في مختلف الأزمنة والعصور اليمنية,كان العيب عيبا,والسفاهة عارا، وكان صانع العيب بالقول أو الفعل لا مكان له بين الناس، بينما كان السفيه بلا قيمة أو رأي في المجتمع اليمني المعروف بقيمه وأخلاقه الفاضلة، لكننا اليوم في زمن “الصالح” المحتفل بعيد جلوسه الـ31 على العرش (مع دعوات وتمنيات المنافقين بإطفاء 100 شمعة والجلوس على 100كرسي) سنتذكر بمرارة أن العيب صار في عهده شرفا، وتطورت السفاهة بتطور بطانته وأهل مشورته لتصبح مؤهلا خالدا وضروريا للقرب منه ونيل رضاه والحصول على منصب ما في دولته.
السفهاء في نظام الصالح صاروا في مقدمة الصفوف، على حساب كل شيء ينتمي لعالم الوقار والشعور بالمسؤولية القيادية والإحساس بالخجل والخزي من التصرف المخالف لقيم الناس، لذلك ليس من الغريب أن تتراجع أخلاقياتنا كيمنيين، خاصة وقد تسابق الكثير في طريق السفاهة لتحقيق مطامعهم كما حدث لشخص نكرة، ظهر مؤخرا في برنامج “الإتجاه المعاكس” على قناة “الجزيرة”، كاشفا أمام ملايين من المشاهدين، مستواه الهابط في كل ما يتعلق بأدب الحوار والنقاش، لأنه كما الكثير لم يكن يفكر في اليمن وسمعة الشعب ساعة الحوار، بل كان يقلب في عقله المريض أنواع المناصب التي سيحصل على أحدها، مكافئة له على سفاهته التي مكنته من الحصول على وظيفة في احدى السفارات كملحق إعلامي بدرجة “سفيه” فوق العادة.
لأن السفيه يعرف أنه سفيها في ذاته، فدائما ما يتمنى أن يصبح الجميع “سفهاء”، ولحظة رؤيته لشخص من نفس فصيلته، يعمل جاهدا على نصرته وتطوير خبراته، ويتوسط لمنحه منصب يليق بمستوى سفاهته، إنطلاقا من قاعدة الربط القائلة “السفهاء للسفهاء”، كما حدث تماما لسلطان البركاني الذي لعب دورا كبيرا في فحص سفاهة عباس المساوى، وتزكيتها عند أهل الخبرة في دار الرئاسة، مؤكدا بذلك ضرورة توفر المؤهل المطلوب لدى المزكّى حتى يسهل على قادة النظام التحكم في “الريموت” بدون مشكلة أو اعتراض من أي سفيه.
من المجهول وبدون مقدمات أو مؤهلات علمية ومهنية,قفز إلى المقدمة إسم تجاوز الكثير من الخبرات والكفاءات في الحزب الحاكم، معتمدا في قفزته تلك على سفاهة لسانه ووقاحة أقواله في حق الجميع بدون تمييز، متخليا عن أبسط الصفات التي يجب توفرها في عضو البرلمان ومسؤول الحزب، والعجيب -إعتقاده- أنه بأعماله وأقواله المشينة يحسن صنعا ويتفوق على الكل, ودليل ذلك كما يعتقد أيضا, إمتناع الكثير من أولئك الذين تطاول عليهم في الرد عليه، لكنه لم ولن يدرك أن أولئك امتنعوا إحتراما لأنفسهم وترفعا من النزول لمستواه المتدني في الحديث والنقاش.
