عماد مرمل – «صدى الوطن»
كشفت رياح الانتخابات البلدية والاختيارية الاخيرة التي هبت على لبنان عن نقاط ضعف في الكثير من الأحزاب التي بدت في أحيان عدة عاجزة عن الإمساك بقواعدها، وتسييل تحالفاتها الى أصوات في صناديق الاقتراع، ما فرض تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة، وما إذا كان خطاب معظم الاحزاب كما سلوكها، بحاجة الى مراجعة ترميمية.
جانب من عملية فرز الأصوات في الانتخابات البلدية الأخيرة. |
على سبيل المثال، تمردت شريحة من المنتسبين الى «حزب الكتائب» في مدينة جزين الجنوبية على قرار رئيسه النائب سامي الجميل بالتصويت للائحة المدعومة من «التيار الوطني الحر» بلديا ولمرشح التيار الى الانتخابات النيابية الفرعية أمل ابو زيد الذي ملأ المقعد الشاغر بوفاة النائب ميشال حلو.
استشاط الجميل غضبا من عدم التزام بعض «الكتائبيين» في جزين بالقرار المركزي، وأحالهم الى المحكمة الحزبية لاتخاذ الاجراءات التنظيمية والتأديبية المناسبة بحقهم.
وخلال جلسة خاصة جمعتهما، أكد نائب رئيس الحزب سليم الصايغ للنائب أبو زيد أن ما حصل في جزين من خرق بعض القاعدة الكتائبية لقرار الجميل هو مرفوض ولا يعكس خيار القيادة المركزية في الصيفي، مؤكداً له انه ستتم محاسبة المخالفين وفق النظام الداخلي للحزب.
على المقلب الآخر من الجغرافيا اللبنانية، كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يواجه تمرداً مماثلاً في معقله في قضاء بشري. تدخل جعجع شخصيا لرعاية توافق بين المتنافسين في احدى بلدات القضاء الخاضعة الى نفوذه. لكن، وعشية فتح صناديق الاقتراع انقلب أحد رموز التوافق، وهو من الشخصيات القواتية، على الاتفاق الذي كان قد جرى إبرامه بحضور جعجع، وقرر أن يباغت الفريق الآخر بمعركة انتخابية كان يعد لها بصمت وسرية للفوز بالمجلس البلدي، وهكذا كان.
شعر جعجع، وهو الآمر الناهي في «القوات» منذ أن استلم قيادتها، بانه تعرض للخديعة من داخل البيت الحزبي، وفي قلب منطقته، الأمر الذي لم يكن بمقدوره تحمله. وعلى الفور، قرر اتخاذ اجراءات تأديبية بحق قائد «الانقلاب البلدي»، وصولاً الى فصله من الجسم التنظيمي.
وفي بيروت أيضاً، واجهت «القوات» صعوبة في دفع قواعدها الى التصويت للائحة البلدية التي شاركت فيها الى جانب القوى المسيحية الاخرى، بالتحالف مع «تيار المستقبل» الذي شكل الركن الاساسي لتلك اللائحة. أحس الرئيس سعد الحريري بانه تعرض للخيانة والطعن في الظهر من حليفه المفترض، بعدما أظهرت النتائج ضعفاً حاداً في نسبة تصويت الناخبين المسيحيين، ودعم من اقترع منهم للائحة المنافسة «بيروت مدينتي»، ما تسبب في أزمة بين الحريري وجعجع، لا تزال تتمدد في اتجاهات عدة.
وفي طرابلس، بيّنت عملية التشريح للارقام المرتفعة التي حازت عليها اللائحة الفائزة المدعومة من اللواء أشرف ريفي أن جزءاً أساسياً من أصوات جمهور «تيار المستقبل» كان الرافد الاساسي لها، في مواجهة اللائحة المضادة بقيادة الحريري وحلفائه، الأمر الذي انطوى على صدمة للحريري وتياره في العاصمة الثانية للبنان.
ولم يكن وضع «التيار الوطني الحر» أفضل، بل لعله يمكن القول إن التيار هو الاكثر تضرراً من تداعيات الانتخابات البلدية. في بيروت، انقسمت هيئة التيار بين مؤيد للوزير السابق نقولا صحناوي الذي كان يحاول تنفيذ قرار الرابية بالتصويت للائحة الائتلافية مع الحريري، وبين القيادي زياد عبس الذي رفض هذا الخيار معتبراً أنه لا يجوز للتيار أن يتحول فجأة من موقع الخصومة مع «المستقبل» الى موقع التحالف معه، برغم خلافاتهما الواسعة والتي تمتد من رئاسة الجمهورية الى سلوك المجلس البلدي السابق للعاصمة.
وبينما توقع البعض أن تفصل قيادة التيار عبس بسبب عدم التزامه بتوجيهات عون، مرت الأيام من دون صدور أي شيء من هذا القبيل، الأمر الذي فُسر على انه محاولة لاحتواء الخسائر ومنع اتساع الشرخ الداخلي، خصوصاً ان عبس هو من القياديين المؤثرين في القواعد البرتقالية، وأي تدبير يُتخذ بحقه قد يؤدي الى ردود فعل سلبية من قبل أنصاره.
ولم تقتصر مظاهر التفسخ على واقع «التيار الحر» في العاصمة، بل تعدتها الى المتن الشمالي في جبل لبنان، حيث بلغ الانقسام التنظيمي حد تفرد عضو تكتل التغيير والاصلاح النائب نبيل نقولا بخيارات وتحالفات مغايرة لتلك التي اعتمدها التيار رسمياً في المنطقة، لينتهي الامر الى مواجهة مباشرة في جل الديب أفضت الى فوز اللائحة المدعومة من نقولا على تلك المدعومة من التيار!
أكثر من ذلك، انطوت «بطانة» المنافسات الانتخابية في العديد من بلدات المتن على مواجهات جانبية بين نقولا وأمين سر التكتل، النائب ابراهيم كنعان، وبين كنعان وعضو التكتل وزير التربية الياس بو صعب. وحتى تكتمل المفارقة، شارك صعب والوزير جبران باسيل قبل أيام في حفل زفاف احدى قريبات النائب ميشال المر الذي هو خصم تقليدي للعماد ميشال عون، بالتزامن مع لجوء كنعان الى رفع دعوى على رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية» الياس المر (ابن ميشال)، بسبب تعرض اثنين من كتّابها له بالقدح والذم.
وقد ادى نشر صور لمشاركة بعض الشخصيات البرتقالية في حفل الزفاف، على الموقع الالكتروني للتيار البرتقاالي، الى حالة من التململ والاستهجان في صفوف القواعد الشعبية، ما أجبر إدارة الموقع الى حذفها لاحقاً.
وامتدادا حتى الجنوب، اكتشفت قيادتا «حركة أمل» و«حزب الله» ان بعض محازبيهما لم يتقيدوا باللوائح التحالفية المشتركة، بل حصل تشطيب من هذا الطرف او ذاك، في العديد من البلدات الجنوبية، مع الاشارة الى أن الثنائي الشيعي كان الاقل عرضة لـ«النيران الصديقة» خلال الانتخابات، قياساً الى غيره.
Leave a Reply