عماد مرمل – «صدى الوطن»
وُلدت الحكومة اللبنانية بعد «حَمل» دام تسعة اشهر، وتخللته عوارض جانبية مختلفة. حكومة من ثلاثين وزيراً يمثلون المكونات السياسية التي دخلت مؤخراً إلى مجلس النواب على أساس أول انتخابات تتم وفق النسبية.
ولأن القانون النسبي أفرز تعديلات في الأحجام والأوزان، وسمح لتلاوين سياسية جديدة باختراق أسوار المجلس النيابي، فإن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية احتاج إلى مخاض صعب ومساومات مضنية قبل أن يكتمل، باعتبار أن هناك من وجد صعوبة في «هضم» التوازنات الجديدة التي انتجتها صناديق الاقتراع، بعد عقود من الركون إلى النظام الاكثري الذي اختصر السلطة والتمثيل بمجموعة من أصحاب «البوسطات» و«المحادل» الانتخابية.
ولعل التغيير الأبرز الذي دخل على جسم السلطة التشريعية تمثل في تمكن 10 نواب سنة من خارج تيار «المستقبل» من حجز مقاعد لهم في المجلس النيابي، بعدما كان التيار الأزرق يحتكر التمثيل السني على امتداد سنوات طويلة، مرتكزاً على مفاعيل القانون الأكثري الذي كان يهمش معارضي الرئيس سعد الحريري، على الرغم من حيثيتهم الشعبية التي تبلورت في نتائج صناديق الاقتراع.
تسوية مركبة
طوال أشهر رفض الحريري بشكل قاطع تمثيل النواب السنة الستة المنخرطين في «اللقاء التشاوري» من حصته، ما دفع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى القبول، بعد أخذ ورد، باقتطاع مقعد من كتلته الوزارية لتمثيل «اللقاء»، فيما اقتصرت «تضحية» الحريري في الموافقة على وجود هذا الوزير في حكومته، بعدما كان يعارض الأمر من حيث المبدأ.
ولكن تنازل عون عن مقعد وزاري من حصته لتمثيل النواب السنة المستقلين في الحكومة تطلب «نحت» تسوية مركبة، مستوحاة من الطريقة اللبنانية المتخصصة في تدوير الزوايا، على قاعدة توزيع القدمين بين واحدة في البور وأخرى في الفلاحة. وهكذا تقرر أن يكون الوزير حسن عبد الرحيم مراد، المتحالف مع «حزب الله»، ممثلاً حصرياً لـ«التشاوري» في الحكومة وملتزماً بقراراته، لكن على أن يحضر اجتماعات «تكتل لبنان القوي» الذي يترأسه الوزير جبران باسيل، كون مقعده مجيراً من رئيس الجمهورية ميشال عون!
هذه التوليفة أرضت الجميع، بعدما أعطت كل طرف جزءاً مما يريده وأخذت منه بعض ما يريده. ولكن ما ليس مفهوماً هو لماذا وُضع أصلاً فيتو على توزير أحد النواب الستة، وهو ما أدى إلى هدر الكثير من الوقت الثمين، فيما جرى لاحقاً القبول بتوزير حسن مراد، ابن النائب عبد الرحيم مراد، وهل من فارق سياسي أصلاً بين الأب وابنه حتى يُرفض الأول ويُقبل الثاني؟
وإذا كانت الصيغة المعتمدة قد حالت عملياً دون حصول «التيار الوطني الحر» منفرداً على الثلث المعطل المتمثل في 11 وزيراً، إلا أن هناك في «التيار» من يعتبر أن الفريق البرتقالي استطاع عبر المخرج المتوافق عليه أن ينال 10 وزراء ونصف، يمكن أن يصبحوا 11 عند أي استحقاق يتطلب التصويت. أما في التصنيف السياسي العريض، فقد نال الخط الاستراتيجي الذي يمثله عون و«التيار الحر» وحزب الله وحركة امل و«المردة» 18 وزيراً علماً أن هناك تباينات بين مكونات هذا الخط حول التفاصيل الداخلية، فيما حاز «المستقبل» و«التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية» على 12 وزيراً.
علامات فارقة
من أبرز العلامات الفارقة في الحكومة الجديدة، الحضور النسائي اللافت فيها عبر أربع وزيرات هنّ ريا الحسن (الداخلية)، ندى البستاني (الطاقة)، فيوليت خيرالله المتأهلة من الوزير السابق محمد الصفدي (وزيرة دولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة)، ومي شدياق (وزيرة دولة لشؤون التنمية الادارية).
وكان لافتاً أن معظم القوى السياسية استعانت ببعض الشخصيات من «التكنواقراط» لتمثيلها في مجلس الوزراء، ما يؤشر إلى أنها تتحسب أو تتحضر للملفات التقنية الصعبة التي ستغوص فيها الحكومة الجديدة، من قبيل الكهرباء والنفايات والتحدي الاقتصادي ومشاريع مؤتمر «سيدر» وغيرها، إضافة إلى أن تلك القوى تحاول عبر الوزراء من أصحاب الاختصاص أن تضع بصمتها على الحقائب التي تولتها، في اطار التنافس السياسي وتسجيل النقاط على الخصوم. والأرجح، أن هذه الحكومة ستستمر حتى الانتخابات النيابية المقبلة إذا لم يستجد ما يستوجب تغييرها أو إسقاطها، الأمر الذي يفسر جزءاً من أسباب التجاذب الحاد الذي سبق ولادتها، سعياً من كل طرف إلى تحسين شروطه ومواقعه فيها.
وإذا كانت أية حكومة جديدة تحصل في العادة على «فترة سماح» قبل الحكم عليها، إلا أن هذه الحكومة تحديداً قد لا تنال هذه الفرصة، لأن أشهراً طويلة ضاعت مسبقاً في انتظارها ولم يعد ممكناً منحها مهلة إضافية، إلى جانب أن القضايا والأزمات التي تواجه اللبنانيين تستوجب المباشرة فوراً في معالجتها من دون المرور في مرحلة «الروداج».
هل ستكسب الحكومة ثقة الشعب اللبناني أم أنها ستخيب آماله مجدداً؟ قليل من الانتظار كفيل بالجواب!
Leave a Reply