سلطان البركاني القادم من محافظة تعز، المشهورة بعلم ووقار وأخلاق أهلها، لا يمثل وصمة عار على تلك المحافظة الجميلة، بل على الحزب الحاكم فقط، ومن يتحمل مسؤولية ما وصل إليه هو الرئيس قبل أي شخص آخر، لأنه على ما يبدو راض عن “سخافات” سلطان، ربما لأن الرئيس يتذكر يوم أن قرر التراجع عن شطحته الإرتجالية بعدم ترشحه للسلطة قبل انتخابات 2006، كيف أن سلطان البركاني قام بحركة مستمدة من تراث “سوق النشمة” لحظة سماعه قرار الصالح بالبقاء رئيسا، حيث قفز في الهواء صارخا بصوت عال، ومحركا يده بقوة عدة مرات كلاعب كرة قدم محترف، سجل هدفا “تاريخيا” في مرمى البرازيل، رغم ان الصالح يومها سجل هدفا في مرماه ومرمى الوفاء بالوعد والعهد. وسلطان يومها صرخ من اعماقه فرحا بذلك التراجع الرئاسي لأنه سيبقى ومصالحه الشخصية ستدوم، وتطاوله سيستمر ما استمر الصالح في الرئاسة، لأنه لو جاء رئيس جديد,فلن يجد سلطان لنفسه مكانا حتى في سوق النشمة.
في لحظة التراجع “الكارثية” للرئيس يومها,عن وعده بعدم البقاء رئيسا لليمن، لا ندري لماذا التقط المصور سلطان البركاني بعد نطق الرئيس كلمات البقاء ونكث الوعد مباشرة، ليقوم سلطان بحركته “المسرحية” وكأنه نسق مسبقا مع حامل الكاميرا، رغبة منه في إظهار فرحته “المصطنعة” التي لم يصل لمستواها أحد من الفرحين يومها، لينال بموجب حركته تلك مزيدا من التشجيع “الرئاسي” لمواصلة تطاوله على زملائه في المجلس والقوى السياسية الأخرى، بإلفاظ تتبرأ منها الألفاظ المتداولة في الأسواق نفسها، لأن السوق وإن عنى في مفهومنا معنى سلبيا، فإن فيه الكثير من الإيجابيات التي تحضر بين الناس، كالوفاء والصدق والأمانة واحترام الكلمة وتقدير المتنافسين، وتلك أمور لم يستحضرها البركاني في “سفاهته” تحت قبة البرلمان كمكان تشريع لقوانين من المفترض إدارة البلاد بها، وهي تمثل كل شيء جميل يقود الناس إلى الخير والصلاح والنجاح.
في أحد مواقفه يصف سلطان البركاني نفسه بأنه “أنقى من ماء السماء” يوم أن رد على الأستاذ عبدالرحمن با فضل، وتلك جملة إستفزتنا أيما استفزاز، ودفعتني شخصيا للتواصل مع أحد أساتذتي الأفاضل، ليقول لي بعد نقاش أن البركاني لا يفهم ويعي ما يقول، ودليل ذلك منح نفسه صفة تجاوز بها أطهر أنواع المياه، لأن مطر السماء ماء طاهر في ذاته مطهر لغيره، ومن المحال أن يكون سلطان كما وصف نفسه، بل ليس من الممكن أن ينال حرفا واحدا من ذلك المعنى.
في موقف آخر يسوق البركاني نفسه كرجل “المبادئ والقيم” عندما كان المجلس يناقش إعادة انتخاب لجانه,فاعترض سلطان يومها على أحد المقترحات بطريقته المعهودة، مما دفع أحد الأعضاء للسخرية منه، متسائلا عن دوره في اللجنة التي ينتمي إليها وإذا كان يعلم أين مقر اجتماعاتها وكم التقى أعضائها؟.
كان على الراعي يومها أن يستخدم ذكاء يسيرا من ذكائه العظيم,ليمنع سلطان من الرد لأن الفأس وقعت في الراس كما يقال,لكن الراعي منح “زميله” سلطان الميكرفون، ليعبر بعدها عن سوء موقفه بصراخ وعويل وادعاء بطولات لا أساس لها سوى في مخيلته، ثم ختم الفضيحة يومها بقوله أنه لم يحضر اجتماعات اللجنة ولا يعلم أين مقرها (رغم تشكيلها منذ سنوات) لأنه رجل مبادئ وقيم؟!! وقيمه تلك تمنعه من الإحتكاك بوزير الداخلية، وهذا ما يعني للجميع أن البركاني لا دور له سوى لعن الآخرين وشتمهم بسفاهته المعروفة داخل وخارج البرلمان.
