إن كنت لم تعرف القاضية مريم بزي من قبل، فسوف تفاجأ بتواضعها ولباقتها وهي تستقبل العدد الكبير من الضيوف الذين قصدوا «مركز فورد المجتمعي للفنون» بمدينة ديربورن –الخميس الماضي– للاحتفال معها في حفل تنصيبها الرسمي كقاضية في محكمة مقاطعة وين الثالثة.
بزي –التي عُيّنت من قبل حاكم الولاية ريك سنايدر– كانت قد أدت اليمين الدستورية لتولي مسؤولياتها القضائية في 26 حزيران (يونيو) الماضي، لكن المئات من أعضاء المجتمع المحلي والمسؤولين المحليين والقضاة، إضافة إلى الأقارب والأصدقاء– رغبوا مجدداً في مشاركة القاضية العربية إنجازاتها، لاسيما وأن حفل التنصيب كان بالنسبة لها وللكثيرين غيرها من العرب الأميركيين مناسبة للاحتفال بإثنيتها وثقافتها، وكان شهادة على ما يمكن للأقليات أن تحققه في الولايات المتحدة.
وفيما كانت «الأوركسترا العربية الأميركية» تعزف ألحاناً عربية، أفادت بزي لـ«صدى الوطن»، وقبل اعتلائها المنصة، أنها «تشعر بالامتنان والانفعال».
استهلت القاضية العربية الأميركية في محكمة مقاطعة وين مسيرتها المهنية من ديربورن، حيث بدأت العمل في مكتب محاماة، وفي 2006 حصلت على وظيفة مساعد المدعي العام في مقاطعة وين حيث تمرست بالعمل على قضايا التزوير والرهون والممتلكات العقارية، كما عملت على قضايا جنائية في «شعبة الجنايات» وتعاملت مع العديد من محاكم المقاطعة في قضايا الجنح والجنايات.
إضافة لذلك، شغلت منصب رئاسة «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، ثم رئاسة «مجلس ديربورن التربوي» قبل أن تستقيل من منصبها بعد تعيينها قاضية في مقاطعة وين من قبل حاكم الولاية.
وفي مستهل الحفل، استعاد عريف الاحتفال مساعد الادعاء الأميركي المحامي عبد حمود لمحات من نشاط بزي السياسي في حث العرب الأميركيين على المشاركة والانخراط السياسيين، تصويتاً وانتخاباً، وصولاً إلى لحظة الاحتفاء بها كقاضية في محكمة المقاطعة.
وقبل أن يقوم بتقديم الضيوف، أشار مؤسس «أيباك» إلى أن اللجنة عقدت اجتماعاً لمناقشة إجراء تعديل على النظام الداخلي لـ«أيباك» لتمديد فترة رئاسة بزي للجنة، حيث ينص النظام الداخلي على أن فترة الرئاسة هي 4 سنوات فقط، ولكن القاضية العربية –وبدعم من زملائها في اللجنة– كانت تتطلع قدماً إلى الأمام.. فترشحت لانتخابات «مجلس ديربورن التربوي» وجاءت الأولى في السباق الانتخابي.
وقال «لقد كانت دائماً الشخص الذي يقدم النصائح الثمينة وكان لها التأثير المحفز على وجه الخصوص»، مشيراً إلى أنها أخبرته بأن منصبها –كقاضية– يعبّد الطريق أمام الآخرين، خاصة النساء في المجتمع العربي الأميركي.
من جانبه، وصف نائب حاكم الولاية براين كالي بزي بـ«بطلة العدالة»، مؤكداً في كلمته على القرار الصعب الذي اتخذه الحاكم ريك سنايدر، في تعيين الشخص المناسب في منصب قاضي محكمة وين الثالثة. وقال «إنه لمن المهم جداً أن يكون لديك الشخص الذي يمكن الوثوق به.. الثقة بدعم الدستور والدفاع عنه واعتبار القوانين مقدسة».
