يا سيد المحبة والسلام، يطل ميلادك علينا هذا العام وبلاد الشرق في حيرة من أمرها. الصراع العنيف الذي اكتسحها خلال السنوات الماضية أنهك قواها، وقطّع وشائجها ورسم لها صورة ممزقة، ضاعت فيها آثار الماضي وآمال الحاضر.
يطل ميلادك هذا العام علينا، نحن من نعيش في وطن آخر. عيد آخر وغصة أخرى وموت آخر، في زمن متوحش تلتهم فيه ليلى الذئب وتقتل جدتها وتهيم على وجهها داخل دهاليز عالم اقتراضي بارد وقاس تنعدم فيه الألفة والمودة والحنان.
في يوم ميلادك المبارك يذكر ملايين البشر خالقهم ويتطلعون إليه شاكرين ومتضرعين إليه أن ينشر السلام والمحبة بين الناس. أليس من المفارقات، أليس من أتعس المفارقات، أن نفتقد السلام في البقعة التي أتيت إليها حاملاً لأراضيها السلام ولنفوس ناسها المسرة. يا سيد السلام والمحبة، رفض أحفاد قايين قبول سلامك وأقاموا جدراناً عالية حتى لا يدخل قلوبهم الباردة دفء مسرتك.
عيد ميلادك صار مناسبة استهلاكية ومهرجاناً للأضواء تسر العين ولا تخدع القلب، فخلف تلك الزينات البراقة ثمة حزن وضيق، مثل اختباء الدودة داخل الثمرة الشهية، ووراء الدكاكين المزدحمة بالثياب الثمينة والمجوهرات الفخمة والأزهار الجميلة والأطعمة الشهية، وراء ذلك، مشاهد حزن وعوز ينخر قلب المجتمعات المتخمة بإنكار الإنسان لأخيه الإنسان.
قشرة الأعياد ومباهجها تغطي جراحاً عميقة اسمها التعاسة والفقر والعزلة، يزداد فيها مهمشون ويموتون على قارعة الشوراع والأرصفة وسط لامبالاة الأغنياء والمترفين المصابين بأمراض التشاوف الاستعراضي الذي لا يحده خجل أو تعاطف مع المعوزين.
هنا في محيط ديترويت الكبرى، تتجاور الأماكن والبيوت تصل سيارات محظوظيها الفارهة حتى المصعد تجنباً لبرودة الطقس القارس، وفي أماكن أخرى من الصفيح أو الكرتون لا يجد ساكنوها ما يسدون به رمقهم، أو فراشاً يلتحفونه.
يا سيدنا المسيح، يا سيد المحبة وأميرها. يا ملك السلام، سامحنا أيا كانت أدياننا وطوائفنا. لقد أعمت قلوبنا اللامبالاة ونسينا المحبة. البيوت مضاءة بأشجار الزينة وحولها الهدايا والأيدي بانتظار فض الأشرطة الملونة، لكن هل في القلوب مسرة، وهل على الأرض السلام؟ تذكرنا كل شيء يا سيدي، الهدايا والأصدقاء والأحباء والطعام والشراب وثياب السهرة، بينما.. الصلاة لا تتعدى الشفاه، الألفة لا تطرق قلوبنا، وعيوننا فارغة إلا من الحسد والنهم لامتلاك كل شيء.
لقد نسيناك، نسينا الطفل الذي أراد الله ولادته في مذود بسيط، لا في قصر منيف. أرادنا أن نأتي إليه جميعاً ونفرح بولادته وقدومه المبارك بدون حراس وحدود وسدود.
لا أريد إفساد فرحة وبهجة عيد ميلاد المسيح الذي جاء لخاصته فأنكروه واضطهدوه، بل أريد أن أفرح مع الرعيان البسطاء الذين جاؤوا من بعيد حاملين هداياهم المتواضعة المملوءة صدقاً وإيماناً بأن المولود المبارك هو نور العالم في عتمة البغض..
اسمع يا سيدي.. أنا المسلمة أريد أن أقطف وردة بيضاء من إيماني النابض بحبك منذ عصور، وعبر المسافات البعيدة أمد يدي لأهديها لمذودك المتواضع هامسة: ميلادك مجيد يا سيد المحبة!
Leave a Reply