استطاع «حزب الله» ان يستوعب الحملات التي شنت عليه من قبل قوى الاكثرية بعد احداث السابع من ايار، وخاصة تلك التي تحمل بذوراً مذهبية من خلال الصمت الذي يجيده مسؤولو الحزب ببراعة فائقة، ومن خلال القنوات الامنية الرسمية التي تربطه بطريقة غير مباشرة بتيار المستقبل والتي استطاع من خلالها ان يخرق آذان قريطم بعيداً عن اسماع البعض واستشاراتهم المكلفة.
بدا حزب الله في الفترة التي تلت اتفاق الدوحة وكأنه غير معني بالوضع السياسي الداخلي، زهد في حصته الحكومية ووزعها على حلفائه من اصحاب الجمائل، وسلم الملف الحكومي الى الجنرال عون كي يفاوض الاكثرية على الوزارات والحقائب، هكذا بدا، ولكنه في الواقع كان يمسك بخيوط اللعبة من كل الاطراف ويحركها في كل الاتجاهات. بتحرك كبير يلفه الصمت خرق حزب الله ساحة الاكثرية عبر مصالحته مع النائب وليد جنبلاط (ولو سقط وئام وهاب ضحية) وضع تيار المستقبل في زاوية المصالحة واجبره برفق على التخلي – الى حد ما – عن خطابه الفئوي والمذهبي ولو الى حين. ذهب وفد حزب الله الصامت (باستثناء النائب محمد رعد) الى قريطم خاطباً ود شيخها وداعياً اياه لاستحضار نعمة النسيان وعفى الله عنا وعنكم. يتريث النائب سعد الحريري في لقاء امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله كي لا يبدو متلهفاً، وتمسكاً بشكليات سطحية تتعلق بأمور من قبيل حفظ ماء الوجه امام الجمهور وبعض الحلفاء. ولكن المسؤولين في المطبخ السياسي لحزب الله يتعاملون مع ملف الاحداث مع تيار المستقبل على انه اصبح من الماضي وما اللقاء الذي سيجمع الحريري ونصرالله سوى تظهيراً لهذا الواقع وتكريساً له.
في الواقع ثمة امور حتمت على تيار المستقبل القبول بمصالحة حزب الله ولو على مضض، منها:
1- مسارعة النائب وليد جنبلاط الى عقد المصالحة مع حزب الله اضافة الى تلويحه بالوسطية والاعتدال مع توجيهه انتقادات لاذعة لتيار المستقبل والنائب الحريري ما فهمه الاخير بانه بداية تحول او اعادة تموضع عند جنبلاط لحجز موقع وسطي في معادلة الاكثرية والاقلية. والوسطية عند وليد جنبلاط تعني الاقلية عند سعد الحريري والاكثرية عند حزب الله والجنرال عون.
يقول احد المقربين من النائب سعد الحريري والمتهم من قبل جنبلاط بتسييره، يقول ان الشيخ سعد الحريري لم يكن ليقبل بمصالحة حزب الله لولا المصالحة السريعة التي عقدها جنبلاط مع حزب الله.
2- الواقع الديمغرافي المتعلق بالانتخابات النيابية الذي حدد مسبقاً نتائج المعارك في بيروت والجنوب اكبر منطقتي تماس مباشر بين السنة والشيعة، ما يعني عدم جدوى الاستقطاب المذهبي الذي تبين بأنه لا يصيب بالاذى الا الساحة السنية كما حدث في طرابلس.
3- ظهور التيارات السلفية والاصولية بقوة في الاونة الاخيرة وخاصة في عاصمة الشمال طرابلس الامر الذي وضع المستقبل بين نارين: الاولى داخلية تهدد الهيكل والكيان والثانية سورية تنبئ بدخول سوري من نوع جديد على خط الازمة اللبنانية.
4- تراجع الملف اللبناني لدى الادارة الاميركية ولدى العواصم الغربية الامر الذي انعكس على الدور السعودي في لبنان الذي تحدد وفقد هامشه بعد اتفاق الدوحة وتحول الى مجرد بنك يصرف الاموال للحلفاء تجنباً لخسارة شبه مؤكدة.
هذه الاسباب اضافة الى اخرى متعلقة بالمصالح الاقتصادية للعائلة ساهمت في قبول الحريري بمصالحة حزب الله من غير ان يحقق مكتسبات سياسية تذكر، على ان يكون الثأر من الحزب في انتخابات عام 2009 النيابية على ساحة حليفه الجنرال ميشال عون لينتزع منه بعد حلم الرئاسة، واقع الـ70٪ التي حصدها الجنرال في انتخابات 2005.
البترودولار السعودي العنصر الوحيد المتبقي لمكافحة التمدد البرتقالي في كل لبنان. سمير جعجع يطمح ليكون واسطة الدفع بالعملة الخضراء «المنهارة». هناك مليارات تفوق العشرة قد رصدت لاسعاف الحلفاء من قبل «المملكة الحنونة» المطالبة ايضاً باسعاف الحليف الاميركي الاكبر وانقاذه من ورطته الاقتصادية التي تحتاج الى انفاق كل ما ادخره العرب من فائض ارتفاع سعر النفط الذي تشتري معظمه الولايات المتحدة. فمن تلبي السعودية؟ الحليف الصغير العالة على ظهرها ام الحليف الكبير الجاثم على صدرها وارضها؟ وهل تسمح الولايات المتحدة بعد ازمتها الاقتصادية بتبذير الميليارات السعودية التي تعتبرها من اموالها الاحتياطية على بضاعة كاسدة؟!.
Leave a Reply