تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الأخيرة بشأن عملية السلام مع الفلسطينيين، وضرورة التوصل معهم إلى إتفاق قبل فوات الأوان، وقوله بالحرف الواحد أن الإسرائيليين سيندمون على كل يوم أضاعوه دون إبرام إتفاق صلح معهم، جاءت وأولمرت يكابد سكرات موته السياسي، فقد لفظه المجتمع الإسرائيلي قبل الأوان، بسبب فضائحه المالية، وقبلها هزيمة عسكرية كبدها لجيشه حزب الله اللبناني في حرب تموز، وهذا كان بيت القصيد في «منظومة» أولمرت الشعرية، التي ألقاها على شعبه قبل أن يرحل، والتي اعتبرها كثيرون وصيته التي من المؤكد أن لا يأخذ بها أحد من بعده.هلع أولمرت على الكيان الإسرائيلي نابع بحسب الوصية من تفاقم خطر الحركات الإسلامية في فلسطين ولبنان والعراق، وهو يعني بذلك المقاومة، وهو في قرارة نفسه يرى في السلطة الفلسطينية القابعة في رام الله فرصة ذهبية، ربما تكون الأخيرة لعقد إتفاق صلح معها، وإلا فلينتظر الإسرائيليون قريبا زوال هذه السلطة لتحل محلها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).فالسلطة إن ذهبت فإنما اذهبها رفقاء دربها الإسرائيليون والأميركيون، بسياساتهم الحمقاء، مثلما أذهبوا حلفاءهم في لبنان وباكستان وجورجيا. سنوات من المفاوضات بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت برعاية أميركية وحشد أوروبي ودعم عربي، أسفرت عن إطلاق سراح 199 أسيرا فلسطينيا من بين 11 ألفا، وصيغة إتفاق مباديء طرحه الإسرائيليون ورفضه الفلسطينيون جملة وتفصيلا، يدعو إلى إنسحاب من معظم الأراضي المحتلة باستثناء القدس، وعودة عشرين ألف لاجيء إلى داخل الخط الأخضر على مدى عشر سنوات (ألفا لاجيء سنويا) من بين اربعة ملايين لاجيء، وإقامة معبر «آمن» لا يحرسه الجنود الإسرائيليون بين كيانين منفصلين الضفة وغزة، وتدابير لنوع من السيادة الفلسطينية على غور الأردن وهو الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية والمملكة الهاشمية.حتى لو كانت السلطة وافقت على إتفاق كهذا، فإنه كان سيظل إتفاق «مبادىء» لا يرقى بالضرورة إلى درجة التطبيق، وإنما سيحتفظ به داخل إدراج ويحفظ معه ماء وجه عباس وأولمرت وبوش ويدخلوا التاريخ كصانعي سلام، وأصحاب تراث سياسي حكيم.ها هو أولمرت يخرج من الحكم وسيتبعه بوش، وسيلحق بهما عباس، وحينها سيدخل الفلسطينيون منعطفا جديدا. أما بالسياسة أو الحرب، فهناك على الطرف الآخر فلسطينيون أسقطتهم المعادلات القائمة من قعر السلة هؤلاء يموتون جوعا ومحاصرون ولم يعد يلتفت إليهم سوى بضع منظمات إنسانية تصلهم عبر البحر بقوافل إغاثة تموينية ودوائية لا تسمن ولا تغني من جوع، هي فرصتهم في ظل إنشغال الأميركيين والإسرائيليين بالإنتخابات، وعزوفهم عن الإعتراف بوجود قيادة شرعية للفلسطينيين في رام الله، بتحريك الوقائع على الارض وتغييرها لصالحهم، وذلك لن يتأتى سوى بفتح الجبهات، طالما كان فتح الحدود والمعابر مستحيلا.ويظل أمام الفلسطينيين خيار آخر غير الإقتتال هو الوحدة، وهي هذه المرة سيفرض شروطها الطرف الأكثر مصداقية وواقعية في توجهاته وهي المقاومة بعدما ثبت فشل التجربة «السلمية» فهل ينحني يا ترى عرابو السلام أمام المقاومين لمجابهة التحديات سويا وبكلمة واحدة، أم يراهنون من جديد على القادمين الجدد في واشنطن وتل أبيب!
Leave a Reply