وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بالترحيب استقبلت صنعاء الوفد العماني الذي يقود وساطة لإنهاء الحرب في اليمن ويبحث عدداً من القضايا المتصلة بالوضع الإنساني تحديداً. فقد رحب المجلس السياسي الأعلى –على لسان رئيسه مهدي المشاط– بكل الجهود الصادقة والهادفة إلى تخفيف معاناة الشعب اليمني من خلال فتح المطارات والموانئ ورفع الحصار، مشدداً على الموقف الإيجابي من مختلف الأفكار المطروحة بما يتوافق مع السيادة والحقوق اليمنية، وعلى رأسها فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة كاستحقاق إنساني بحت وليس كمكرمة من أحد.
وبينما شدد المجلس على ثلاثة مبادئ أساسية تتمثل في رفع الحصار ووقف العدوان الجوي والبري والبحري وإنهاء الاحتلال (أي خروج كل القوات الأجنبية من الأراضي اليمنية) ظهرت عدة بوادر إيجابية خلال الأيام الماضية تشي بإمكانية إحراز تقدم حقيقي على مسار الأزمة اليمنية، أبرزها إعلان التحالف السعودي عن تعليق غاراته الجوية إفساحاً في المجال لحل سلمي.
ترحيب يمني
وكان وفد عُماني قد وصل إلى صنعاء السبت الماضي بالتزامن مع وصول وزير الخارجية في حكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة من التحالف السعودي إلى سلطنة عُمان.
وعلى لسان معظم المسؤولين في حكومة صنعاء تم الترحيب بأي تحرك، عُماني أو غيره، يمكن أن يؤدي للتوصل إلى حل سلمي للنزاع، شرط عدم الانتقاص من السيادة اليمنية وتحقيق المصالح الحيوية للشعب اليمني.
وفي ما يتعلق بسلطنة عُمان تحديداً، يلفت اليمنيون إلى أن مسقط لطالما سهّلت العديد من الإجراءات المتعلقة بالجانب الإنساني، وفتحت أبوابها لليمنيين كافة، بمختلف انتماءاتهم السياسية، وكانت «نعمَ الجار الطيب».
رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، مهدي المشاط، التقى الوفد العُماني في صنعاء، وأعرب عن أمله في أن تتكلل جهود مسقط بالنجاح. وخلال اللقاء، رحّب المشاط بالوفد الزائر، وعبّر عن شكره وامتنانه للمواقف النبيلة لسلطنة عُمان الشقيقة.
أيضاً في ما يتعلق بالوساطة العمانية، فقد أعلن رئيس حكومة صنعاء في تصريح له أن الوساطة العمانية جاءت للاتفاق على ترتيبات على مستوى الجبهات والوطن» وإنهم –أي «أنصار الله»– متفائلون بتلك الوساطة.
ولفت رئيس حكومة صنعاء عبد العزيز بن حبتور إلى أن واشنطن تبحث مع غيرها عن مخرج مناسب، وسلطنة عُمان صديقة لجميع الأطراف في المنطقة.
وجدد بن حبتور التأكيد أن اليمن على مشارف النصر لكونه نجح في الدفاع عن السيادة والاستقلال ورفض الوصاية والتبعية وأن بلاده مع السلام المشرّف الشجاع الذي يصون الأرض والعرض والكرامة، ويلبّي طموحات الشعب اليمني وتطلعاته.
وحتى الآن تُبدي صنعاء مرونة إزاء طرح الوفد العُماني الذي يقوم أساساً على التهدئة وإعداد الأرضية لحوار سياسي شامل. أما موقف حكومة هادي فيشي بأن الوساطة العُمانية تحاول المضيّ في اتّجاه لا يروق للتحالف السعودي وأتباعه. حيث اكتفى وزير الخارجية في حكومة هادي، أحمد عوض بن مبارك بالمراهنة «على الدور العُماني في تقريب وجهات النظر بين جميع أطراف النزاع في اليمن».
وخلال إعداد هذا التقرير أطلق عضو المجلس السياسي لـ«أنصار الله»، محمد البخيتي، تصريحات تناول فيها الوساطة العمانية، فأكد أن الكرة الآن هي في ملعب دول «العدوان» المستمرة في شن الغارات على الأراضي اليمنية. وشدد على أن حكومة صنعاء لن تدخل في مفاوضات تحت القصف والحصار ولن تقبل بسلام ينتقص من سيادتها، مشيراً إلى أن مطالب دول العدوان تتلخص في اقتطاع مناطق من اليمن، وأن هذا الأطماع ستقابل بالرد المناسب من القوى الوطنية.
