إبتليت أوروبا في العصور الوسطى بتحالف الكنيسة مع الإقطاع ضد شعوبها “المشحّرة” فكان الكهنوت خير داعمٍ للأنظمة الملكية يدافع عنها ويعطيها المبررات الدينية لبقاء ظلمها وإستئثارها بالمقدرات والعباد، فتفشت الأمراض القاتلة وحل الجهل والفقر المدقع إلى أن هبت الثورات الشعبية وأطاحت بهذا التحالف وحررت نفسها من العبودية.
اليوم يكاد التاريخ يعيد نفسه من خلال الثورات الشبابية العربية التي هي صناعة محلية، غير معلبة أو مستوردة، من الخارج فريدة من نوعها في حضاريتها وأسبابها وإرهاصاتها مهما تبجح وتشدق محللو الغرب وأذنابه من الليبراليين المرتزقة الذين اشتراهم آل سعود. التماثل بين أوروبا القديمة البائدة وأنظمة العرب البالية هو فقط في دور بعض رجال الدين من مفتيي البلاط ووعاظ السلاطين من أمثال يوسف القرضاوي ومحمد علي الجوزو وشيوخ آل سعود. فحين انطلقت الثورة في مصر المحروسة، صمت الأزهر صمت القبور، كما دعا بابا الأقباط رعيته إلى عدم المشاركة في صناعة التاريخ، مع العلم أن شيخ الأزهر المتوفي سلم بحرارة على شمعون بيريز في مؤتمر الأديان وكان أسلافه قد برروا خيانة أنور السادات التي كانت أم الكوارث والمصائب في عالمنا العربي. لكن عندما إشتد ساعد هذه الثورة المباركة وبان في الأفق أن الشعب سيصنع معجزة إطاحة النظام الطاغوتي اللامبارك، إنضم رجال الدين مثل القرضاوي وغيره إلى القافلة وكانوا ينتظرون إلى أين تميل الكفة. فما أكبر هذا النفاق! ألم يحاولوا إتهام الشباب المصري بأنهم أتباع إيران؟
القرضاوي وشلته من مشايخ البلاط حللوا سفك دماء القذافي (رغم علاقة القرضاوي الحميمة مع مجرم ليبيا الذي تصور معه في عام ٢٠٠٣) عندما بدأت مجازره ضد شعبه وأخذت المدن تهوي في يد الثوار، حتى أنهم بزوهم في حماستهم عندما تعلق الأمر بباقي الأنظمة ما عدا…البحرين.
الله يحمي شعب البحرين الأبي الذي تكالب عليه كل العالم وعوملت ثورته الناصعة على أنها ثورة مجموعة طائفية خارجية، حتى محطة “الجزيرة” التي شاركت ببسالة في صنع ثورات الشباب في البلاد العربية، تعامت عن ثورة البحرين تماماً وكأن مجازر آل خليفة وسعود هي حوادث سير! البعض يسرب أن هناك تعميماً قطرياً للمحطة بضرورة الإبتعاد عن ثورات الخليج بعكس الثورات الأخرى، لماذا؟ لأن أكثرية الشعب في البحرين من أتباع أهل بيت رسول الله؟ لماذا كل هذا الحقد ضد شعب طاهر صابر من الموالين وقع عليه الظلم منذ وفاة الرسول الأكرم، ومورس عليه وعلى أئمته عبرالتاريخ القتل والمجازر والسجن والنفي، ولم يكن الشيعة حاكمين بل محكومين؟
