عماد مرمل – «صدى الوطن»
يتعامل الرئيس ميشال عون، بحزم، مع ملف الموازنة والخيارات التي يجب اعتمادها لعبور الاختبار الاقتصادي–المالي الصعب الذي يواجهه لبنان، بأقل الخسائر الممكنة، إلى درجة أن بعض المقربين من تيار «المستقبل» تحسسوا أخيراً من سلوك عون على هذا الصعيد، بعدما وجدوا فيه تجاوزاً لصلاحيات رئيس الحكومة سعد الحريري ومحاولة لمصادرة دوره.
ولم يتردد عون في توجيه رسالة مبطنة إلى الحريري عقب مشاركته في قداس الفصح في بكركي، حيث دعا «من ليست لديه خبرة لإنهاء الأزمة (الموازنة والتحدي الاقتصادي–المالي) إلى زيارة قصر بعبدا ونحن ننهيها له، لأنه ليس مقبولاً أن تستمر الأمور بهذه الوتيرة البطيئة».
مسؤولية دستورية
ويؤكد وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي لـ«صدى الوطن» أن عون قرر دقّ جرس الإنذار استناداً إلى التزامه القاطع بحماية الدستور والسهر على التطبيق السليم لمحتواه، مشدداً على أن التقيّد بوضع الموازنة تبعاً للأصول وتحت سقف المهل المحددة هو جزء من الواجبات الدستورية التي لا يجوز إهمالها إو تجاوزها، لاسيما وسط التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجه لبنان.
ويلفت جريصاتي إلى أن حماية الدستور هي مسؤولية وطنية ملقاة بالدرجة الأولى على رئيس الجمهورية، لكنها تصبح بلا قيمة وجدوى ما لم تكن مرفقة بأدوات تطبيقية وقوة دفع عملية، وبالتالي فإن موقفه القاطع في الصرح البطريركي يندرج في سياق «تسييل» المسؤولية التي يتحملها، «وإذا كان هناك من لم يقتنع بعد، بأن الممارسة تغيرت في عهد عون، فقد آن الأوان ليصدق ذلك ويتصرف على هذا الأساس».
ويشير الوزير القريب من عون إلى أن الموازنة المرتقبة ينبغي أن تكون تقشفية، مرفقة برؤية اقتصادية حقيقية، تعالج تراكمات الحقبة السابقة من المخالفات في المالية العامة للدولة، وتحقق العدالة في تركيبتها فلا تستهدف قطاعات وتستثني أخرى قد تكون الأكثر دسامة.
ويلاحظ جريصاتي أن خيارات الحريري المتصلة بالموازنة والمسار الاقتصادي–المالي توحي بأن لديه أجندة مصرفية معينة لا تزال تتحكم باتجاهاته حتى الآن، مستغرباً التأخير الذي حصل في عرض الموازنة على مجلس الوزراء المعني بالبت بها، بعد اتضاح نيات كل طرف حيالها، معرباً عن اعتقاده بان البعض يميل إلى أن يناور في مواقفه المعلنة خارج الإطار الرسمي، بينما ينتفي هامش المناورة على طاولة الحكومة، حيث تغدو كل جهة مضطرة إلى حسم وجهتها.
تسوية عون–الحريري
يؤكد وزير شؤون رئاسة الجمهورية أن حرص عون على التسوية الكبرى التي أبرمها مع الحريري لا يعني أنه جاهز للقبول بأي شيء ولدفع أي ثمن من أجل المحافظة عليها، مشيراً إلى أن التسوية حققت الاستقرار الداخلي وحكم الأقوياء وهذا أمر جيد ومطلوب، إلا أن رئيس الجمهورية يرفض أن يأتي التمسك بها على حساب بناء الدولة ومكافحة الفساد وتحقيق الأمن الاجتماعي واعتماد الاقتصاد الإنتاجي بدل الريعي.
ويشدد على أن من يعتقد أن بمقدوره أن يفرض على عون موازنة الأمر الواقع بعد استنزافه وتقطيع الوقت هو مخطئ، لافتاً إلى أن البعض يظن ربما أن بمقدوره في نهاية المطاف أن يفصّل موازنة على قياس حساباته، متذرعاً إما بشبح المهل الزمنية الداهمة وإما بالضغط الفرنسي المتصاعد على إيقاع روزنامة مؤتمر «سيدر»، إلا أنه سيكتشف أن تقديراته ليست في محلها.
ويشير جريصاتي إلى أن لدى عون، القدرة على استشراف المخاطر وكشف الرهانات، وهو أراد من خلال موقفه الصريح في الصرح البطريركي أن يقول لمن يعنيهم الأمر إنه يعرف حقيقة نياتهم.
ويؤكد أن عون لن يسمح بحصول عجز مالي كامل يفضي إلى التوقف عن دفع الرواتب والمستحقات، ومن ثم تصنيف لبنان دولة فاشلة، تمهيدا لوضعه تحت الوصاية المالية وإخضاعه لاملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصولا إلى تطبيق وصفة اليونان عليه، معتبرا أن مثل هذه المعادلة المريبة لا يمكن أن تمر ما دام عون في رئاسة الجمهورية.
Leave a Reply