وبعد الموقف اليمني الصلب، أعلن التحالف العسكري بقيادة السعودية، الخميس الماضي، تعليق عملياته ضد الحوثيين في اليمن إفساحا في المجال أمام إيجاد حل سياسي للنزاع الدامي.
وجاءت تصريحات المتحدث باسم التحالف العميد الركن تركي المالكي، في وقت تقود الأمم المتحدة وواشنطن وعواصم إقليمية جهودا دبلوماسية كبرى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين أطراف النزاع.
مؤشرات إيجابية
وبالتزامن مع الوساطة العمانية، وفي ما رآه البعض مؤشراً على نية «تسهيل» الوساطة العمانية، أعلن المتحدث الرسمي لشركة النفط اليمنية، عصام يحيى المتوكل، عن وصول أول سفينة بنزين إلى ميناء الحديدة منذ بداية العام الحالي، وهي تحمل اسم «سي هارت» وتحمل 27,893 طن من مادة البنزين.
وأكد المتوكل أن «الإفراج جاء بعد احتجاز تعسفي من قبل دول العدوان دام ستة أشهر، مكبداً المواطن اليمني أكثر من ملياري ريال يمني غرامات (دمريج) بسبب التأخير الناتج عن القرصنة، كما أكد وجود سفن أخرى محتجزة في عرض البحر حتى هذه اللحظة، رغم حصولها على تصاريح أممية للعبور نحو ميناء الحديدة.
في السياق عينه، لكن في الإطار العملي، طالب وكيل الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد في اليمن، رائد طالب جبل، بفتح مطار صنعاء أمام جميع الرحلات من دون قيد أو شرط. وأكد أن إعلان فتحه من عدمه، مرهون بإلغاء الحظر الذي تفرضه قوى العدوان على المطار الذي يمثل الشريان الرئيسي للشعب اليمني والبوابة الأولى للجمهورية اليمنية.
وفي مؤشّر أخر على إحراز تقدم في جهود السلام، بدأ الحوثيون إصلاح طرق بالقرب من مطار صنعاء المغلق منذ 2016، بحسب ما أفادت مصادر محلية لوكالة «فرانس برس»، في إشارة إلى احتمال إعادة فتحه قريباً.
والجدير بالذكر أن مطار صنعاء مغلق أمام الرحلات المدنية منذ 9 آب 2016 باستثناء رحلات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها.
وسائل إعلام عربية تحدثت أيضاً عن مؤشرات إيجابية أخرى تدل على أن الوساطة العمانية في طريقها إلى النجاح وسط الحديث عن ضغوط أميركية وأوروبية تمارس على مختلف الأطراف للتوصل إلى اتفاق يتضمن النقاط التالية، وفقاً للرؤية الأميركية:
– فتح مطار صنعاء أمام جميع الرحلات وليس فقط أمام الرحلات الأممية .
– فتح موانئ الحديدة لإدخال سفن الوقود وفقاً لاتفاق ستوكهولم.
– وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط على جميع الجبهات، ويشمل وقف تقدم الحوثيين باتجاه مأرب (ولعل هذه النقطة هي الهدف الأساس من تنشيط الوساطة والدفع نحو إنجازها بغية الحؤول دون إطباق «أنصار الله» على مأرب لما يعنيه سقوطها من ضربة قاصمة وهزيمة منكرة للتحالف السعودي المدعوم أميركياً).
– الانطلاق من جديد في مفاوضات مباشرة بين حكومة صنعاء (الحوثيين) وحكومة هادي.
تفويض أميركي
ربطاً بما سبق ذكره، توقف المراقبون مليّاً عند الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بنظيره العماني بدر البوسعيدي، وقرأوا فيه تعديلاً –حتى لا نقول تغييراً– في موقف واشنطن، لجهة إعرابها –على لسان بلينكن– عن اعتزامها دعم جهود السلام في الأزمة اليمنية، وهي التي كانت هددت سابقاً بعزل صنعاء بتهمة إعاقة جهود السلام بسبب تقدم «أنصار الله» على جبهة مأرب.
هو اتصال يشي بمنح ما يشبه التفويض لعمان من قبل «الشرطي الأميركي» الذي يدعم التحالف السعودي ضد اليمن، رغم ادعائه بالسعي الحثيث لوقف تلك الحرب، ولاسيما مع وصول بايدن إلى سدة الرئاسة.