بدوره، اعتبر ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني حفل التنصيب «احتفالاً بعدة إنجازات في وقت واحد»، مذكراً بالإشادة التي حازت عليها عائلة سعد من قبل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كرمز لنجاح المهاجرين، وقال «نحن هنا أيضاً للاحتفال كمجتمع نجح في رحلته نحو تحقيق الحلم الأميركي».
وأضاف «قبل 33 عاماً من حفل تنصيب بزي، تأسست صحيفة «صدى الوطن» وخلال هذه الفترة كنت أتردد على عائلة سعد، عندها كانت الفتيات صغيرات، وإنه لمن دواعي الفخر أن أكون اليوم على المنصة مع من كبر وغدا واحداً من أفضل وألمع الناجحين».
كبير مساعدي المدعي العام لمقاطعة وين كيم وورذي، القاضي ريتشارد هاثواي قرأ كلمة وورذي التي لم تتمكن من حضور الحفل، حيث أشادت بالعدد الكبير من القضاة الذين حضروا حفل التنصيب.
وعبرت كلمة وورذي عن إعجابها بالمجتمع العربي الأميركي «الذي يتصف بالتفاني الأسري، والولاء للأصدقاء، والفخر بالثقافة، والثراء الروحي، وأخلاقيات العمل، والالتزام والتحيز للحق والعدالة»، وأضافت «دائما لدى هذا المجتمع رغبة في مد يد العون للمحتاجين».
وجاء في الكلمة «حين قابلتها لأول مرة، عرفت أنها ستصبح من ألمع النجوم».
وسردت المرشحة للكونغرس الأميركي فيروز سعد، وهي شقيقة مريم، بعض القصص حول أختها بطريقة تخللها المزاح وروح الفكاهة، وقالت «أنت لست قاضية فقط، أنت أم وزوجة وابنة وأخت.. ولكنك في كل المواقع لم تتخلي عن التزاماتك نحونا».
وقال رئيس القضاة في «شعبة الجنايات» بمحكمة مقاطعة وين، القاضي تيموثي كيني إنه تعرّف على بزي عندما عملت أمامه كمدع عام في قضايا التزوير والرهون العقارية، ونوّه إلى أنها –في الفترة الأخيرة– كانت القاضية في قضية اقتحام شخصين لدائرة شرطة ديربورن (من دون الإشارة الصريحة لتلك القضية) مؤكداً «لقد عرفت فيها الإنصاف والصلابة والحسم».
وفي ختام الحفل، أدى قاضي محكمة ميشيغن العليا كورتس وايلدر مراسم أداء اليمين الدستورية، وقال «إن القاضي بزي تتمتع بالنزاهة والفطنة والعمل الإثني والاهتمام بأن يكون المجتمع قاضياً ممتازاً».
وقد استقبلت بزي بعاصفة من التصفيق من قبل الحاضرين، وبدت متواضعة حين اعتلت المسرح لتوجه الشكر إلى القضاة الذين عملت معهم كمدع عام، على النصائح التي أمدوها بها وهي تتقدم في مسيرتها المهنية، حتى وإن كانوا قد أصدروا أحكاماً تتعارض مع ما تتمناه، بحسب ما قالت.
وأضافت «بكل صدق لقد وجدت تقديراً جديداً لجاذبية ووزن منصب القاضي خلال لحظات إصدار الأحكام».
وأشارت إلى أن والديها عندما هاجرا إلى الولايات المتحدة كعروسين جديدين لم يتخيلا أن ابنتهما ستصبح بعد عقود قاضية، وقالت «أعرف أن قصة والديّ ليست فريدة وأنها يمكن أن تتكرر بسهولة في قصص كل شخص من الحاضرين هنا.. وهذا هو السبب في شعوري بالفخر بكوني عربية أميركية ومن مدينة ديربورن»، ووعدت الحاضرين بأنها لن تتراجع عن انخراطها في المجتمع.
Leave a Reply