أما في العصر الحديث فحدث ولا حرج. لقد صرف آل سعود مليارات الدولارات من أجل التحريض وبث السموم والأكاذيب والدعوة، ليس ضد الصهاينة، بل ضد التشيّع، فأوغروا قلوب باقي المسلمين تجاه الشيعة مما أدى إلى إستمرار منهج القتل والمجازر ضدهم في باكستان وأفغانستان والعراق ودول الخليج، إلى درجة التحالف مع العدو التاريخي والحضاري للأمة ضد من أسسوا المقاومة والممانعة والفجر الجديد للأمة وأعطى هؤلاء العربان-الظربان شرفاً لا يدعوه ومقاماً لايستحقوه! أين كان القرضاوي عندما كان لبنان يحترق عام ٢٠٠٦؟ أو عندما كانت غزة تنقرض عام ٢٠٠٨؟ هذا عالم لم يقرض الله قرضاً حسناً. هل كان يطيب خاطر حسني مبارك في ذلك الوقت كما يطيب خواطر أسياده المرعوبة اليوم في الخليج؟ أليست “حماس” من أهل السنة فماذا فعلت لهم السعودية؟ هل لأن “خطر” الشيعة أكبر من خطر إسرائيل نفسها لهذا السبب غزت السعودية البحرين وفتكت بالشعب المسلم المطالب بالتغيير والديمقراطية؟ من أكثر من أتباع أهل البيت تأييداً لقضية الشعب الفلسطيني من دون تمييز طائفي عنصري ذاقوا ويذوقون مرارته كل يوم؟وبعد القرضاوي جاء الجوزو ليدافع عن السعودية فيقول أنها نقلت شعبها من البداوة إلى الحضارة متناسياً أن نسبة الفقراء فيها تفوق نسبتهم في اليمن وأن الشيعة في المناطق الشرقية الغنية بالنفط يعانون أشد أنواع التمييز العنصري!
بربكم أي دولة في العالم، ما عدا ألمانيا النازية، تنتقم من العائلات وتمارس ضدها الطرد السكاني العنصري لأنها من فئة معينة؟ هذا ما تفعله دول الخليج بحق الشيعة بسبب تصريح مؤيد لمأساة شعب البحرين، لكنها تستقدم الهنود وغيرهم وتجنسهم من أجل ترجيح الكفة الديموغرافية كما يفعل آل خليفة. بل انظروا إلى تصرف سعد “الشالح” المصروف من الخدمة في لبنان عندما إتصل بآل خليفة مستنكراً! ظننا أنه إستنكر طرد العائلات اللبنانية من البحرين (طبعاً كما شمت بطردهم من الإمارات عندما كان رئيساً للحكومة فلم يفعل لهم شيئأ)، لكنه إستنكر تصريح السيد حسن، بينما أمانته “السامة” في “١٤ آذار” أصدرت بياناً تذرف فيه دموع التماسيح على تحميل الطائفة الشيعية فوق طاقتها.
كنا نظن أن “ثورة بولتون” الرجيمة هي ملهمة ثورات الشبيبة في العالم العربي لكنها يبدو أنها تتبع التعميم القطري (كله إلا دول الخليج)! وبالمناسبة، يجب على طغمة جوقة “الدنيا هيك” أن لا تفرح وتطبل كثيراً لما يحدث في سوريا فالكل يعرف أن جوني عبدو وفارس خشان ومروان حماده وشقيقه المرتزق بالتعاون مع رفعت الأسد وخدام يحاولون خلق “حالة” في سوريا كما أن الحريري يدفع أموالاً طائلة للبنانيين على الحدود مع دمشق من أجل التظاهر وحرق صور السيد نصرالله.
وبما أن سوريا هي الدولة الممانعة الوحيدة في المنطقة فمن الواضح أنها هدف دائم للمؤامرات والدليل أن اسرئيل التي ارتعدت فرائصها من ثورات بقية العرب، سارعت ازاء أحدث سوريا الأمنية إلى التعليق فوراً غير كاتمة لسرورها وسرور حلفائها من “قرطة ١٤ آذار”. نعم، ألم تكشف تسريبات “وكيليكس” أن حاشية وخدم “١٤ آذار” كانوا أشد تطرفاً من أولمرت وليفني أثناء حرب تموز ضد أبناء بلدهم ومقاومتهم؟ إطمئنوا، فالشعب السوري الأبي الحاضن للمقاومة ولنظامه الوطني سوف لن يتأثر بالمؤمرات. حمانا الله من وعاظ السلاطين ولاعقي أحذيتهم!
Leave a Reply