بيروت – عرفته القصيدة روحا لها ناظما لأوجاعها وضابطا لدرجات حرارة حروفها يلعب بين أوردتها متنقلا من الفصحى إلى العامية بلهجة القرى وبهجتها.
هو الشاعر اللبناني جوزف حرب الذي وثق الورق الاصفر لشهر أيلول في خزانة الذاكرة وسقط بضربة عمر وأغلق خلفه محبرة الشعر.
هو متلازمة فيروز وعنوانها الآتي من زمن الرحابنة الى ما بعد رحيل الأخوين عاصي ومنصور ووحده تمكن من رسم قصة فيروز بالكلمات.
توفي جوزف حرب رفيق صوت فيروز ليل الخميس بعد صراع مع المرض وهو في السبعينيات من عمره تاركا شعوبا «طلعلها البكي» و«اسوارة عروس» ما زالت تحفر عميقاً في صخرة جبل عامل وبيوت شعر غادرها في «ليل وشتي» وأودعها قصائد أحبها الناس مثل «حبيتك تنسيت النوم».
الشاعر المسيحي الماروني ابن جنوب لبنان وضع بتصرف اشعارا «مشغولة بالدهب» كتب عن الحب وراء الابواب وعن الزعل الذي طال وعن بيروت مقرئها السلام من قلبه «سلام لبيروت».
غنت له فيروز العديد من القصائد منها «لبيروت» و«لما عالباب» و«ورقو الأصفر» و«أسامينا» و«زعلي طوّل» و«خليك بالبيت» و«رح نبقى سوا» و«فيكن تنسو» و«البواب»، وقصائد أخرى.
ولحّن الموسيقار المصري الراحل رياض السنباطي قصيدتيه، «بيني وبينك» و«أصابعي»، وإلى الآن لم تصدر الأغنيتان بصوت فيروز.
وقال الشاعر ومقدم البرامج اللبناني زاهي وهبي عن حرب «كان فرداً مبدعاً بشعراء كثيرين تجلى في كلاسيكياته وفصحاه وعاميته وعمر بيوتاً دافئة لنزلاء متنوعي الأهواء والأمزجة».
وأضاف مقدم برنامج «بيت القصيد» على شاشة «الميادين» «قرأته وعرفته وحاورته ووجدته على الدوام صلبا كالصخر طريا كالمياه العذبة. يغيب جوزف حرب وتظل محبرة الحكي نابضة بذكراه».
منذ الستينات وهو يغني المكتبة اللبنانية بمؤلفاته وأعماله النثرية والفكرية والشعرية. وفي العام 1960 أصدر ديوانه الأول «عذارى الهياكل».
ومن ابرز دواوينه بالفصحى «شجرة الأكاسيا» و«مملكة الخبز والورد» و«السيدة البيضاء في شهوتها الكحلية». كما ترك دواوين بالعامية منها «مقص الحبر» و«سنونو تحت شمسية بنفسج».
شغل حرب رئاسة اتحاد الكتاب اللبنانيين من عام 1998 حتى عام 2002 ونال العديد من جوائز التكريم منها جائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة الفكر العربي والجائزة الأولى للأدب اللبناني من مجلس العمل اللبناني في دولة الإمارات العربية.
وقال الناقد في جريدة الاخبار اللبنانية بيار ابي صعب «جوزف الشاعر استطاع ان يجمع بين العامية والفصحى ويعطي لكل نوع من الشعر حقه. بالفصحى كان شاعر تفعيلة من المميزين ولكن بالعامية كان أحد أكبر الشعراء». أضاف لـ«رويترز» «من المهم ان نذكر مواقف جوزف حرب الوطنية والسياسية وهو إبن الدركي البسيط الذي تنقل مع ابيه من مكان الى اخر لقط اللغة ولقط مزاج البشر. هو رجل عروبي كتب قصائد عروبية أساسية… لم يعمل في السياسة ليروج بضاعته الشعرية فظل الشاعر في ناحية والمناضل في ناحية أخرى».
ويقول في إحدى قصائده «سأظل أفخر بأنني عربي يا شعبي العربي أفكلما حرية صارت بعمر الورد من دمنا تزوجها خصي… والله لو كان ميراثي خناجر قاتلي عمر وعثمان ابن عفان وحمزة والإمام علي سأظل أفخر أنني عربي».
ويعد حرب أهم شاعر تعمق بالامام الحسين حفيد الرسول وهو المسيحي الماروني فكتب عنه «الامام الحسين نبع الإغراء المعرفي والإنساني». له قصيدة «بكائية رأس الحسين».
يقول عنه «الامام الحسين مدافع عن العدل وهو رمز الشهادة العظيم ورمز لقائد روحي يتخطى الدين ليصل الى المواقف الانسانية النبيلة».
لحن وغنى له المطرب والمؤلف الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة «غني قليلا يا عصافير» ونشيد «الخبز والورد».
وقال خليفة لـ«رويترز» «دائما كان عندي حنين لشعر جوزف حرب وكل موسيقاي وألحاني كانت تتوق ببحر شعره الفسيح… يحس الواحد فجأة انه رحل الصديق أو رحل الشاعر. حصيلة هذه العلاقة مع جوزف حرب كانت اغنيتين أحبهما كثيراً».
ويقول مطلع اغنية غني قليلا يا عصافير «غني قليلا يا عصافير فاني كلما فكرت في امري بكيت. وليس لي جار أناديه لكن نسهر في الليل ولا اهل وبيت… انني علقت روحي نجمة في ليل شعبي ومضيت».
اما في نشيد «الخبز والورد» فيقول مطلع القصيدة «لديك ما يكفيك من خبز ولكن.. ليس ما يكفي جميع الناس. والأرض ملئى بالسنابل.. إنهض وناضل انهض وناضل… إنهض ولا تبقي سجوناً.. إنهض ولا تبقي سلاسل.. كن مشعلا بين المشاعل».
ويختم خليفة قائلا «الصمت يقتل الصمت وليل الشعراء يطول ونحن بانتظارك يا جوزف».
Leave a Reply