قبل الثورات كنا ننق ونشكو ونحلل ونظن ونعتقد ونتجهم ونخون ونرجم ونفسد الود، وبعد الثورات ما زلنا ننق ونشكو ونحلل ونظن ونعتقد ونتجهم ونخون ونرجم ونفسد الود.
تقول النكتة التركية إن رجلا ذهب إلى الطبيب يشكو إليه مرض جسده العضال. فسأله الطبيب بماذا يحس، فقال الرجل: يا دكتور كل شيء في جسدي يؤلمني.. ألمسُ بإصبعي هذا رأسي فيوجعني.. ألمس بطني فيوجعني.. ألمس قدمي فيوجعني.. ألمس صدري فيوجعني.. ألمس شعري.. حتى شعري يوجعني.. هل تصدق يا دكتور.
رد عليه الطبيب: انزل عن السرير.. أنت لا تشكو من أي شيء، كل ما في الأمر أن أصبعك مكسور!
/
ما الرابط؟
/
كان زوربا في رواية اليوناني نيكوس كازانتزاكيس يكره أن يتعلق بالأشياء كي لا تستعبده وتهينه، فقرر التخلص من تلك الخصلة. خصلة تعلقه ببعض الأشياء، فاختار أكثر الأشياء التي يحبها ولا يستطيع مقاومتها، فكان الكرز.
ذهب زوربا فاشترى كمية كبيرة جداً من الكرز وبدأ بالتهامها. شبع ولكنه تابع الأكل. امتلأ بطنه ولم يتوقف. ظل يأكل ويأكل ويأكل.. حتى تقيأ جميع الكرزات التي أكلها. وبعد تلك الحادثة لم يتشهَ ولم يعد يخطر الكرز على باله..
في فيلم سينمائي إيراني لعباس كياروستامي، يحاول باقر إقناع بادي بالعدول عن فكرة الانتحار. ويروي باقر حادثة قيامه بمحاولة انتحار إثر خلاف عائلي مع زوجته. علق باقر في ليلة تعصف فيها الريح حبلاً في شجرة كرز، ثم صعد كرسيا، ولف الحبل حول رقبته، وبينما كان يقوم بتأملاته وحساباته الأخيرة، سقطت حبة كرز في فمه.
مضع باقر الحبة وأحس بسكرها وعصارتها الحلوة. تذوقها بكل أناة كآخر حبة كرز في حياته، كآخر شيء حلو في عمره، وهو على حافة النهاية. مص رحيقها العابق، كمن يمتص طعم الحياة نفسها، كمن يتنشق رائحة الزرقة من السماء. تغيرت خطة باقر وعدل عن الخطة بسبب.. حبة الكرز!
/
ما الرابط؟
/
في فيلم إيراني آخر، لمجيد مجيدي، يقرر الطفل علي الذي أضاع حذاء أخته، الاشتراك ببطولة المدارس للجري الطويل، والفوز بالمرتبة الثالثة التي كانت جائزتها عبارة عن حذاء رياضي.
في المسافة القليلة المتبقية من خط النهاية، يفتح علي الذي كان في الصدارة المجال لمن بعده لكي يسبقوه. علي يريد أن يحقق المركز الثالث مع أن بإمكانه أن يأتي أولا، لأنه دخل السباق من أجل نيل جائزة المركز الثالث: الحذاء!
تتعقد المشكلة عندما يقوم الطفل الذي يحل في المرتبة الرابعة بعرقلة علي وإيقاعه أرضا. ينهض علي وينسى في غمرة تصميمه الهدف.. فيأتي في المركز الأول. يفرح أستاذ الرياضة ومدير مدرسته، وتلتقط كاميرات الصحفيين صوراً لبطل المسابقة علي وعيناه ممتلئتان بالدموع. دموع الفشل والخيبة، لأن النصر لا يعني دائما أن تأتي أولا، بل أن تحقق هدفك!
/
ما الرابط؟
/
وبالطبع ليس من الضروري دائما إيجاد الرابط، لكن المهم هو.. المعنى، والمعنى لا يأتي فقط من ربط الأشياء ببعضها البعض، بل حتى إنه أحيانا لا ينكشف إلا بتفكيك الأشياء عن بعضها البعض، للتخلص من زحمتها وعجقتها وتشابكها المتاهي.
والمعنى يأتي أحيانا بإدراك السياق.
/
حسنا، وما السياق؟!
Leave a Reply