واشنطن – في أحدث إجراء اتخذه الرئيس الأميركي باراك أوباما للرد على الجدل الدائر بشأن مخالفات التجسس الإلكتروني من قبل الوكالة. كشفت الإدارة، بإذن من مدير عام الاستخبارات القومية جيمس كلابر، الأسبوع الماضي، النقاب عن عدد من وسائل التجسس التي تمارسها وكالة الأمن القومي الأميركية (أن أس أي) بعد أيام من إقرار الوكالة بانتهاكها القانون الذي يحدد إطارا دقيقاً لمراقبة الاتصالات الإلكترونية بين الأميركيين بين العامين 2008 و2011.
وأبلغ مسؤولو الأمن القومي -الذين وافقوا على الإجابة عن الأسئلة بخصوص محتوى الوثائق المسرّبة- الصحفيين أن رسائل البريد الإلكتروني المحلية التقطت عن طريق «الخطأ» أثناء تنفيذ برنامج كان مصمماً من أجل استهداف رسائل بريد إلكتروني خاصة بأجانب يشتبه في تورطهم في الإرهاب. وأوردت صحيفة «واشنطن بوست» أن وكالة الأمن القومي تمكنت بذلك من اعتراض نحو 56 ألف رسالة إلكترونية لمواطنين أميركيين. ووفقا لما ذكره المسؤولون وأوردته وثيقة محكمة سرية نشرتها الحكومة الأميركية الأسبوع الماضي، فإن وكالة الأمن القومي قررت إتلاف المواد بعد أن اكتشفت أنها جُمعت دون قصد.
وأعلنت صحيفة «واشنطن بوست» أن تدقيقاً داخلياً في وكالة الأمن القومي أشار إلى أن الوكالة خرقت القوانين المتعلقة بالخصوصيات «آلاف المرات كل عام» منذ عام 2008. وقد قام مسرب معلومات الوكالة، إدوارد سنودن، بتقديم التدقيق للصحيفة، إذ أظهر التقرير لعام 2012 أيضاً 2776 حادثة «جمع وتخزين ودخول أو توزيع لمحتويات محمية بموجب القانون».
وبينما أثار رفع السرية عن عدد من الوثائق ترحيبا في أوساط أميركية، إلا أن محللين اعتبروا أنه يثير أسئلة أكثر مما يعطي إجابات.
وتلاحق منظمة «ألكترونيك فرونتير فاونديشن» المدافعة عن الحريات على الإنترنت منذ سنة الحكومة الأميركية أمام القضاء مطالبة برفع السرية عن قرار قضائي سري يخص وكالة الأمن القومي صادر في العام 2011 رُفعت عنه السرية. وعبر محامي المؤسسة مارك رومولد عن سعادته بعدد الوثائق التي نشرت بقرار من الإدارة بعد تفجر «فضيحة سنودن» التي كشفت عن برامج سرية للتنصت على الأميركيين.
ويقول رومولد إن القرار الذي صدر عن المحكمة السرية في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 في 85 صفحة، يصف بعناية طريقة التجسس على الألياف البصرية بالولايات المتحدة، ويأمر الحكومة بتعديلها لأنها تنتهك حماية المواطنين الأميركيين المنصوص عليها في الدستور.
وحينها وضع القضاء وبشكل سري حدّاً للبرنامج الذي اعتبر غير قانوني بالنظر إلى الحماية الدستورية التي يتمتع بها الأميركيون.
وصنفت الحكومة هذا القرار القضائي الذي صدر عن قاض بالمحكمة السرية المكلفة بمراقبة الاتصالات والموافقة على برامج وكالة الأمن القومي أو رفضها بأنه «سري».
وبحسب الوثائق، وما أكده المسؤولون في الوكالة، اعترضت الوكالة خلال ثلاث سنوات البيانات الدولية التي تمر بشبكات الألياف البصرية الأميركية، ولكنها لم تكن قادرة على فصل مكالمات الأجانب عن مكالمات الأميركيين.
كما نشرت الحكومة تقارير كانت حتى الآن سرية جداً، وردت فيها تفاصيل عن عشرات آلاف المخالفات التي ارتكبها محللو وكالة الأمن القومي والإجراءات المتخذة لمنع تكرارها، كما نشرت صحيفة «واشنطن بوست» في 15 آب (أغسطس) الحالي تقريراً جزئياً يكشف حجمها.
أسئلة أكثر من أجوبة!
غير أن رومولد قال «توصلنا إلى تفهم أفضل، لكننا لم نحصل على ما يكفي من المعلومات لتقييم أفضل طريقة لإصلاح القانون»، كما أكد القاضي بالقرار السري الصادر عام 2011 أن الوكالة قدمت ثلاث مرات معلومات خاطئة لمحكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية، وهي محكمة سرية مكلفة بالمصادقة على طرق الوكالة في رصد الاتصالات.
كما صرح جوزف لورنزو هال، الخبير بمركز الديمقراطية والتكنولوجيا، بأنه «كلما ظننا أننا وصلنا إلى قعر الحفرة حتى أدركنا أنه ما زال هناك شيء آخر، وأن الأمر أعمق من ذلك» مضيفا أن «ذلك يثير تلقائيا أسئلة إلى ما لا نهاية».
ويقول مؤيدو أوباما أن الرئيس قد أوفى بالعديد من وعوده لجهة التزام الشفافية، وذلك بعد أن أطلقت إدارته مؤخراً موقعاً الكترونياً مخصصاً للوثائق التي رفعت عنها السرية، كما أنه على وشك تشكيل لجنة مستقلة تكلف بتقييم عمل وكالة الأمن القومي (تفاصيل ص ١2). ولكن معارضي الرئيس يؤكدون أن إدارة أوباما تفقد شعبيتها مع تفجر فضيحة التنصت على اتصالات الأميركيين التي سرّبها عميل الـ«سي آي أي» السابق، اللاجئ مؤقتاً لدى روسيا، إدوارد سنودن.
وقد نظمت الاستخبارات الأميركية هذا الشهر مؤتمرين طويلين عبر الهاتف للرد على أسئلة الصحافيين حول انتهاكات الوكالة للقانون. لكن ذلك كله لم يوقف المطالبات لأوباما بالوفاء بوعوده بإصلاح القوانين المصادق عليها بعد هجمات ١١ أيلول (سبتمبر) 2001، لتوضيح القيود المفروضة على الإفراط في المراقبة والتجسس على الشعب الأميركي.
مدع عام سري
وكان أوباما أكد، يوم الجمعة الماضي، في مقابلة مع شبكة «سي أن أن»، استعداده للعمل مع الكونغرس «لتحديد طريقة نكون فيها أكثر شفافية في مجال المراقبات القضائية». كما تحدث عن تعيين «مدع عام» مقيد بالسرية بإمكانه انتقاد الحكومة في الجلسات السرية لمحكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية التي تجري حالياً.
وكان العديد من الخبراء قد استغربوا لدى قراءتهم الوثائق التي رفعت عنها السرية من اعتراف قاضي المحكمة بأنه غير مؤهل تقنيا للتأكد مما تقوله وكالة الأمن القومي.
Leave a Reply