ياريت، إنت وأنا بالبيت. بشي بيت أبعد بيت. ممحي ورا حدود العتم والريح، والثلج نازل بالدني تجريح. يضيع طريقك وما تعود تفل، وتضل حدي تضل، ويزهر ويدبل ألف موسم فل، وتضل حدي تضل.. وما يضل بالقنديل نقطة زيت.. ياريت!!..فقط أغمض عينيك وأنت تنصت إلى جارة القمر، الرائعة فيروز تغني هذه الكلمات كتسابيح الملائكة في ملكوت السماء الشاسع، فتدرك جيداً أن السماء تمطر نجوماً وأقماراً. انزل درجات السلم حتى قاع أعماقك حتى تلامس مؤونة الدفء الروحي مخبأة في جيوب قلبك الأربعة. اجعل الزمن الهارب من حولك يتوقف في لحظة حب حقيقية، لحظة قد تكون أطول من الأبدية، فتدرك أن الأبدية كلها لحظة حب لا أكثر.لحظة عزيزة وغالية تستعصي على النسيان حين يجمعك الزمن مع من تحب في بيت بعيد عن الحياة المدنية السريعة. بيت صغير «ممحي ورا حدود العتم والريح»، بدون كهرباء، بدون تكنولوجيا، بدون تدفئة مركزية، وبدون جيران، عندها تشعر أن عيون من تحب أضاءت المدى كله وتضاءل العتم ليغدو نوراً من عطر الصباح.تشعر عندها، أن همسات من تحب من دفء وحنان، تنسيك البرد والثلج وطريق العودة الضائع!تكمن روعة كلمات هذه الأغنية في إضرام نار كانت قد خمدت، وإيقاظ أنبل ما في العواطف البشرية، وفي الأحاسيس المنسية بين الحبيب والحبيبة، وإقناعنا بأن تلك العاطفة الجميلة المضيئة لم تمت في أعماقنا المترعة بالحنين والحب، بقيت متروكة في زوايا القلب المتعب في اللهاث وراء ماديات الحياة وأزماتها. إنها أغنية تحكي الرغبات من دون الوقوع في الدعوة إلى الإثارة والشهوة. كلما سمعت هذه الأغنية بصوت السقفيرة فيروز، أشعر برهافة كلماتها البسيطة التي تسمو عن الأغاني الهابطة المتكاثرة في سلة الحب الاستهلاكية. «يا ريت» أغنية كلماتها تفتح في قلبي مزاريب الذكريات الجميلة، وترجعني حافية في بلاط الحب والأشواق في شتاءات وطني الجميل، الحبيب الصغير لبنان، وتجدد عندي نضارة الحب الطاهر النقي مثل هذا الثلج الذي يغمر ديربورن كلها!تخيل هذا الحب الجارف كله يجمعك في مكان بعيد و ناءٍ مع من تحب. حب يملأ داخلك ويفيض إلى الخارج فيزيل الهم والحزن والاكتئاب. لحظات تنسى فيها المطرح والزمان عندما تنظر إلى وجه من تحب وتسمع صوته وتلمس رعشة يديه، فيندفع في شرايينك الدموية دماً نقياً طالباً خالياً من الدهون. دماً مشبعاً بالأوكسجين الحيوي لدقات قلبك، وبدون الحاجة إلى طبيب القلب ودوائه ينقلب فؤادك إلى قلب دافئ في صدر عاشق، مملوء بالرهافة والحيوية والمسؤولية تجاه من يحتضنك معه دفء البيت البعيد. يجمعك به بعيداً عن سلال الورد وبطاقات الحب الباردة ودعوات العشاء في المطاعم الفاخرة الفقيرة للدفء الإنساني والمختنقة أجواؤها بالأغاني العابثة، بعيداً عن استعمال أسلاك الكمبيوتر لتسخين كلمات الحب «البايتة» عبر الإيميل أو التلفون عندها سوف تركع وتصلي، وترجو زهرة القرنفل المدللة التي تزهر زهرة واحدة بالسنة، وتطلب منها أن تزهر وتدبل «شي ميت مرة» حتى ينطفئ قنديل القمر.في عيد الحب، يا وطناً بعيداً قريباً، أهديك حبي النقي كهذا الثلج الأبيض وأتمنى لك أن ترتاح من حب زعمائك الخانق الأسود. يا ريت!!..
Leave a Reply