لوس أنجلوس – بفوزه الشهر الماضي بجائزة مهرجان البندقية أصبح فيلم “الرأسمالية… قصة حب” ثالث أفلام المخرج الأميركي مايكل الذي يحصل على جائزة عالمية رفيعة في قائمة أفلام هذا المخرج المعروف برؤيته الناقدة للعديد من القضايا. إذ إن فيلمه “بولينغ فور كولومباين” الذي يدور حول مشكلة حيازة السلاح في الولايات المتحدة الأميركية حصل في عام 2003 على جائزة “أوسكار” كأفضل فيلم وثائقي. وبعد عام من ذلك، أي في سنة 2004، حاز فيلمه “فرنهايت 9/11” الذي ينتقد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي.
أما الموضوع الذي يتناوله المخرج الأميركي، المعروف بتوجهاته التقدمية، في فيلمه الجديد Capitalism: A Love Story “الرأسمالية: قصة حب”، فهو موضوع الأزمة المالية، إذ إن أبعادها أوسع مما يعتقد الكثيرون، وكما يقول مور فإن “هناك عائلة تطرد من منزلها كل سبع ثوان ونصف الثانية، وهذا رقم مخيف”. ويزخر فيلمه الجديد بمشاهد أطفال يبكون في الشارع أو يضطرون للنوم في شاحنة مع أهلهم فضلا عن عائلات أو متقاعدين فقدوا كل شيء بسبب الأزمة التي تضرب خصوصا الأميركيين البسطاء الذين نصب مور نفسه ناطقا باسمهم.
وكما يقول الفيلم فإن الأزمة المالية العالمية ناجمة عن تواطؤ بين المصارف الكبرى وإدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، فضلا عن عمل تدميري داخلي عائد إلى “الإصلاحات ونزع القيود والأنظمة” الذي جعل “وول ستريت” تتحول إلى “كازينو فعلي يمكن المراهنة فيه على أي شيء”.
ويستوحي الفيلم في بداية عرضه وضع الامبراطورية الرومانية إبان احتضارها بعدما شاخت وترهلت مفاصلها الحيوية. وقبل ان يطوف مور على امراض اميركا الاجتماعية والاقتصادية، يتوجه الى السياسيين الفاسدين القابعين في “وول ستريت” والذين يستغلون الازمة. ثم يجول في احياء العاصمة واشنطن مسلطاً الضوء على بعض المشاهد المأسوية كحال عائلة تطرد من منزلها الذي بنته وعاشت فيه منذ 40 عاماً وصرخة المالك الذي يردد بحسرة.
“ليست هناك عدالة بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون شيئاً وخسروا كل شيء”، او ذلك السمسار العقاري الطفيلي الذي يتباهى بوقاحة عن تعاظم ثروته على حساب تعاسة الآخرين، او قيام الشركات الاحتكارية بأعمال غش واسعة جنت منها مبالغ مالية خيالية من طريق بوليصات التأمين على الايدي العاملة فيها او على نحيب الاطفال واستغاثة المحرومين والمعوزين هنا وهناك. ويضفي مور على هذه المشاهد طابعاً دينياً وإنسانياً وأيديولوجياً حين يفتح عدسته على حشد من القساوسة والاساقفة الاميركيين الذين لا يتوانى بعضهم عن نعت الرأسمالية بـ”المتوحشة والخطيئة” وبعضهم الاخر بـ”اللأخلاقية والنظام الغاشم والنموذج الاقتصادي الذي يتنافى مع عدالة السماء وديانة المسيح”. ويستذكر مور في هذه اللحظات حال الرأسمالية في عهد الرئيس رونالد ريغان “متعهد البيت الابيض” للاحتكارات الاميركية مشيراً الى عبارة “ابنه الروحي” بوش الابن “لا شيء افضل من الرأسمالية”. وعلى رغم رصانة وجدية ومأسوية تلك المسائل، يبدو مور مخرجاً محترفاً مجدداً وناجحاً في ايصال نقمته ورسالته الى اوسع الجماهير. فهو خلافاً للإعلامي الذي يتهم بتوازن المعلومات، يستخدم كماً كبيراً من صور الارشيف الوثائقي والتحقيقات والمقابلات ويقرأها من كل ابعادها الانسانية والاجتماعية والاقتصادية حتى تكتمل لديه جوانب المادة التي يصوغها بأسلوب فريد ومؤثر ويحررها بطريقة تتضمن الشيء وضده مازجاً الكآبة بالفرح والهزل بالجد والتراجيديا بالكوميديا.
في نهاية الفيلم يطلق مور عدة رسائل بعضها موجه الى الشعب الاميركي الذي يخاطبه بالقول: “ارفض ان اعيش في بلد كهذا الا انني لا اود الخروج منه”، داعياً مواطنيه الى الانضمام اليه في تمسكهم بوطنهم واصرارهم على اصلاحه. وبعضها الآخر يذكر بمآثر الرئيس الاسبق فرانكلين روزفلت الذي مات قبل أن يحقق “الشرعة الثانية للحقوق” التي تضمن حقوق الاميركيين في العمل والأجر العادل والتعليم والنظام الصحي المجاني، وبوعد الرئيس اوباما الذي اطلقه ابان حملته الانتخابية “نستطيع التغيير”.
وجاء في التعليق المرافق للفيلم بصوت المخرج مور، وهو من مدينة فلينت في ميشيغن، أن الولايات المتحدة لم تعد ديمقراطية بل أصبحت “حكم الأغنياء” حيث تتملك أقلية صغيرة جدا معظم الثروات. واعتبر مور أن خطة إنقاذ المصارف البالغة قيمتها 700 مليار دولار، التي أقرت الخريف الماضي، تأتي على حساب المواطن الأميركي تشكل “انقلابا ماليا”. في مشهد رائع يضع مور على مدخل مصرف كبير شريطا اصفر يحمل عبارة “يرجى عدم اجتياز هذا الخط: مسرح جريمة”.
ويرى مايكل مور أن غالبية الشعب تظن أن بإمكانها تحقيق الثروات يوما ما، لكن يمكن القول أيضا بأن هذه الآمال عبثية، إذ يعرض الفيلم مشاهد مضحكة لكلب يقفز في الهواء محاولا عبثا الوصول إلى قطعة حلوى صغيرة موضوعة على طاولة. وكما هي عادته دائما في أفلامه يجمع مور في فيلمه الجديد بمهارة بين مقابلات عشوائية ومشاهد تثير الصدمة وسخرية مطلقة وتعليقات جريئة ليوفر بعض الأمثلة عن تجاوزات الرأسمالية على النمط الأميركي. وفي سياق الفيلم ترد بعض الأمثلة على تلك المفارقات.
الفيلم يعرض في جميع الصالات.
Leave a Reply