في زحمة الموت المستمرة في الشرق الأوسط لا ينأى لبنان بنفسه عن الدم وتدخل ممالك «الفينيقيين» الأحفاد من طرابلس إلى بيروت إلى صيدا في حالة مرضية من العنف الذي يحصد قتلى وجرحى هنا وهناك ثم يأتي وزير الداخلية بعد ذلك ليمسح الدماء بذقنه ويبشرنا بأنه عفا الله عما مضى، وبأن الجيش تولى الأمن إلى جانب الدفاع وعود إلى بدء.. تستمر الطاحونة بتوليد الدم و.. الأكاذيب.
ساعد الله هذا الجيش الأنموذج الوحيد في العالم الذي يستمر منتشراً دون استراحة ويقيم على تقاطعات الطرق وتحت الجسور وبين الأحياء المتقابلة وعلى فوهات براكين «الزواريب» وعلى مداخل «معسكرات» اللاجئين الفلسطينين وغداً على مدخل «معسكرات» اللاجئين السوريين والجيش الحر وعلى حدود الطوائف والمذاهب والفئات والجهات.
الله.. الله يا اللبنان، كم امرأة فيه ولاّدة للعنف؟ وكم امرأة فيه ولاّدة للموت؟ كم مدينة فيه لم تشبع من كل التاريخ المتشبع بالدم؟ وكيف إنقلبنا على أنفسنا؟
هل تراها لعنة «أشعيا» لموانئ البحر لأنها قالت لأورشاليم: أف..؟!
في الماضي كانت صيدا تقاتل الغزو الأجنبي وتحرق نفسها ولا تستسلم للغزاة وكانت طرابلس معقلاً وموقعاً مقاوماً للغزوات الصليبية حتى أنه لازال فيها من هم من نسل صلاح الدين الأيوبي.
وكانت بيروت على الدوام تشهد على خروجنا من الحصار إلى الطوفان؟
أليست بيروت شاهدة على خروج أحمد باشا الجزار وعسكره بحراً بعد حصاره؟ أليست بيروت شاهدة على خروج المقاومة الفلسطينية إلى التيه في صحراء «تيبس» واليمن وتونس و..مملكة الرماد.
الآن مايحدث هو أننا نتوتر، أو أن «المؤامرات» تدفعنا لأن نكون متوترين سياسياً أو طائفياً أو مذهبياً.
ثم أنه يجري تمويل التوتر وتحشد وتسليح التوتر. ثم أن حادثاً يقع ويجري إطلاق النار فيموت من يموت وينجرح من ينجرح.. ثم يجري التشييع المسلح لـ«الشهداء». ثم ننسى و«الميت بتروح عليه»!
سبعة عشر عاماً من حرب أهلية مدمرة ويبدو أننا لم نتعلم شيئاً! هل ترانا نأخذ بأيدي بعضنا البعض إلى الهلاك؟ أي معجزة سنحتاج غداً لنصل بين ممالك الساحل وغداً أيضاً بين «فيدراليات» الطوائف والمذاهب؟
كيف يمكن لأي منا أن يصبح مواطناً أممياً في لبنان يستطيع المرور عبر كل أنماط السلطات التي ستحكم الأرض ليصل إلى اللامكان؟ هل ترانا دخلنا إلى وطن الفراغ؟
أنا خائف ومكتئب وقلق و«حالتي حالة» ومصدوم و..
يا سامعين الصوت.. يا اللبنانيين إني أحذركم من الذهاب بأنفسكم إلى حقول الفراغ لزراعة الريح وحصاد عواصف الدم.
أنا قلت لكم ومن لم تقطع فيه الكلمة اليوم لن يقطع فيه السيف غداً!
Leave a Reply