أيها الوطن المهجور، بل الذي أصبح مهجورا، مهجورا من الأرواح التي تبعث فيه الحياة، مهجورا من أقوام خرجوا ومتاعهم الحزن الذي لا يفارقهم لطالما هم في رمس الغرب. أيها الوطن المهجور من أوراق ناصعة تبقيه نقيا لو بقينا دون أن نقتلع من ديارنا التي أصبح بلاطه مجاز الجرذان! جرذان ترتع تركض تتنفس بشراهة والعيون منها حمراء دموية تنهش ما تبقى من كرامة بأسنان كصنانير الشص×.
نخاف منهم على المخلفّـّين وراءنا من العجزة، وليس العاجز من انحـنى ظهره أو وقعت أسنانه او وقع جبينه وحاجباه على عينيّه، وإنما العاجز أعم وأشمل من ذلك، فهناك طفل عاجز وشاب عاجز إنضما إلى قافلة العجزة الذين يئسوا من المتبقي من اعمارهم . فبقوا جمعا تنتهز الجرذان من لحومهم نصيبا.
بقوا على أغصان الوطن ورقا أصفر ينتظر السقوط، فلم تبق في الوطن وجنات محمرة لنضارتها ورونقها، محمرة حياءً لتقصيرهم أمام الوطن الذي يعطي.
أما الوطن المانع الخير لأهله فوجنات أبنائه يابسة متشققة كالأرض التي جفت من قلة المطر، متفسخة لجفاف الخير الذي يسقيها العذوبة، بل سقياها من ماء أجاج مالح مصدره العيون الذابلة المحرومة لا يخرج نباته الاّ نكدا.
أما نحن المغتربون نحمل بين جنباتنا حبّ الوطن متاعا نؤسس فيه غربتنا الممقوته، هذا الوطن الذي وضعنا على أعتابه. تلك الأعتاب التي تحولت يدا سلمتنا إلى مقصلة الأيام والأعمار، سلمتنا الى يد الغربة باعتنا بالسوق السوداء الرخيصة نحن الأحرار! ويحرم بيع الأحرار ليكونوا عبيدا.
فأي وطن أنت؟ يا وطني الذي لا أبيعه البتة لأنه نفسي التي بين جنبي.
في اليوم الذي خرجت فيه وعند أعتاب الدار كانت آخر نظراتي إلى عجوز في التسعين وطفلة جميلة شعرها كخواتم العقيق الأحمر! طبعت قبلة على خدها الرخامي الأبيض المحزون دلت عليه دمعة كالجمان تحاكي دمعة غربتي على وطن ضيّق باب الرجوع اليه.
هل يا ترى ما زالت تلك العجوز واقفة منذ ثلاثين؟!
أما الطفلة، قيل أنها كبرت ولكن، شاب عقيق رأسها الجميل وشحبّ خدها الرخامي الأبيض! وأما الدمعة مازالت جارية عليه! زاد غزارتها هول ما قامت به الجرذان! تلك الجرذان النافذة ذوات العيون الحمراء والأسنان التي تنهش كصنانير الشص×.
× الشص حديدة عقفاء يصاد بها السمك (المحرِّر)
السيد إبراهيم السيد عبدالله (صالح)
ممثل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى فـي ميشيغن
Leave a Reply