“لحظة التخلي”!!..
لولا وليد جنبلاط في مقابلته الأخيرة مع غسان بن جدو في قناة “الجزيرة”، ما كنا لنعرف شيئاً عن هذا المفهوم الديني عند الدروز، التخلي. ولكن، إذا كان الله قد تخلى عن وليد جنبلاط، فلماذا تلقف “حزب الله” الزعيم الدرزي في محنته، وبذل كل تلك الجهود والوساطات لتسوية الأزمة مع السوريين، خاصة وأن زعيم الحزب كان قد أعلن في وقت سابق براءته من أبو تيمور، في الدنيا وفي الآخرة؟!..
والجواب الكبير، عن هذا التساؤل، هو الانتخابات النيابية الأخيرة التي ربحتها الموالاة، ولم تحسن استغلالها، لا بالضربة القاضية، ولا بالنقاط، إلى الدرجة التي فقدت فيها “الانتخابات” معناها، تحت مقولات سياسية مخاتلة، مثل “الديمقراطية التوافقية”. والسؤال الثاني في هذا الخصوص.. ما هو معنى الفوز في الانتخابات إذن، وما هو معنى “الأغلبية النيابية” في “الديمقراطية التوافقية” اللبنانية؟!. وإذا كانت “الديمقراطية التوافقية” تعني مشاركة “الأغلبية” و”الأقلية” النيابيتين في الحكومة، فما هو مبرر عملية “الانتخابات” إذن؟. أيضاً ليس من السهولة الإجابة على هذا السؤال، فالإجابة الحقيقية والواقعية عن هكذا سؤال، سيقود إلى حرب أهلية جديدة، ولكن من قال إن الحرب الأهلية اللبنانية قد توقفت. ثمة حرب أهلية باردة في لبنان، مستمرة، ولا علاقة لها بالحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي..
ومشكلة وليد جنبلاط أنه توقف عن “حك رأسه” وعن البحث عن الحلول في دماغه. وورطة هذا الرجل، أنه وضع زيارة سعد الحريري إلى دمشق، شرطاً لزيارته، ولكن ما حاجة السوريين إليه، إذ استطاعوا “مصالحة” الحريري؟.
لقد ذهب سعد الحريري إلى الشام، واُستقبل على ذلك النحو الحميم والأثير والدافئ الذ يداعب الأمزجة اللبنانية. ولم تنجح الزيارة في رأب الصدع، وفي تنقية الأجواء بين النظام السوري والشارع السني اللبناني، فعاودوا الاستجابة إلى “الرغبة” الجنبلاطية، واللعب عليها، بالطريقة المثلى المثيرة لغرائز الجمهور، بعدما كان المطلوب.. مجرد إذلاله، وتلقينه درساً لا ينسى، وقد حصل هذا الأمر، وإن لم يكن بالشكل الأمثل.
ولكن تبقى ثمة شوكة جارحة في الموضوع، لا سبيل لانتزاعها. فجنبلاط أخرج الصيغة النهائية بتوقيعه الخاص، على شاكلة “الأبطال الإغريقيين” الذين يذهبون إلى مصيرهم بكل استسلام وبرودة أعصاب، اعتقاداً منهم أن لا سبيل ولا فكاك من أقدارهم ومصائرهم، ولكن أبو تيمور أرادها “بطولة إغريقية” من النمط الجنبلاطي، تنتهي بـ”قتله” نفسه، على المذبح السوري قرباناً للتكفير عن آثامه، و”لعبه” مع السوريين.
لقد سامح وليد جنبلاط قتلة أبيه، وأكثر من ذلك، قام بـ”اغتيال” نفسه سياسياً، وتقليد ابنه زمام الزعامة. وبدا في المقابلة مرتاحاً إلى حد ما، وقد ظهر كلبه الـ”تشي واو” الأبيض، بدل من كلب الـ”جيرمان شيبرد”، كلب الرعاة الألمانيين-الذئب.
وفي اللقاء القريب المنتظر، بين الأسد وجنبلاط، سيكون اللقاء مملاً ومضجراً، بين شخصين لم يستطع الأول إذلال خصمه حتى الدرجة الكاملة، ولم يستطع الثاني تقديم “الاعتذار” الكامل!!..
في المصالحات السياسية، من هذا الطراز، يحرص المنتصر على إيجاد “مخرج مشرف” لخصمه، الأمر الذي لم يقم به السوريون، والذي.. قد يضع مقولة “سوريا أقوى وهي خارج لبنان” على المحك، مقولة قد يثير الشكوك حولها تصرف جنبلاط الأخير، في الحفلة التي اغتال نفسه بها.
على شاكلة الساموراي المحارب، هناك ساموراي سياسي أيضاً. وهذا يعني أن النفق مازال على حاله، طويلا ومعتماً..
Leave a Reply