بيروت – عماد مرمل
مع تفاقم خطر «داعش» وتمدده فـي مختلف الاتجاهات، استنفر العالم لمواجهته، كلٌ وفق حساباته وقياس مصالحه، إذ ان بعض الدول يريد القضاء على هذا التنظيم كليا، والبعض الآخر يفضل الإكتفاء باحتوائه وتقليم أظافره، بينما تفضل دول أخرى ان تشارك فـي الحملة على الارهاب بـ«القطعة» او بـ«المفرق» تجنبا للانزلاقات غير المحسوبة. وقد سارعت الولايات المتحدة الى قيادة التحالف الاقليمي- الدولي المستجد ضد الارهاب، وتنقل وزير خارجيتها جون كيري بين لقاء جدة ولقاء باريس اللذين جمعا «الحلفاء الجدد»، سعيا الى تنظيم المواجهة وتوزيع الأدوار والأعباء، علما ان واشنطن قررت هذه المرة ان تخوض «حربا نظيفة» من الجو حصرا، من دون التورط بالنزول الى البر والغرق فـي رمال صحرائه. وبرغم تصدر واشنطن مشهد الحملة على «داعش»، إلا ان هناك من يشكك فـي حقيقة نياتها وحساباتها، ويعتبر ان هدفها الحقيقي هو تحجيم هذا التنظيم وتضييق مساحة انتشاره، وليس اقتلاعه والتخلص منه، لاسيما ان الولايات المتحدة متهمة بانها كانت صاحبة مصلحة وربما صاحبة دور فـي وجود «داعش» من الاساس، لكن محاولته التفلت من السيطرة وتجاوز الخطوط الحمر أوجبت «تأديبه».
ويرى أصحاب وجهة النظر هذه ان الولايات المتحدة تعتقد ان بالامكان استخدام «داعش» للضغط على خصومها فـي المنطقة وإرباكهم وابتزازهم، كما ان من شأن «الحالة الداعشية» ان تدفع خرائط المنطقة وشعوبها فـي اتجاه المزيد من التشظي الجغرافـي والمذهبي، الامر الذي يريح اسرائيل ويبقي واشنطن حاجة حيوية للامن والحماية لدى دول الاقليم المترنحة.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى ان الدليل القاطع على عدم جدية أميركا، يكمن فـي استبعادها ايران وسوريا عن الجهد الدولي لمحاربة الارهاب، برغم انهما تشكلان جزءا من دول الجوار العراقي وتقعان على الخط الامامي للصراع مع القوى التكفـيرية. كما ان اقتصار الدور الاميركي على توجيه الضربات الجوية يخفف من فعاليته، فـي حين ان إلحاق هزيمة كاملة بـ«داعش» يتطلب التدخل البري، وهو الامر الذي تتفاداه إدارة الرئيس باراك أوباما.
ويتساءل أصحاب هذا الرأي: كيف يمكن الوثوق فـي مصداقية الولايات المتحدة، فـي حين أن أبرز أصدقائها مثل قطر والسعودية وتركيا كانت ولا تزال متورطة فـي دعم العديد من التنظيمات التكفـيرية، على المستويات المالية والتسلحية واللوجستية والرعوية، ولذلك فان المقياس الحقيقي للجدية فـي مواجهة الارهاب يكمن فـي مدى الاستعداد لتجفـيف ينابيعه، وعدم الإكتفاء بالتعامل مع نتائجه.
فـي المقابل، يعتبر المتحمسون لواشنطن انها صادقة وجادة فـي محاربة النسخة الجديدة من الارهاب الذي راح ضحيته صحافـي أميركي ذبحه تنظيم «داعش» بدم بارد، لافتين الانتباه الى ان الولايات المتحدة التي سبق لها ان اكتوت بنار الارهاب بعد تمدده نحو عمق اراضيها فـي 11أيلول، لن تسمح بتكرار التجربة ولن تنتظر وصول التنظيم التكفـيري الى شوارع نيويورك حتى تتحرك، وبالتالي فهي تتصرف على أساس ان خط الدفاع عن أمنها ومصالحها يبدأ من بغداد واربيل وليس من أية ولاية أميركية.
وينفـي هؤلاء الاتهام الموجه الى الولايات المتحدة من خصومها بانها غضت الطرف عن ولادة «داعش» ونموه، بغية توظيفه فـي خدمة مصالحها، مشيرين الى ان النظام السوري هو الذي أطلق رموز التنظيمات التكفـيرية من سجونه وتعمد إفساح المجال امام أنشطتهم الدموية، حتى يحوّل وجهة الصراع فـي سوريا ويوحي انه يدور بين الدولة والارهابيين وليس بين نظام مستبد وشعب ثائر يتطلع الى الحرية.