صحيح أن هذا الاتصال أفضى إلى إنعاش الوساطة العمانية، ومنحها دفعاً معنوياً مهماً، لكنه كان مغلّفاً بمحاولة لتحجيم «أنصار الله» بعدم السماح لها بالتفاوض إلا حول مناطق سيطرتها، وهو ما قرأ فيه الحوثيون تمهيداً لتكريس احتلال أجزاء واسعة من بلادهم واعتبار الوجود الأجنبي فيها أمراً واقعاً، وأن فك الحصار الموعود عن مطار صنعاء وميناء الحديدة والسماح بدخول بواخر الوقود هو مجرد محاولة لإلهائهم وحرف أنظارهم عن البحث في هذه النقطة بالذات.
ورغم قرار التحالف بتعليق العمليات العسكرية في اليمن عاد منسوب التفاؤل في مسار المفاوضات إلى التراجع مرة أخرى، مع إعلان وزارة الخزانة الأميركية، الخميس الماضي، عن فرض عقوبات جديدة على من وصفتهم بأعضاء في شبكة تهريب تجمع ملايين الدولارات لصالح الحوثيين.
وجاء في بيان الوزارة أن «هذه الشبكة تجمع عشرات الملايين من الدولارات من عائدات بيع سلع مثل النفط الإيراني، يتم بعد ذلك توجيه كمية كبيرة منها عبر شبكات معقدة من الوسطاء ومراكز الصرافة في بلدان متعددة لصالح الحوثيين». وشملت العقوبات اثنين من اليمن وواحداً من الإمارات وواحداً من الصومال وآخر يحمل الجنسية الهندية وكذلك كيانات مقرها في دبي وإسطنبول وصنعاء الخاضعة لسيطرة «أنصار الله».
المفاوضات مستمرة
بعد انتهاء مباحثاته في صنعاء التي استمرت خمسة أيام، حط وزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي رحاله في الرياض، حاملاً رسالة خطّية من السلطان هيثم بن طارق، إلى الملك سلمان، تتعلق بطبيعة الحال بالمباحثات التي أجراها الوفد العُماني في صنعاء، والتي أعطت انطباعاً إيجابياً يؤشر على إمكانية السير باتجاه الحلحلة في الملف الإنساني، ما قد يبُنى عليه للانتقال إلى الملفّات الأخرى. لكن بالرغم من ذلك ثمة شكوك حيال الأمر، عزّزتها المحاولة الأميركية لتحجيم التفاوض مع «أنصار الله» وحصره بالمناطق التي تسيطر عليها من دون التطرق إلى شؤون المناطق الأخرى، وهو ما يرفضه «أنصار الله» جملة وتفصيلاً.
وكان المبعوث الأممي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، قد اختتم جولة من الاجتماعات استمرت أسبوعاً، مع مجموعة من المسؤولين اليمنيين والإقليميين والدوليين، في السعودية وفي سلطنة عُمان، حيث أجرى عدداً من اللقاءات مع مسؤولين إيرانيين، وتحدث بإسهاب عن الحصار الإنساني الذي يعاني منه الشعب اليمني، معتبراً أن الظروف الحالية في اليمن تختلف عما كانت عليه عند انطلاق المبادرة العمانية عام 2019.
ماذا بعد؟
أية وساطة تحاول حصر الصراع في كونه صراعاً يمنياً–يمنياً هي وساطة محكومة بالفشل ولن تفضي إلى أي حل. كما بات واضحاً أن المسار العسكري والسياسي متلازمان ولا ينفصل أحدهما عن الآخر، وحكومة صنعاء لطالما اتخذت موقف الدفاع عن النفس، وكل ما تقوم به من هجمات من حين إلى آخر على الأراضي السعودية، يندرج في إطار الضغط على التحالف لوقف عدوانه، وقد دأبت صنعاء على تأكيد رغبتها بالتوقف عن المواجهة فور التوقف عن التدخل في شؤون اليمن والاعتداء على أراضيه.
أهل اليمن لم يعتدوا على السعودية ولم يرتكبوا المجازر بحق أطفالها ولم يحاصروها ولم يمنعوا دخول المشتقات النفطية عبر موانئها ولا تسببوا بقتل الآلاف من المرضى من خلال منعهم من السفر إلى الخارج لتلقي العلاج وإقفال المطارات ولا أدخلوا شعوب دول التحالف في مأساة إنسانية هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الأولى وفقاً للأمم المتحدة.
لم يدمر أهل اليمن المطارات والموانئ والبنى التحتية، بل السعودية هي التي فعلت كل ذلك وعليها اليوم أن تتخلى عن العنجهية والأوهام التي قادت أميرها «المتهور» إلى شن عاصفة من الإجرام والتدمير ظناً منها أنها ستحسم الأمور لمصلحته في غضون أسابيع قليلة. لكن ست سنوات مضت والعاصفة لم تهدأ بل تحولت إلى مستنقع وانقلب الحسم الموعود إلى سلسلة من الهزائم المتتالية.
Leave a Reply