سباق الحاكمية: بيان مخيّب للمرشحة الديمقراطية يخفض أسهمها في الجالية
بعد أقل من شهر على فوزها ببطاقة الحزب الديمقراطي في سباق حاكمية ميشيغن، لم تتردد المرشحة غريتشن ويتمر في تأكيد ولائها الكامل لإسرائيل ومعارضتها المطلقة، «١٠٠ بالمئة»، ضد «حركة مقاطعة إسرائيل» (بي دي أس)، لتثير خيبة أمل واضحة في أوساط الناشطين العرب الأميركيين، بمن فيهم من أعلن بوضوح عن فقدان ثقته بالمرشحة الديمقراطية.
وفيما تؤكد حملة السناتور السابقة في مجلس شيوخ الولاية، بأن تعليقات ويتمر الأخيرة جاءت رداً على «افتراءات لا أساس لها» من منافسها الجمهوري بيل شوتي و«كلابه الحزبية الهجومية» باتهامها «بالإخفاق في الدفاع عن إسرائيل» في محاولة منهم «لتشتيت انتباه الناخبين عن مواقف شوتي في قضايا أخرى»،
وقد سارعت المرشحة الديمقراطية، بمشاركة نائبها غارلين غيلكريست، إلى إصدار بيانين صحفيين، شدّدا فيهما على دعمهما الثابت لدولة الاحتلال، واعتبرا حركة «بي دي أس» مضرّة بالعلاقات الوثيقة بين ولاية ميشيغن وإسرائيل.
وكان موقع «واشنطن بيكون» المحافظ قد نشر تغريدات ومواقف قديمة لغيلكريست يعود بعضها لعام ٢٠٠٩، ينتقد فيها العدوان الإسرائيلي على غزة ويؤكد على شرعية حكومة «حماس».
وعلق شوتي على تصريحات غيلكريست القديمة بالقول «إنها معادية لإسرائيل ودليل آخر على رؤية غريتشن ويتمر بأخذ ميشيغن في انعطافة حادة إلى اليسار تحت الأجندة الأكثر تطرفاً في تاريخ ميشيغن»، مؤكداً على أن الناخبين سيرفضون هذا المسار في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
تناقضات مخيبة
وكانت ويتمر قد استأنفت حملتها الانتخابية لسباق الحاكمية من مدينة ديربورن ذات الكثافة العربية، في 27 آب (أغسطس) وقد قوبلت بالتصفيق الحار حين ردت على سؤال حول موقفها من «حركة مقاطعة إسرائيل» بالقول إنها ستستخدم –في حال انتخابها– كل سلطتها «لحماية حرية التعبير».
غير أن إجابة ويتمر الغامضة على مستوى ديربورن سرعان ما تبخرت على مستوى الولاية، من خلال البيان المخيب الذي كتبت فيه ما لم تجرؤ على قوله أمام مئات الناخبين الذين حضروا لدعمها انتخابياً في «المتحف العربي الأميركي» بديربورن قبل أسبوعين.
بدوره أيضاً، تراجع غيلكريست بسهولة عن مواقفه السابقة وقال: «أنا وويتمر نؤيد المجتمع اليهودي وإن حركة مقاطعة إسرائيل تضر بعملية سلام حقيقة، ولأكون واضحاً فأنا أؤيد دولة إسرائيل كحليف هام لولايتنا، وللولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كما أنها الوطن الأم للشعب اليهودي». وأضاف «أعتقد أن الطريق إلى السلام هو حل الدولتين، وإن الجماعات الإرهابية مثل حركة «حماس» تهدد ذلك السلام».
غيلكريست، الذي يشغل حالياً منصب المدير التنفيذي لـ«مركز مسؤولية وسائل التواصل الاجتماعية» في «جامعة ميشيغن»، تراجع عن مواقفه السابقة بالقول: «لقد خضت في قضية جيوسياسية معقدة، وأدليت بتعليقات حول صراع لم أفهمه بشكل كامل».
أما قبل ٩ سنوات، فقال غيلكريست: «أشعر بالتقزز من السياسيين والإنجيليين الذين يقبلون مؤخرة إسرائيل بغض النظر عما يفعلونه باسم ذلك الدفاع».
وفي موقف آخر، دعا غيلكريست الرئيس الأميركي –حينها– باراك أوباما، إلى إنهاء السياسة الأميركية القائمة على أن إسرائيل لا ترتكب أخطاء، واصفاً حركة «حماس» بأنها «حزب سياسي منتخب جاء إلى السلطة، بسبب اعتداءات إسرائيل ودعم الغرب لها».
