تشارلستون – «صدى الوطن»
توفي الناقد السينمائي، الأميركي من أصل لبناني، البروفسور جاك شاهين يوم الاثنين الماضي، 10 تموز (يوليو)، عن عمر ناهز 81 عاماً، مختتماً تجربة كفاح طويلة في مناهضة التنميط العنصري وشيطنة العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وتحديداً في هوليوود.
ولد جاك جورج شاهين عام 1935 لأبوين لبنانيين مسيحيين في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا. وبدأ شغفه بالسينما مذ كان في الـ12 من عمره، وفي إحدى المرات كذب بشأن سنه لكي يتمكن من الحصول على وظيفة في إحدى دور السينما، بحسب ما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز».
درس المسرح في «معهد كارنيغي للتكنولوجيا» (جامعة كارنيغي ميلون)، وحصل على ماجستير من جامعة «بنسلفانيا ستايت»، ودكتوراه في الاتصال الجماهيري من «جامعة ميزوري–كولومبيا».
ولم يلتق شاهين قط بأي مسلمين عرب حتى بلغ الأربعين من عمره عندما فاز في السبعينيات بمنحة من مؤسسة فولبرايت الأميركية للتدريس في بيروت التي كانت الحرب تمزقها آنذاك، وأدرك على الفور أنه لا يعرف شيئاً في الواقع عن المنطقة التي ينتمي إليها أسلافه.
وأمضى شاهين العقدين التاليين في محاولة اكتشاف السبب وراء الاختلاف بين صورة العالم العربي في الولايات المتحدة وواقعه. ويقول شاهين إنه يتم الربط بشكل منتظم بين الإسلام وقمع للمرأة والجهاد وأعمال الإرهاب. وقال «أن تكون عربياً يعني أن تكون مسلماً ويعني أن تكون إرهابياً.. تلك هي الصورة السائدة عن الإسلام».
وكان أستاذ علم الاجتماع السابق في «جامعة إلينوي» الذي توفي متأثراً بمرض السرطان في مدينة تشارلستون بولاية ساوث كارولاينا، قد أصدر خلال مسيرته التي لم تتوقف بعد تقاعده من التدريس، عدة كتب فضح من خلالها أبعاد التشويه الممنهج الذي طال العرب والمسلمين في صناعة الترفيه الأميركية، منذ أيام السينما الصامتة، وسلوك هوليوود التي دأبت على ترويج صورة العرب، باعتبارهم «شر خالص» و«إرهابيون معادون لأميركا».
وأصدر شاهين –في هذا السياق– العديد من الكتب التي باتت مراجع معتمدة في هذا المجال ابتداء من العام ١٩٨٤، محللاً ما يزيد عن 1500 فيلم وبرنامج أميركي، وقد ترجمت بعض كتبه إلى العربية وأبرزها: «تنميط العرب والمسلمين في الثقافة الشعبية الأميركية»، و«عرب التلفزيون»، و«مذنبون: حكم هوليوود على العرب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول» إضافة إلى عمله الأبرز «العرب الأشرار في السينما: كيف تشوه هوليوود شعباً؟»، وهو كتاب تحول إلى مرجع لفضح منهجية هوليوود في تشويه وشيطنة العرب في السينما والإعلام، وتم تحويله في العام ٢٠٠٦ إلى فيلم وثائقي بعنوان Reel Bad Arabs.
إلى جانب الكتب، ألقى الراحل ما يزيد عن 1000 محاضرة في العديد من الجامعات الأميركية والدولية، كما نشر أكثر من 300 مقال صحفي في صحف «نيوزويك» و«وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست».
ويعتبر كتابه «العرب الأشرار في السينما: كيف تشوه هوليوود شعباً؟» بمثابة موسوعة علمية فريدة، كما يعتبر الأشهر بين مؤلفاته. وقد عكف على تأليفه قرابة عقدين من الزمن وتناول بالتحليل والبحث العميق ما يزيد عن 1000 عمل فني أنتجته هوليوود، من أفلام سينمائية ووثائقية ومسلسلات وبرامج تلفزيونية، وحتى أفلام الكرتون المخصصة للأطفال، وانتهى فيه إلى أن «عاصمة الصناعة السينمائية في العالم» تتحمل المسؤولية الأكبر في نشر الصورة السلبية شديدة العدوانية ضد المسلمين باعتبارهم «مصدراً للتهديد يستحق القتل بلا رحمة».