إن استعراض مواقف البركاني (خاصة الأخير منها عندما تطاول على الأستاذ عيدروس النقيب) يشكل وصمة عار في جبين الحزب الحاكم قبل أي أحد آخر، والمفترض هنا بحسب تاريخنا وحزمتنا القيمية والأخلاقية أن يمنع البركاني من الحديث حتى “يوم العيد”، لأنه بأحاديثه يذبح المؤتمر من الوريد إلى الوريد، وهنا سنذكّر الحزب الحاكم بقصة يمنية موروثة، يرغمنا البركاني على استحضارها في كل مواقفه وكلماته، وهي تمثل الحزب وسلطان وتعبر عن زمان العيب وتستخدم في اسكات كل غبي وسفيه يحرج الناس بحديثه ومواقفه، كما حدث لذلك الأب الذي كان يخجل ويستحي من تصرفات ابنه الغبي، لأنه كان يفضحه بين الناس ويجعله محلا للندرة والسخرية، فاتخذ الأب حلا مناسبا منع بموجبه ابنه من الكلام نهائيا، ومنحه يوم واحد للحديث هو يوم العيد، وذلك ما جعل الإبن يراجع مواقفه ويستعد للحديث في ذلك اليوم المشهود ليثبت لوالده أنه كسلطان يسكت الجميع، وفي يوم العيد ولحظة تجمع الناس صرخ الإبن وطالب اباه بالوفاء بالوعد والسماح له بالكلام فاذن له بذلك، فقال الابن بفخر أريد أن اتزوج خالتي، ليشعر الأب بحرج شديد أمام الناس الذين ضحكوا وسخروا فقال لولده بصوت عال.. ولا يوم العيد فأنت ممنوع من الكلام إلى الأبد.
هل للشرفاء والغيورين في الحزب الحاكم أن يتدخلوا لوقف تلك المهزلة,وهل لديهم القدرة على اقناع الرئيس برفع دعمه عن البركاني وزملائه السفهاء الذين تكاثروا في بيئة كانت السبب الأول في تراجع أخلاقيات مجتمعنا، ومدعاة لطلب اعضاء من البرلمان مناقشة الموضوع مع أنه ناتج عن السلطة التي تحتضن البركاني ومثله الكثير.
بسفاهته صار البركاني “رئيس كتلة” ولأجل نسف ما تبقى من أثر قيم وأعراف القبيلة الحقيقية، تم وصفه ومنحه لقب “شيخ مشايخ” مع أن الشيخ في القبيلة مثال للحكمة والإلتزام والورع، ومصدر للقيم والخير والحياء، ومانع للعيوب ومسكت للسفاهة. وتلك أمور لا يمكن لـ”شيخ المؤتمر” البركاني من امتلاكها، لذلك فالقبيلة ترفض وجوده في صفوفها لأنها تعيب كل سفيه يسخر من الناس ويتطاول عليهم. غير أن البركاني بإمكانه أن ينال منصبا يتوافق ومهمته التي يجني من ورائها المال والجاه والقرب من ولي الأمر، ويتمثل ذلك المنصب في “شيخ السفهاء”,إذ ليس من المعقول أن يظل السفهاء وما اكثرهم في عهد الصالح,بدون مرجعية ترعاهم وتحدد حركتهم وتمنحهم الإلهام والثقة، وتوصلهم إلى المقاصد والغايات المكفولة في نظام الرئيس علي صالح منذ 17يوليو 1978.
Leave a Reply