دعم إسرائيل
وفي بيانها، قدمت ويتمر أمثلة عن مشاريع القوانين التي اقترحتها لدعم إسرائيل حين كانت تتزعم الديمقراطيين في مجلس شيوخ ميشيغن في الفترة الممتدة بين 2006 و2015.
ففي عام 2012، رعت ويتمر وساعدت في تشكيل ائتلاف من الحزبين لتمرير قرار مجلس الشيوخ رقم 126 الذي أعاد التأكيد على أهمية العلاقة بين ولاية ميشيغن وإسرائيل.
ونص القرار: «إن الولايات المتحدة الأميركية، كانت أول دولة تعترف بإسرائيل كدولة مستقلة عام 1948، وإنها الحليف الرئيسي لإسرائيل بالفعل. كما أن إسرائيل هي أعظم صديق للولايات المتحدة في الشرق الأوسط».
وفي 2008، رعت ويتمر وساعدت في تمرير قرار مجلس الشيوخ رقم 191 الذي احتفل بالذكرى الـ60 لقيام دولة الاحتلال. وجاء في القرار: «إننا نعيد التأكيد على روابطنا العميقة من الصداقة والتعاون، وإننا نلتزم بتعزيز هذه العلاقات ودعمنا لحق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها بمواجهة تهديدات أمنها».
وأضافت ويتمر في بيانها: «الحقيقة هي أنني في مجلس شيوخ الولاية، قمت –بكل اعتزاز– برعاية قرارات لأوكد على الشراكة غير القابلة للانفصام بين ميشيغن وإسرائيل»، مضيفة «أعتقد أن حركة مقاطعة إسرائيل هي إهانة لهذه العلاقة وأنا أعارضها مئة بالمئة، وأنني أؤيد بقوة، التشريع المناهض لـ«بي دي أس» الذي وقعه الحاكم (ريك) سنايدر في العام الماضي، وسوف أبذل كل ما بوسعي لدعمه كحاكمة لميشيغن في المستقبل».
وكان سنايدر قد وقّع في كانون الثاني (يناير) الماضي، قانونين يحظران على الولاية التعاقد مع الأشخاص أو الجهات، ما لم تتضمن العقود إقراراً بأنهم لم ولن يشاركوا في المقاطعة التجارية لـ«شريك استراتيجي»، في إشارة إلى الدولة العبرية.
وتم تمرير القانون تحت عنوان حماية اقتصاد الولاية التي تقيم علاقات تجارية واقتصادية مع إسرائيل بعشرات ملايين الدولارات سنوياً، وتشتمل العلاقات بينهما على العديد من القطاعات التجارية الرئيسية، مثل البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا والدفاع والعلوم الصحية.
ناهيك عن انحيازها الفاضح لدولة الاحتلال وتجاهلها لحقوق الفلسطينيين، يرى بعض السياسيين والناشطين الحقوقيين أن قوانين مكافحة «حركة مقاطعة إسرائيل» تشكل انتهاكاً صريحاً للحقوق المدنية، لأنها تجرم فعل المقاطعة التجارية المكفول بموجب التعديل الأول من الدستور الأميركي، وكذلك بقرار من المحكمة الدستورية العليا حمت بموجبه حق السود بمقاطعة الأعمال التجارية المملوكة للبيض في ولاية مسيسيبي خلال ستينيات القرن الماضي.
فقدان الدعم العربي الأميركي؟
على ضوء موقفها المخيب للجالية العربية لاسيما الشباب الذين انخرطوا بشكل متزايد في صفوف الحزب الديمقراطي خلال السنتين الماضيتين، قد تتضاءل فرص ويتمر بالفوز على منافسها شوتي، الذي يحظى بدعم الرئيس دونالد ترامب.
ويعرب أنصار ويتمر في أوساط الجالية عن خشيتهم من أن تتراجع فرصها في التغلب على المرشح الجمهوري في نوفمبر المقبل، كما حصل مع هزيمة هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة التمهيدية بميشيغن في آذار (مارس) ٢٠١٦.
وكان العرب الأميركيون قد أقبلوا بمعدلات غير مسبوقة على صناديق الاقتراع في انتخابات أغسطس الماضي، لدعم المرشح العربي الأميركي عبدول السيد الذي خسر أمام ويتمر في الجولة التمهيدية من سباق حاكمية الولاية.
ويشكك الكثيرون في أن يظهر الناخبون العرب الحماسة نفسها لصالح ويتمر التي انبرت بكل حماسة لتأكيد دعمها المطلق لإسرائيل، متجاهلة ردود فعل الجالية العربية التي تتركز في ولاية ميشيغن، خاصة وأن لدى الكثيرين منهم جذور عميقة وعلاقات وطيدة مع أوطانهم الأم التي تعرضت لوحشية الاحتلال والعدوان الإسرائيلي.
