ديترويت – خاص “صدى الوطن”
تعاني الولايات المتحدة اليوم أزمة مالية حقيقية لم تشهد مثيلا لها من قبل. هذه الأزمة تتمثل بالعجز الهائل في الميزانية وارتفاع المديونية العامة التي فاقت ١٣ تريليون دولار بالتزامن مع تدهور الوضع الاقتصادي الذي يستدعي مزيداً من التدخل الحكومي.
مكامن خطورة الأزمة لا تتوقف عند الآثار الاقتصادية بل تتعداها الى مكانة أميركا في العالم، وهذا ما حذرت منه مؤخراً وزير الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمام مجلس العلاقات الدولية.
ولكن يبقى الأخطر هو تهديد الاستقرار الداخلي في أميركا خاصة وأن هناك فردا على الأقل في كل أسرة من نصف الأسر الأميركية يتلقى نوعا من المعونة من الحكومة الفدرالية، وهو أعلى معدل في تاريخ الولايات المتحدة. وفي حال تراجع هذا الصرف الفدرالي فذلك ينذر بتوترات اجتماعية خاصة مع الانقسام الحاد في الشارع الأميركي بين الحزبين الجمهوري، وما يمثله في الشارع المحافظ، والحزب الديمقراطي الذي يلتف حوله معظم الأفارقة الأميركيين الذين يتلقون جزءا كبيرا من المعونات الفدرالية.
فالحد من المساعدات الفدرالية، الذي يطالب به الجمهوريون للحد من العجز واتساع الدين يواجه حقيقة مرة، هي أن دخل عشرات ملاين الأميركيين أصبح من الحكومة الفدرالية وبتوقف أو خفض هذا الانفاق سيجد هؤلاء أنفسهم بدون دخل.
والمشكلة الأخرى التي تواجه الحكومة الفدرالية هي أن نسبة الأسر المعفاة من ضريبة الدخل زادت إلى 45 بالمئة في 2010 من نحو 39 بالمئة قبل خمسة أعوام، طبقا لمركز سياسات الضرائب وهو مؤسسة بحثية غير حزبية.
صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت الأسبوع الماضي تقريراً بعنوان “العقبة أمام خفض العجز: أمة تعيش على المخصصات الحكومية” إن أبعاد العجز الذي تعاني منه الموازنة الأميركية كانت واضحة الاثنين الماضي عندما أعلنت وزارة الخزانة أن حجم العجز وصل إلى 1,26 تريليون دولار في الأشهر الـ11 الأولى من العام المالي الحالي، ومن المتوقع أن يصل إلى ثاني أعلى مستوى له على الإطلاق نهاية العام الحالي.
إنفاق واسع
الكثيرون يرون أن خفض المعونات الحكومية شرط أساسي في أي إجراءات تستهدف خفض عجز الموازنة. فقد تزايد دون توقف دعم الحكومة للأسر على مدى أكثر من 70 سنة.
وقد كان إلى عهد قريب وبالتحديد في بداية ثمانينيات القرن الماضي نحو 30 بالمئة من الأميركيين يعيشون في أسر كان فيها على الأقل فرد واحد يتلقى معونة اجتماعية أو معونة للسكن أو معونة للبطالة أو أي إعانة حكومية أخرى. وفي الربع الثالث من عام 2008 ارتفعت النسبة إلى 44 بالمئة، وذلك بحسب أحدث إحصاءات لمكتب الإحصاء الفدرالي. ولا شك في أن الرقم قد ارتفع منذ ذلك الحين.
وفي حزيران (يونيو) 2010 ارتفع عدد الذين يتلقون “كوبونات” الطعام (فودستامب) ضمن برنامج الغذاء الفدرالي الأميركي إلى 41,3 مليونا بزيادة بنسبة 45 بالمئة من نفس الشهر من 2008.
ومع ارتفاع معدل البطالة فإن 9,7 ملايين عاطل كانوا يتلقون إعانات حكومية في نهاية الشهر الماضي أي ضعف العدد الذي وصل إلى 4,2 ملايين في آب (أغسطس) 2008. ومن المتوقع أن يزداد العدد إلى 19 مليونا بحلول عام 2019، بحسب مكتب الموازنة في الكونغرس الأميركي.
ومما يزيد من عدد المتلقين للدعم الحكومي زيادة عدد الذين يشيخون في المجتمع. واليوم هناك 47,4 مليونا من الأميركيين، مسجلون في برنامج الرعاية الصحية (ميديكير) بزيادة بنسبة 38 بالمئة عن عام 1990 ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 80,4 مليونا بحلول عام 2030.
المساعدات التي تقدمها الحكومة الأميركية للأفراد بما فيها جميع برامج المعونات إضافة إلى المعاشات للعاملين بالحكومة الأميركية ستصل هذا العام إلى 2,4 تريليون دولار مما يمثل زيادة بنسبة 79 بالمئة بالمقارنة مع عشر سنوات سابقة في وقت كان فيه الاقتصاد أقوى.
وهذه الأرقام تمثل 64,3 بالمئة من كل نفقات الموازنة الاتحادية وهو أعلى مستوى في 70 سنة أي منذ بدء تسجيل مثل هذه الأرقام. فقد كان ذلك الرقم يمثل 46,7 بالمئة فقط من الموازنة في 1990 و26,2 بالمئة فقط في عام 1960.
أمام الصرف الفدرالي الواسع، ومع ارتفاع العجز الفدرالي، أصبح كل مواطن أميركي مثقلاً بدين يفوق ٤٣ ألف دولار للشخص الواحد.
ويزداد العجز الفدرالي الأميركي يوميا حوالي ٤ مليارات دولار، في وقت تعمل الحكومة فيه على تحفيز الاقتصاد والحد من البطالة (٩,٦ بالمئة) من خلال تخفيضات ضريبية (انخفاض في الدخل الفدرالي) وضخ الأموال (ارتفاع المصروفات الفدرالية). ما يعني أن العجز يتجه الى الاتساع والدين العام الى الارتفاع.
Leave a Reply