محمد الرموني – «صدى الوطن»
على مدى السنوات القليلة الماضية، ساد الاعتقاد بين الكثيرين بأن ديترويت بدأت تتعافى وتعود إلى الازدهار مجدداً، والدليل على ذلك -بحسب المتفائلين- مليارات الدولارات المستمرة بالتدفق إلى وسط المدينة الذي يشهد بالتتابع مزيداً من المشاريع العمرانية وانتقال الشركات وافتتاح المطاعم ومحلات بيع الملابس ومتاجر التجزئة، حتى أصبحت المنطقة التي كانت شبه مهجورة قبل سنوات، تضج اليوم بالسكان الجدد والوظائف والترفيه والملاعب الرياضية، وغيرها من المشاريع التطويرية قيد التخطيط والبناء.
غير أن منطقة وسط المدينة -أو «غريتر داونتاون»- التي تشمل «الداونتاون» و«ميدتاون» و«نيو سنتر» و«لافايت» و«وكوركتاون» لا تغطي سوى مساحة 7.2 ميل مربع من أصل 139 ميلاً مربعاً تشكل مساحة ديترويت الإجمالية، فيما لا تزال باقي أحياء المدينة بعيدة تماماً عن أجواء الازدهار، بل إنها تعاني اليوم من استمرار حالة التدهور مع انتشار الخراب وهياكل المباني المهجورة والمهملة التي تذكر بماض قريب لا يمكن تجاهله.
إلا أن المعضلة الأبرز التي تواجه الأحياء وسكانها، هي غياب فرص العمل، حيث يقول البروفسور في قسم الدراسات الحضرية والتخطيط في جامعة «وين ستايت»، غاري ساندز، في مقال نشره على موقع «الحوار» تحت عنوان «تعافي ديترويت: الكوب نصفه مملوء»، إن المدينة تعاني من عجز كبير في فرص العمل وإهمال واسع لسكان الأحياء في ظل النهضة التي تعيشها المدينة.
وأضاف بأن جلب الوظائف إلى «داونتاون» و«ميدتاون» عبر شركات مثل «كويكن لونز» و«مايكروسوفت» يكاد لا ينفع سكان الأحياء بشيء.
وركز ساندز دراسته على الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية التي سلكتها المدينة في السنوات الأخيرة، ليتوصل إلى أن الانتعاش المزعوم في ديترويت لم يستفد منه سكان الأحياء على الإطلاق، بل سمح بزيادة الموظفين من سكان الضواحي الذين يعملون في المدينة بنسبة 16.6 بالمئة منذ عام 2007، بينما انخفضت الوظائف التي يشغلها سكان ديترويت بنسبة 35.5 بالمئة في الفترة نفسها.
وأضاف ساندز: «إذا نظرتم الى بيانات رواتب العاملين في ديترويت، ستجدون الدخل مرتفعاً في «الداونتاون» و«ميدتاون» ذات الرمز البريدي 48201 و48226، في حين أن الدخل بالمناطق الأخرى يواصل تراجعه، لافتاً إلى أن متوسط الأجور في وسط المدينة يساوي 4 إلى 5 أضعاف ما هو عليه في الأحياء.
وحذر ساندز من أن الاتجاهات الحالية لا يمكن ضبطها على المدى البعيد في ظل استمرار التفاوت بين وسط المدينة وأطرافها، مؤكداً أن الأحياء بحاجة الى توفير 100 ألف وظيفة لتحقيق نقلة جوهرية في نمو المدينة وعودتها إلى الازدهار.
واقترح ساندز في مقالته جملة إصلاحات مطلوبة لتحقيق هذه الغاية، أبرزها تحسين مستوى التعليم في المدينة وتعزيز المواصلات وإطلاق برامج لتعزيز روح المبادرة التجارية في الأحياء، لكنه أشار الى أن أيا من هذه الخطوات لن تخلق حلولاً سريعة، مشيراً إلى أن ما أفسدته ستة عقود من الانحدار المتواصل لا يمكن إصلاحه في غضون ثلاث سنوات.
يشار إلى أن عدد سكان ديترويت بلغ في أواسط القرن الماضي 1.9 مليون نسمة، في حين لا يتجاوز سكان المدينة اليوم 690 ألف نسمة.
Leave a Reply