في اللقاءات العديدة التي جمعت الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مع نواب حزب الله وعلى رأسهم النائب محمد رعد، كان يتم بحث ملف المصالحة بينه وبين الحزب على ضوء التموضع السياسي الجديد للنائب جنبلاط الذي كان يطلب تسريع عملية المصالحة ويستعجل الاجتماع بالسيد حسن نصر الله. وكان حزب الله يتجاوب مع جنبلاط في الأمر الأول ويستمهله في الأمر الثاني ويربطه بترجمة النيات إلى مواقف سياسية واضحة.
في إحدى الاجتماعات، طلب النائب محمد رعد من النائب جنبلاط المبادرة إلى معالجة علاقته بسوريا وإبداء بعض المواقف أو التصريحات الإيجابية تجاهها، وكان الرد الجنبلاطي بأنني إذا فعلت ذلك فلن تعود تحترمني، في إشارة إلى مواقفه السياسية الحادة وإلى كلامه الذي تناول به النظام في سوريا ووصف به الرئيس بشار الأسد بأوصاف “حيوانية” غير مألوفة في السياسة. والواقع أن جنبلاط لم يكن ليأبه بحفظ ماء وجهه السياسي، بدليل ما قام به مؤخراً، إنما كان يخشى من ضيق الوقت على أعتاب الانتخابات النيابية بما لا يسمح بإعادة نسج تحالفات جديدة مع قوى 8 آذار إذا ما قرر ترك 14 آذار، في ظل قاعدة شعبية لم تزل تعتمل في نفوسها آثار 7 أيار.
من غير المفيد الرجوع إلى الوراء واستحضار تاريخ الرجل منذ انقلاب عام 2004 قبيل التمديد للرئيس إميل لحود وسرد المحطات التي مر عليها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتظاهرة 14 آذار، إلى الحلف الرباعي، ثم الانقلاب عليه.. إلى حرب تموز.. الأزمة الحكومية.. أحداث الجامعة العربية.. حتى 5 أيار وما تلاه من أحداث في 7 أيار. من غير المفيد استحضار تاريخ الرجل في معرض الشماتة والتشفي. والأجدى التعمق في المعاني السياسية التي توصل إليها جنبلاط خلال رحلته منذ خريف 2004 وحتى فجر 7 أيار 2008، وهو ما يعكس الفهم الدقيق لحال الطوائف في لبنان، وما يعتريها من خوف على المستقبل والمصير.
محق وليد جنبلاط عندما يقول بأن حماية الدروز تكون بالالتصاق بفلسطين والعروبة. يعني الحقوق العربية كاملة غير منقوصة، أو خيار الكفاح المسلح والمقاومة. والعروبة هي التي لا تنفصل عن دعم القضية الفلسطينية، وعمليا تلك العروبة غير موجودة، إلا نظريا عند من يؤمنون بها باستثناء حركات المقاومة في فلسطين وفي لبنان، حيث حسم وليد جنبلاط خياره بالوقوف إلى جانب المقاومة.. لم يرد وليد جنبلاط أن يقولها مباشرة “الالتصاق بالمقاومة”، فاستعان بفلسطين.. يمكن الاستعانة بشريط الخلوة المسرب الذي شرح فيه وليد جنبلاط أسباب استدارته السياسية لأعيان طائفة الدروز الموحدين، لدرس الخطوة الجنبلاطية وما إذا كانت سحابة عابرة يستخدمها لتعزيز موقعه في الحكومة الجديدة، أو فيما إذا كانت توجها سياسيا جديا يسعى جنبلاط لتكريسه من خلال الإمساك بخيوط اللعبة من طرفيها.. والمؤكد أن جنبلاط كان يطلب مساعدة المراجع الروحية لاستكمال المصالحة والتحول السياسي في آن، وقد أسهب في شرح تداعيات وأخطار الخصام مع “الشيعة” وحمل على قوى الانعزال المسيحي برمزه القواتي سمير جعجع..
من حيث التوقيت، فاجأ أبو تيمور الجميع، فلم يكن أحد من الأقربين والأبعدين يتوقع أن تتم خطوة جنبلاط هذه قبل تشكيل الحكومة، فالمضمون السياسي لموقف جنبلاط العام كان قد نُقل إلى النائب سعد الحريري الذي رضي بالمكتوب، على أن يحصل بعد التشكيل وبشكل سلس يوصل المعنى من غير صدمة. أما سمير جعجع فقد كان يحبس أنفاسه ويكتم الحنق في عنقه من كلام جنبلاط الذي يطاله بمناسبة وبغير مناسبة من دون أن يجرؤ على الرد بما يتناسب مع وزن الكلام الذي يرميه به جنبلاط. هذا في العلن وعلى الشاشات، ولكن ماذا عن كلام المجالس الخاصة والصالونات السياسية الذي لم يوفر فيه جنبلاط أحداً من 14 آذار والذي كانت تسريباته تصل تباعا إلى أصحاب الشأن. أما حزب الله فكاد أن يزل لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، عندما كثر كلامه وقت الانتخابات لأمر غير معلوم، وكاد أن يكشف عن خطوة جنبلاط المزمعة والمؤجلة إلى ما بعد الانتخابات.
وهنا لا يمكن عزل خطوة جنبلاط عن توقيتها، فهو أهم ما فيها، قبيل تشكيل الحكومة وبعد الاتفاق المضني على لعبة الأرقام: 15-10-5، ما يعيد التذكير بشخصية الرجل وقدراته الالتقاطية ولعبه على التناقضات وسيره بين الأسلاك الشائكة، الأمر الذي يدفع إلى إثارة التساؤلات التالية:
– لماذا لم ينتظر جنبلاط إلى ما بعد تشكيل الحكومة ما دام قد تم الاتفاق على أهم معضلة فيها، معضلة الأعداد لكل فريق؟
– هل يرمي جنبلاط من توقيته هذا الى تعزيز حصته الحكومية في حومة الصراع على الحقائب الخدماتية والسيادية؟
– هل نسق جنبلاط خطوته هذه مع أطراف خارجية غير راضية عن التوليفة الحكومية وتعمل على ابطالها بفعل عامل الوقت؟
– لماذا تعمد جنبلاط إحراج النائب سعد الحريري وإضعاف موقفه قبل تشكيل الحكومة؟
من الصعب رصد ما يدور في رأس وليد جنبلاط، لكن الثابت الوحيد في غمرة تقلباته أنه وجه صفعة لقوى 14 آذار شبيهة بتلك التي وجهها لقوى 8 آذار بعد انتخابات 2005.
Leave a Reply