لكن.. أين لبنان من الحرب على «داعش»؟
على المستوى الرسمي، شارك وزير الخارجية جبران باسيل فـي مؤتمري جدة وباريس اللذين خُصصا لترتيب التحالف الغربي – العربي ضد «داعش»، وهي مشاركة استدعت أخذا وردا فـي الداخل حول فوائدها وأضرارها.
وفـي هذا السياق، ارتفعت أصوات تعترض على انخراط لبنان فـي هذا التحالف للاسباب الآتية:
– الخشية من عدم قدرة لبنان على تحمل اعباء الشراكة فـي الحرب على «داعش»، فـي ظل تواضع القدرات العسكرية لجيشه ومنعه من الحصول على عتاد نوعي والتأخير المتمادي فـي تسييل الهبات المخصصة لدعمه.
– احتمال ان يضع الانضمام الى التحالف لبنان فـي قلب العاصفة بدل ان يحميه منها.
– خطر الانزلاق الى اصطفافات خارجية لا تطيقها التوازنات الداخلية الدقيقة، خصوصا بعد تغييب سوريا وإيران عن تجمعي جدة وباريس، إضافة الى محاولة تهميش الدورين الروسي والصيني.
– التفريط بسياسة النأي بالنفس عبر الانخراط المقصود او غير المقصود فـي محور ضد آخر.
– إمكانية استغلال صقور التحالف، الناشئ الحرب على «داعش»، لتوسيع نطاق المهمة وتوجيه ضربات الى النظام السوري.
أما المقتنعون بجدوى المشاركة فـي الإئتلاف المضاد لـ«داعش»، فـيعددون إيجابياتها كالآتي:
– تأمين شبكة أمان دولية للبنان فـي مواجهة خطر عابر للحدود.
– وجوب الانضمام الى اي جهد إقليمي او دولي يتصدى للارهاب، لان هذه المواجهة تتطلب مساهمة جماعية ولا تتم بطريقة إنفرادية.
– زيادة فعالية التحالف من خلال توسيع دائرة المشاركين فـيه.
– لجم أي محاولة لتوجيه الائتلاف الدولي فـي مسارات تتعارض مع الغاية الاصلية لإنشائه وقد جاءت مشاركة روسيا فـي لقاء باريس لتحمي التوازن المطلوب.
– المشاركة اللبنانية فـي التحالف مدروسة، وتتم بعيون مفتوحة، وبالتالي فانه قد تجري إعادة النظر فـيها متى تغيرت المعطيات.
وسط هذا التجاذب بين المواقف.. ماذا يقول وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل لـ«صدى الوطن»؟
يؤكد باسيل ان المشاركة فـي التحالف المستجد ضد الارهاب هي لمصلحة لبنان، لانها تسمح له ان يحاول الاستفادة من المجتمع الدولي لتحسين شروط معركته ضد «داعش» وأخواته، لافتا الانتباه الى ان لبنان مجاور لسوريا وقريب من العراق، وبالتالي فهو معني تلقائيا بمجريات وانعكاسات المواجهة مع الارهاب فـي هاتين الساحتين.
ويشدد على انه لا يجوز ان نكون غائبين عن أي إطار يهدف الى التصدي للارهاب، خصوصا إذا كان يضم دولا نتشارك وإياها فـي الهمّ ذاته، بمعزل عن أسباب الارهاب ومساهمات بعض الدول فـيه، مشيرا الى ان المشاركة الاوسع تعني فعالية أكبر.
ويجزم بأن لبنان لم يدفع أي ثمن سياسي ولم يخضع لأي شرط فـي مقابل حضوره مؤتمري جدة وباريس، وبالتالي إذا افترضنا فـي أسوأ الحالات اننا لن نربح من هذا الحضور فبالتأكيد ليس هناك ما نخسره.
ويؤكد ان لبنان ليس بوارد الانخراط فـي محور ضد آخر، والدليل ان حضورنا لم يقتصر على إطار واحد، إذ كنا متواجدين فـي لقاء جدة الذي غابت عنه روسيا ثم شاركنا فـي لقاء باريس الذي ضم موسكو، معتبرا ان الحرب على الارهاب يجب ألا تستثني احدا، لاسيما من يخوض أصلا مواجهة شرسة معه ويُعد بمثابة المتضرر الاكبر منه.
Leave a Reply