كما في المسرح الفني، كذلك في جميع أنواع المسارح الأخرى: السياسية والاجتماعية والدينية، توجد عروض يمكن أن نطلق عليها عروض الـ”ون مان شو”. ويحتاج هذا النوع من “العروض” إلى إمكانيات كبيرة ومواهب أصيلة، لأنه ليس من السهل ملء الخشبة وإقناع الجماهير بجدوى الحضور والإنصات. مع الأخذ بعين الاعتبار أن معظم الناس يبذلون جهوداً جبارة، من باب المجاملة أو اللياقة أو الكياسة أو الأدب العام، في حضرة “القادة” والناشطين والمتكلمين، في الوقت الذي تستوجب فيه خطاباتهم وأداءهم وكلماتهم أمطاراً من البندورة والبيض الفاسد.
ويوجد على “الفيسبوك” مجموعة اسمها “لنلقِ البندورة والبيض الفاسد على العروض الرديئة”!
ويحلو للبعض أن يسوق مقارنات قديمة، أكل عليها الدهر وشرب. وكمثال على ذلك، يحلو للكثيرين أن يعقد المقارنة بين “العقل” العربي وبين “العقل” الياباني، مثلا. وينتهي الجميع إلى النتيجة ذاتها، والتي تتلخص بأن “العقل” العربي عقل فردي، على عكس “العقل” الياباني الذي هو عقل جماعي. وهذا يعني في جملة ما يعني، أن العقل العربي يبدع حين يعمل منفرداً ويتراجع أداؤه عند العمل ضمن فريق متعدد الأفراد والعناصر.
وهذا ليس صحيحاً بالضرورة، والدليل على ذلك أننا استوردنا جميع أنواع الفنون الدرامية، وبرعنا فيها، ما عدا فن الـ”ون مان شو”، إلا على نطاق ضيق، لأن هذا الفن يحتاج كما تقدم إلى موهبة لا تصدأ وإلى منجم لا ينضب من الأفكار وأدوات التعبير..
والواضح أننا نستعمل تقنية الـ”ون مان شو” في جميع المجالات ما عدا.. المسرح. ومعروف أنه ليس لدينا ممثل أو فنان واحد يعمل في هذا النوع من التمثيل، أما في أنواع التمثيل الأخرى، فالسياسيون والناشطون والمشايخ ورجال البيزنس، (وخاصة من فئة آراب أميركان بيزنس مان) يستعملون هذه التقنية..ويقومون بأداء “عروض” و”مسرحيات” و”أفلام” في جميع المناسبات، من دون أن يكونوا قادرين على إضافة شيء، أو إحداث أي تبديل، ناهيك عن الضجر والملل الذي يسببه حضورهم..
بدل العروض والمسرحيات والأفلام.. لنقل “الأفلمة”!..
وصعوبة العمل في عروض الـ”ون مان شو” تأتي من صعوبة تطوير الموقف الدرامي من قبل شخص واحد ما لم يكن ذكياً وملهماً وحساساً بدرجة كبيرة، أما في الفنون التمثيلية الأخرى، فيقوم عدد من الشخصيات بتطوير المواقف والأفكار التي ينتج عنها.. ما يسمى “الخط الدرامي”. وفي السياسة كما في الفن، يحتاج أي موقف أو قضية إلى عدد من الأشخاص للتعامل معه، في إنتاج ما يسمى الرؤية السياسية، وهذا الأمر غير موجود لدينا بالطبع، ليس بسبب الثقافة الديكتاتورية التي جئنا منها، بل بسبب الورم الذاتي الذي نعاني منه، وفي هذا السياق فقط يمكن أن نفهم كيف يترشح عرب أميركيون لشغل مناصب حكومية ورسمية ويفشلون في جمع حد أدنى من الأصوات.. حد يعكس حجم هذه الجالية وتاريخها في هذه المنطقة.
والتمثيل ليس فقط في الفنون، بل إن عدد الممثلين الذين يعيشون بيننا أكبر بمئات المرات، من عدد الممثلين الذين نراهم على الشاشات.
في الأيام القادمة، نحن على موعد مع فيلم فيه الكثير من الدراما الدينية والأكش الفقهي ولكن من المتوقع ألا يشهد إقبالاً جماهيريا على النحو المأمول، لأنه بطل الفيلم من نفس الفئة إياها، فئة الـ”ون مان شو”..
Leave a Reply