كمال ذبيان – «صدى الوطن»
انتظر اللبنانيون، رأس السنة الجديدة، ليشهدوا ولادة الحكومة الجديدة، لكنها تأخّرت بسبب التعقيدات التي ترافق التشكيل، حيث مازالت عقلية المحاصصة الطائفية والسياسية، هي الثابتة في قواعد اللعبة اللبنانية، ولم يغيّرها «الحراك الشعبي»، الذي طالب بدولة مدنية وإلغاء الطائفية السياسية، إلى جانب المطالب المعيشية والاقتصادية الأخرى.
فالنظام السياسي القائم على الطائفية، لايزال يفرض أن يطالب زعماء الطوائف بحصصهم، وهو ما انعكس سلبياً على مفاوضات تشكيل الحكومة التي يسعى إلى تأليفها الرئيس المكلّف حسان دياب، وبالتالي على آمال المواطنين في التغيير الذي يطمحون إليه للخروج بلبنان من أزمته الاقتصادية والسياسية الراهنة.
تأخير التأليف
فالحكومة التي كُلّف الدكتور حسان دياب بتأليفها، وأعلن عن شكلها، أنها ستكون من أصحاب الاختصاص المستقلين عن أي انتماء سياسي وحزبي، اصطدمت بواقع سياسي، وآخر دستوري، يفرض أن يكون للكتل النيابية رأي في الأسماء، والحقائب التي يسعى الرئيس المكلّف إلى ضمها للحكومة، بعد أن سلّم الفريق الذي سمّاه بحكومة مستقلين واختصاصيين، وهو ما لم يعطَ للرئيس سعد الحريري، الذي طرح شكل الحكومة نفسها على أن يترأسها هو، وهذا ما رفضه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه «حزب الله» وحركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» وحلفاؤهم، وتمنوا على الحريري ترؤس حكومة تكنو–سياسية، لكنه اعتذر، بعدما حرق ثلاثة أسماء طرحت لخلافته.
إذ أن الحكومة من المفترض أن تتشكل من وجوه جديدة، ولا يشترك فيها أي وزير من الحكومة السابقة أو تلك التي سبقتها، باستثناء أسماء طُرحت كالوزير زياد بارود الذي يحظى بثقة الحراك، لكنه اعتذر، ودميانوس قطار الذي طرحه الرئيس المكلّف للخارجية، لكن الوزير جبران باسيل طرح أسماء أخرى، على أن يتسلّم قطار وزارة الاقتصاد أو ما يشبهها.
وأمام الشد والجذب جاءت الأحداث الإقليمية لتخلط الأوراق مجدداً ويعود الحديث عن إمكانية عودة سعد الحريري واعتذار دياب.
اغتيال سليماني والمهندس
فجر اليوم الثالث من العام الجديد، حصل زلزال أمني وسياسي، تمثّل باغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس «الحشد الشعبي» في العراق، بالقرب من مطار بغداد، باعتداء أميركي نفّذته طائرة مسيرة على الموكب، فقضى كل مَن فيه.
الاغتيال، ترددت أصداؤه في جميع أروقة القرار في العالم نظراً للدور المؤثّر لسليماني في تشكيل أذرعة محور المقاومة في لبنان والعراق واليمن وفلسطين، والتي تساعد الجمهورية الإسلامية على بسط نفوذها في المنطقة، مما يشكّل خطراً على الوجود العسكري الأميركي، والأنظمة الحليفة لواشنطن.
الزلزال كان من الطبيعي أن تطال تأثيراته الساحة اللبنانية لاسيما وأن سليماني يعتبر الراعي الأول لفصائل المقاومة في المنطقة، ومنها «حزب الله» الذي التقى بأمينه العام السيد حسن نصرالله قبل يوم واحد من اغتياله.
ما بعد سليماني
اغتيال سليماني، الذي وصفه السيد نصرالله، بأنه لا يخص إيران، بل كل محور المقاومة وأحرار العالم وشرفائه، جاء الرد العسكري الأول عليه، إيرانياً، عبر قصفٍ صاروخي استهدف قاعدتين أميركيتين في العراق دون سقوط إصابات.
لكن في الأيام والأسابيع المقبلة، لن يكون الوجود العسكري الأميركي بمنأى عن عمليات فصائل محور المقاومة، لاسيما في العراق وسوريا، حيث بدأ العمل على طرد الأميركيين، لاسيما من منطقة التنف الحدودية بين الدولتين، حيث يقطع الأميركيون الطريق أمام التكامل الاقتصادي والسياسي بين العراق وسوريا، والذي سيكون له تأثير كبير في الجغرافيا–السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، بقيام الجبهة الشرقية من طهران إلى بيروت.
لبنان في العاصفة
لبنان، لن يكون بعيداً عن العاصفة إذا ضربت المنطقة، وسيتأثّر بما سيجري في قادم الأيام، وقد أعلن السيد نصرالله، أن دم سليماني والمهندس، لن يذهب هدراً، وأن الردّ واقع حتماً، لكنه لم يُدخل لبنان فيه، طالما أن لا وجود عسكري أميركي على أرضه، وحذّر من المس بالمدنيين الأميركيين، وبالصفة التي يحملونها، وعدم تكرار مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، التي حصلت فيها عمليات خطف أو اغتيال لشخصيات دبلوماسية وإعلامية وسياسية، كما وجهت أميركا أصابع الاتهام إلى «حزب الله» –أو ما يسمى «الجهاد الإسلامي»، قبل الإعلان عن إنشاء الحزب– بأنه وراء عمليات التفجير التي حصلت للقوات المتعددة الجنسيات، التي كانت تضم العدد الأكبر من الأميركيين، لاسيما استهداف مقر قوات «المارينز» قرب المطار، ووحدات فرنسية قرب المدينة الرياضية، حيث قتل المئات منهم (293)، ومازالت الإدارات الأميركية تتذكّر هذه الحادثة، كما استهداف السفارة الأميركية في بيروت، الأمر الذي عجّل بانسحاب الأميركيين السريع، حين وصف وزير الخارجية الأميركي آنذاك جورج شولتز، لبنان، بالبلد الموبوء.
مرحلة ما بعد اغتيال سليماني، ستكون مرحلة حساسة وصعبة في العراق وإيران ومعهما لبنان وكل المنطقة. وإذا كان زلزال الاغتيال والأحداث المتسارعة التي أعقبته، قد حولت اهتمام اللبنانيين عن مساعي تأليف حكومة حسان دياب المتعثرة، فإن الواقع الاقتصادي والمالي المرير الذي تعيشه البلاد سيكون كفيلاً بإعادة تركيزهم سريعاً على الوضع الداخلي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
Leave a Reply