عرب أشرار
هذا الفيلم الوثائقي الرائد يشرح جانب الافتراء على العرب في التاريخ السينمائي الأميركي الذي وجد منذ الأيام الأولى للسينما الصامتة إلى أكبر وأضخم افلام هوليوود في أيامنا هذه. يحلل الدكتور جاك شاهين سلسلة طويلة من الصور المهينة للعرب من خلال عرضه لمشاهد من أفلام أميركية قام بدراستها –هذه الصورة المتمثلة بكون العرب قطاع الطرق أو البدو أوالنساء العربيات الراقصات المنقادات إلى شيوخ أشرار والسذج أوالصورة العربية الأهم وهي صورة البندقية في يد العرب «الإرهابيين»– ثم يقدم الفيلم أفكاراً مدمرة كانت السبب في أصل هذه الصور النمطية، وتنميتها في نقاط رئيسية في تاريخ الولايات المتحدة، ولماذا هي بهذا القدر من الأهمية اليوم.
الصور النمطية للعرب التي أظهرها الفيلم:
– الشخصية العربية الشريرة دوماً و«الإرهابية» المتسببة بالجرائم والتفجيرات والاغتصابات.
– الشخصية العربية الساذجة، الراكضة وراء المتعة والشهوة والإسراف.
– الشخصية العربية البدوية، البعيدة عن الحضارة والعلم وغالباً ما ترافقها صورة «الخيمة» و«الجمل».
– الشخصية العربية العصبية جداً، القامعة للمرأة وبعيدة عن العواطف أو الرومانسية.
وفي أعقاب هجمات 11 أيلول كان شاهين من بين الأصوات الجريئة القليلة التي عارضت هيستيريا «الإسلاموفوبيا»، فتنقل من محطة تلفزيونية إلى أخرى مدافعاً عن الصورة الحقيقية للعرب والمسلمين ورافضا تنميطهم ووصمهم بالعنف والتطرف والإرهاب، بسبب ممارسة البعض منهم للعنف غير المبرر والقائم على إيديولوجيات مشوهة.
ومن بين جميع الأفلام التي درسها شاهين ابتداء من العام 1980 لم يضع سوى 12 فيلماً منها في قائمته «لأفضل» الأفلام التي تتضمن صوراً إيجابية للعرب ومن بينها فيلم «روبين هود.. أمير اللصوص» الذي أنتج عام 1990، وفيلم «المحارب الثالث عشر» الذي أنتج عام 1999، وذلك من أصل ألف فيلم صنعت في الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1896 إلى 2000.
وقال شاهين مرةً إن مئات جرائم الكراهية التي ارتكبت ضد الأميركيين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة بعد الهجمات أكدت أهمية محاربة الصور النمطية. وأوضح «أن هدف الكتاب هو أن يشرح في الواقع أنه عندما تشوه شعبا فإن رجالا ونساء وأطفالا أبرياء يعانون، وأن التاريخ علمنا ولا يزال يعلمنا هذا الدرس».
ومضى يقول إنه لا شك في أن تشويه النازيين لليهود بواسطة الأفلام ووسائل الدعاية الأخرى جعل المحرقة ممكنة وأن الصور الإعلامية المتكررة للأميركيين اليابانيين بأنهم أجانب أفسحت الطريق لاعتقال نحو مائة ألف أميركي ياباني أثناء الحرب العالمية الثانية.
وتابع قائلاً «عندما ننظر إلى تشويه المسلمين العرب فإن ذلك يجعل كراهيتهم وقتلهم أسهل كثيراً». وأضاف «يجب ألا ننخرط في تشويه شعب بسبب أعمال أقلية ضئيلة».
Leave a Reply