بقلم: كامل محمود بزي
حين أشرع بالحديث عن أستاذي الشاعر يحيى شامي، أجدني منجرّاً إلى صفته الأدبيّة، كمربٍّ فاضل، وكاتبٍ ملتزم، وإنسانٍ شاعر، يمرّ على القصيدةِ مرورَ الإلفِ لإلفه، والحبيب لحبيبته، حيث يعطيها من نبضِ روحه، وفيضِ وجدانه، وعفويّته الصادقة، ولغته الإبداعيّة بحيث يأسر بين أبنيتِها الفِخامِ العقلَ والقلبَ معاً.
وإذ أديرُ وجهي إلى سيرته العطرة، أراه قد تشرّفَ به المقعدُ الأستاذيُّ الجامعيّ، الذي حرص من خلالِ منبرهِ على تحصين طلّابِهِ الجامعيّين بكلّ ماهو رصينٌ وممتعٌ ومفيد، كما حاله مع طلّابه في الثانويّة والمرحلة التكميليّة من قبل، الذين تشرّفتُ أن أكونَ واحداً منهم، ذلك الحرص النابض بالمعرفة الثرّة، فأسهم في تخريج أجيالٍ من الطلبة، تغذّت عقولهم من منابع اللغة الصافية والأدب الملتزم والرؤى المضيئة، حتّى إذا ولجَ عالَمَ الكتابةِ والبحث، قدّمَ المعلومةَ الدقيقة، بأسلوب السهل الممتنع، يستمدّ من تربيته الدينيّة ما يغني توجّهَه الأخلاقيَّ الرفيع في الكتابة، التي أرّختْ سيرةَ فقهاء ثقاةٍ وعلماء أفذاذ، وشعراء وأدباء نابهين، تركوا بصماتهم اللامعة في سجلّات التاريخ العربيّ الإسلاميّ الناصع، لماضي وحاضر جبل عامل الأبيّ.
تنوّعت الموضوعاتُ الشعريّة التي جالَ في فضاءاتها، فهو بالإضافة إلى تناوله الوجدانيّات الطافحة بالرقّة والغور في أعماق النفس الإنسانيّة لاكتشاف الجماليّات الكامنة فيها، فقد أخذت موضوعات من مثل شخصيّات مؤثّرة في حياته العقيديّة أو أماكن مرابعه ومدارجه التي غالباً ما يشدّهُ الحنين إليها، ومن الأمثلة على ذلك، يقول في قصيدته «الغديريّة»:
آلُ الرسولِ ومن يعدو فضائلهم
إذا تفاضلَ أهلُ الأرضِ أو فخروا
آلُ الرسولِ وحسبي أنّني لهجٌ
فيهم أذوبُ حنيناً كلّما ذُكِروا
ردّدتُ في مسمعِ الدنيا مناقبَهم
كيما أفوزَ بكأسٍ ما بها كدَرُ
ثمّ يقوده الحنين إلى أن يذرفَ الدمع السخين على فقدان من كان له الفضل الأكبر في بذر التربية الأخلاقيّة والدينيّة في نفسه، وهو العلّامة المجتهد السيّد عبد الرؤوف فضل الله حيث يرثيه:
ألا ياعينُ فابكي لا تضنّي
على الأشرافِ بالدمعِ الذريفْ
مزيداً منه لا تخشَيْ نفاداً
وذا كبدي، فمن دمِهِ النزيفْ
كما أعطى الشعرَ من نفسهِ رقّةً وحنيناً إلى الماضي الجميل، ماضي بنت جبيل، حيث مأواه الأوّل، تلك البنت جبيل الصابرة الصامدة التي وقفت منتصبةَ القامة مرفوعةَ الرأس، فلوّنت أشعارَه بألقها، وروّت عطشه الدائم إلى ذكريات اليفاعة والشباب..إلى نزهات العصاري، ولقاءات الأصحاب والخلّان بين ربوعِها الخضر، فنراه يقول:
بنتَ الجبيل أيا مهدي ومُلتَحَدي
ويا ذخيرةَ أصحابي وخلّاني
أبصرتُ فيكِ تباشيرَ الضياءِ ضحىً
وفي لياليكِ كم أغمضتُ أجفاني
وفيها يناجي أصحابه كمن يوصيهم بعقد منتهاه مع مبتداه:
يابعضَ صحبيَ إنْ يوماً دنا أجلي
وضاقت الروحُ بي والموتُ وافاني
فدونكم تلِعات الحيِّ حيث ثرى
بنت الجبيل فواروا فيه جثماني
هذه لمحة سريعة عن بعض النتاج الشعريّ لأديبنا الشاعر، الذي يبقى كعهدنا به على الدوام، إنساناً يحرص على التسلّح بقيم التواضع والصدق والبساطة، والبعد عن التكلّف والغرور، مثلما يبقى محافظاً على ميزته بالشفّافيّة والمحبّة الكونيّة، والإنفتاح على الجميع.
Leave a Reply