، أما تيار المستقبل فأنا أجزم بانه غير متورط باي تدخل فـي سوريا، لا مشاركة ولا مؤزارة، وهو معني فقط بالموقف السياسي.
ويرى المشنوق ان القوى الدولية الكبرى، خصوصا الولايات المتحدة، لم تتخذ يوما منذ بداية الازمة السورية قرارا حقيقيا وجديا بإسقاط بشار الاسد، ولو فعلت لكان قد سقط، لافتا الانتباه الى ان الاردن قرر إزاء هذا السلوك الوقوف على الحياد، علما انه لو كانت هناك إرادة غربية بحسم المواجهة مع الاسد، لأمكن شد الخناق عليه عبر جبهة درعا المتاخمة للاردن والتي توصل الى دمشق، إما لإسقاطه او لاجباره على الإتيان الى طاولة المفاوضات وفق شروط غير قابلة للنقاش.
يؤكد المشنوق انه غير قلق من مرحلة ما بعد ذوبان الثلج فـي جرود الحدود اللبنانية مع سوريا، مشددا على ان هناك جهوزية لمواجهة أي هجوم قد تشنه المجموعات المتطرفة.
ويقول وزير الداخلية ان المواجهة مع التطرف التكفـيري تتطلب حر فـية أمنية، وشجاعة فقهية أيضا، متوقفا فـي هذا الإطار عند أهمية الدور الذي يمكن ان يؤديه علماء الدين لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة والمغلوطة، ومشيدا بسلوك مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي يتحلى بجرأة فـي التصدي للطروحات المتطرفة المسيئة الى الدين الاسلامي.
ويعتبر المشنوق ان المطلوب تقوية الاعتدال السني فـي هذه المعركة، وتجنب الخوض فـي كل ما يؤدي الى إضعافه او الاصطدام معه، لأن لكل مرحلة اولوياتها وبوصلتها، والأهم حاليا هو تحصين الساحة الوطنية عموما، والاسلامية خصوصا، فـي مواجهة الارهاب والتطرف.
ويشدد وزير الداخلية على أهمية موقع الرئيس سعد الحريري فـي هذا الظرف المصيري، مؤكدا ان الحريري أظهر شجاعة ومسؤولية فـي مقاربة التحديات واتخاذ المواقف المناسبة منها، كما فعل حين قرر الدخول فـي حوار مع حزب الله، برغم ان هذا القرار لم يكن فـي البداية يحظى بحماسة لدى بعض قواعد تيار المسقبل، لكن مع الوقت الجميع اقتنع بجدواه، لاسيما بعد نجاحه فـي التخفـيف من التشنج المذهبي وتوتر الشارع.
ويتساءل: لو لم يكن هناك حوار، هل كان أحد ليتخيل ان صور الامام الخميني والامام الخامنئي يمكن ان تُنزع من بعض المناطق؟
ويرى المشنوق ان الاستراتيجية الوطنية لمواجهة الارهاب والتي تشكل مادة نقاش فـي الحوار لا يمكن ان تكتمل وتنتظم من دون انتخاب رئيس الجمهورية.
ويشير المشنوق الى ان المعادلة التي تتحكم حاليا بالاستحقاق الرئاسي، هي الآتية:
-انتخاب ميشال عون، بخياراته الراهنة.
-انتخاب عون «معدّلا»، بحيث يكون رئيسا توافقيا.
-انتخاب شخصية أخرى يسميها عون.
لكن وزير الداخلية يلاحظ ان عون لم يبذل بعد الجهد الكا فـي الذي يجعله مرشحا توافقيا.
ويخلص المشنوق الى التأكيد ان الاساس بالنسبة اليه كوزير للداخلية هو تحقيق الامن السياسي، موضحا انه يتجنب التحول الى معقب معاملات فـي الوزارة.
Leave a Reply