«خرقة الوطن» جثة هامدة لكنها لم تدفن بعد. هذا الإنطباع تشكل عندي خلال زيارة حزينة طويلة لم أردها، للبلد المنهك المتعب الواقف على حافة الهاوية معلقاً بخيطٍ رفيع يمنعه من السقوط.
العام المنصرم كان كارثة سياحية وإجتماعية وسياسية أما الكارثة الإقتصادية فهي مقيمة دائمة، وتكاد تحصل على الجنسية أيضاً!
الفساد في البر والبحر وفي كل مكان أما السرقات فشيءٌ عاديٌ جداً. الدولة تبخل على المواطنين وتمنع سلسلة رتب ورواتب عادلة للفقراء والكادحين والمعلمين لكنها تمرر بكل صفقة ووقاحة زودة كبيرة للرؤساء والنواب والوزراء الذين هم أعداء الفقراء بدليل أنه بعدهبوب عاصفة على لبنان أغرقت الأحياء الشعبية خصوصاً في «حي السلم»، لم نشاهد أحداً من طبقة الواحد بالمئة يكلف نفسه عناء زيارة الأهالي المنكوبين طالما أولاده ينعمون بالدفء في فراش وثير بينما أولاد «حي السلم» ناموا وسط أنهار من الماء في العراء المحاط بالبرد القارس. والأنكى أن وزير الداخلية، المتعاطف مع الجميع بلا إستثناء حتى مع الضحية وجلادها كقضية المخطوفين اللبنانيين في أعزاز وتركيا، لام الفقراء على فقرهم. العاصفة التي ضربت لبنان لا تساوي صفراً في المئة من إعصار «ساندي» الذي ضرب الولايات المتحدة لكنها أحدثت اضراراً جسيمة وأغلقت المدارس ثلاثة أيام لأن الدولة في لبنان غافلة والمسؤلوون نيام. أما في أميركا، فالمراصد الجوية كانت تنتظر العاصفة لمجابهتها وعندما وقعت هب الرئيس الأميركي وأعلن الإستنفار العام وقام بزيارة المناطق المنكوبة لمساعدتها وأزال الفروقات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين إلى درجة أن حاكم ولاية نيوجرسي، الجمهوري الإنتماء، عانقه عربوناً على امتنانه في موسم الإنتخابات الرئاسية ولم يأبه لتأنيب قادة حزبه. تصوروا أن يقوم ميشال سليمان بزيارة «حي السلم» للتخفيف من وطأة الكارثة! وهو من ضاق صدره بأبناء وأهالي المخطوفين اللبنانيين الذين عنفهم بالقول «لشو جايين لعندنا، روحوا لعند جماعتكم»! ذكرت الصحف هذه الجملة التاريخية عن لسان الأهالي بعد اجتماعهم معه منذ شهر ولم ينفها «قصر بعبدا» حتى الآن.
«شقفة الوطن» غير مهيأ لمجابهة عاصفة طقسية صغيرة، فكيف بالعاصفة أو العواصف السياسية الكبيرة! لا توجد في لبنان مراصد وأجهزة تراقب التغيرات المناخية والبيئية ومصادر تخفف من نكبات الطقس ككل بلدان العالم، لكن اطمئنوا فالحمدلله في لبنان يوجد «مركز أبحاث نووية»! كم ضحكت عندما رأيت على طريق المطار لافتة عن هذه المصلحة التابعة للدولة عن الأبحاث النووية، وطبعاً لهذه المصلحة مدير وموظفون وعمال يقبضون من الدولة المفلسة ويجرون أبحاثاً ذرية في شرب القهوة وقراءة الجرائد طول النهار (يعطيهم العافية)، بينما كهرباء لبنان تنقطع عن المناطق (الشعبية ومناطق الفقراء فقط وليس بيروت الإدارية) ٢٣ ساعة في اليوم! كذلك في لبنان اليوم «هيئة» للتفتيش على النفط أنشئت بعد جهدٍ جهيد، وراتب المدير فيها ليس أقل من ٢٢ ألف دولار أميركي شهرياً نقداً وعداً، هذا قبل وجود النفط فكيف بعده؟، بينما الكادح المعتر لا يزال يقبض الحد الأدنى أي حوالي ٨٠٠ ألف ليرة (حوالي ٥٤٠ دولاراً). وهل يعلم اللبنانيون أن حاكم مصرف لبنان يقبض أكثر من رئيس وزراء بريطانيا ورئيس الولايات المتحدة وأن راتب قائد الجيش لا يتعدى ٤ آلاف دولار في الشهر، أي ادنى من راتب مدير عام في وزارة «معفنة»؟ إنه حقاً بلد العدل في توزيع الثروة والعدالة الإجتماعية والإقتصادية!
لا أحد يعلم كيف سيكمل الكيان، فلا موازنة ولا خزينة ولا سياسة تصميم وتخطيط للمستقبل. الأجهزة الأجنبية تعشش في لبنان وعلى المكشوف واللاجئون السوريون في كل مكان يجدون في المناطق الجنوبية والبقاعية من يستقبلهم بالترحاب والمساعدات ولو افصحوا عن معارضتهم للنظام، لأنهم يعرفون أن هذا الشعب لا ينكر الجميل ولا يرد الضيف. لم يعد وجود سيارات فخمة تتجول بكثافة عليها لوحات مكتوب عليها «دمشق» تستفز «١٤ آذار». ولما لا، فهم مع الثورات ومع «الربيع العربي»! لكن لا أحد يفسر لنا كيف أن السنيورة مثلاً مع هذا «الربيع» وكان حليفه الأساسي حسني مبارك؟ أو كيف يعتمر مسؤول حاجز الكحالة «القواتي» الكوفية الفلسطينية ويزور غزة مهنئاً فتستقبله «حماس» بحماسة منقطعة النظير؟ «حماس» متحمسة أيضاً ضد النظام السوري الذي كان ولي نعمتها عندما تركتها أنظمة العرب في العراء، إلى أن أشعل قلبها خالد بالبترودولار.
لبنان، بإختصار شديد، يشبه فوضى السير وعجقته الخانقة بسبب أنانية كل سائق وإلتزامه بقوانينه هو نفسه. لكن العيش على حافة الهاوية ليس صحياً وهذه الفورة لن تدوم إذا لم يوجد بين السياسيين من ينقذ البلد من نفسه، لكن زمن المعجزات قد ولى!
Leave a Reply