السيد –من جانبه– كتب تعليقاً على صفحته على «فيسبوك»، أعاد فيه التأكيد على دعمه لمنافسته السابقة، مستدركاً بالقول: «إنه من الضروري أن تلتزم حاكمتنا القادمة بالحماية الكاملة لحرية التعبير»، مؤكداً: «أن تنفق أو لا تنفق، إنه حقك باستخدام أموالك كما تريد، وهذا الحق هو حق عميق يضمنه لنا الدستور».
أضاف: وفقاً لـ«الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» فإن سياسات مكافحة «حركة مقاطعة إسرائيل» تنتهك هذا الحق، وسواء أكان الوقود الأحفوري أو أسلحة الحرب، أو أي بلد آخر، يستحق الميشيغندريون معرفة أنه ستتم حمايتهم وليس معاقبتهم على خياراتهم حول كيفية صرف أموالهم»، لافتاً إلى أن قوانين مكافحة «بي دي أس» «ساهمت في تهميش المجتمعات الملونة».
من جانبه، قال الناشط والكوميديان العربي الأميركي عامر زهر إنه «لا يستطيع دعم ويتمر بعد إدلائها بتصريحات غامضة ومتضاربة فيما يتعلق بحرية التعبير، وأضاف في تصريح لـ«صدى الوطن»: يردد السياسيون باستمرار أنهم لا يتفقون مع «كي كي كي» (كو كلوكس كلان)، ولكنهم يقولون إنه من حق الجميع إبداء الرأي، أما عندما يتعلق الأمر بفلسطين فتجدهم يريدون تمرير تشريعات لتجريم الآراء ووجهات النظر»، مؤكداً أنه «كعرب أميركيين لا يمكننا دعم ذلك».
زهر، الأستاذ المساعد في كلية القانون بـ«جامعة ديترويت ميرسي»، أكد على أن ويتمر ستخسر الكثير من أصوات العرب الأميركيين في الانتخابات العامة، مشيراً إلى أن ترامب فاز في الولاية بحوالي 10 آلاف صوت فقط، وأن إقبال العرب الأميركيين على صناديق الاقتراع في نوفمبر القادم، سيكون حاسماً في نتائج الانتخابات العامة.
وقال: «هيلاري كلينتون لم تتطرق قط لقضايانا، على عكس بيرني ساندرز، ونأمل أن تتعلم ويتمر من ذلك الدرس، لأننا كمجتمع نصوّت ككتلة»، لافتاً «لقد كنا لفترة طويلة نشيح بأنظارنا (عن فلسطين) ولكن حان الوقت لكي تكون فلسطين في المقدمة وفي المركز».
من ناحية أخرى، أكد عضو مجلس ميشيغن التشريعي، النائب العربي الأميركي عبد الله حمود (ديمقراطي–ديربورن) على أن قوانين مكافحة «بي دي أس» «غير دستورية»، معرباً عن أمله بألا تردع تصريحات ويتمر المؤيدة لإسرائيل ما يكفي من العرب الأميركيين عن التصويت بشكل يضر بحظوظها الانتخابية.
وفي حديث مع «صدى الوطن»، برر حمود انعطافة ويتمر نحو تأييد الدولة العبرية إلى الضغوطات من المجتمع اليهودي الأميركي، ولكنه لفت إلى أن «معظم العرب الأميركيين يشعرون بأن انتخاب شوتي سيكون أكثر ضرراً على قضايا مجتمعهم»، داعياً العرب الأميركيين إلى «تقوية علاقاتهم» مع المرشحين في مراحل مبكرة من حملاتهم الانتخابية، «لتثقيفهم حول القضايا التي تهم المجتمع»، وقال: «لن ننسحب.. المجتمع العربي الأميركي ينضج.. لدينا موارد وعلينا أن ننشط في الأماكن الصحيحة لإجراء المحادثات بالتوقيت المناسب»، مؤكداً على ضرورة «استخدام القوة التي اكتسبناها لبناء الجسور والشراكات.. كسبيل لعزل العدو».
رئيس العلاقات العامة في «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، وناشر صحيفة «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، أشار إلى أنه تحدث مع المرشحة الديمقراطية عقب إصدارها للبيان، معرباً لها عن «استيائه من مضمونه».
وطلب السبلاني من ويتمر عقد اجتماع حول الموضوع لأن «مسألة شديدة الحساسية كهذه لايمكن تجاهلها أو التغاضي عنها.. خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعديل الأول في الدستور الأميركي»، بحسب تعبيره.
Leave a Reply