لن أدّعي وأقول أن زمن أمي أفضل وأحسن من هذا الزمن، ولن أكتب عن أن الحياة كانت أسهل والناس كانت أعقل. لكل زمن عقله وجنونه ولكل وقت حلاوته ومرارته.. ويبقى مدى قدرة الإنسان في التكيف على الحياة التي يعيشها.
كثرت التعليقات والكتابات، الأسبوع الماضي، بمناسبة «يوم المرأة العالمي». عنوان ضخم وفخم يبرم رؤوس «الستات» بأن لهن يوماً عالمياً. فماذا يعني؟ هل يزيد ذلك اليوم في سعادة المرأة ونشاطها أم يزيدها تكبيلاً بمشاكل الأيام ومصاعبها؟
مثل الكثيرات. وصلت إلى العمر الذي يجب أن أرتاح فيه وأتخفف من ضغوط العمل خارج البيت وداخله. كل صباح أزيل الثلج عن السيارة وأشعر بالسخط على كل من نادى وشجع النساء للخروج إلى العمل. عمل المرأة دوامة مرهقة من الصعب الخروج منها، وسباق مع الساعة التي لا ترحم
في «يوم المرأة» تتسابق الإذاعات والفيسبوكات إلى تهنئة النساء. التهنئة.. بماذا. هل بات منتهى فخر المرأة أن يكون لها يوم عالمي وهل الدنيا ناقصة فوضى لتأتي وتزيدها.. في ذلك اليوم؟
الماضي ليس أجمل، وليس الحاضر أتعس. في الماضي كانت هناك مشاكل وطلاق ونزاعات وفقر وتعتير، لكن كانت المرأة بحق، أقوى وأصلب في مواجهة الحياة. كانت تتجمل بالصبر والإيمان وتكمل واجباتها تجاه أولادها وعائلتها بدون تذمر وبدون نق وبدون مراجعة الأطباء النفسانيين واستشارة الأبراج والنجوم في أمر ما كان وما يكون. مصاريفها كانت أقل وإنتاجها أكثر. تفلح وتزرع وتربي الدواجن ولا تتأفف من التعب حتى يكبر الأولاد. تبيع ما يفيض من محصول وتوفر ثمن البيوض والحليب وتعطيه لأولادها بلا مّنة. لم يكن اهتمامها بفساتينها وجزادينها وتغيير «هندازها» حسب المواسم والمناسبات. تصحو بهدوء وتنام بهدوء. آخر همها من تزوج من الفنانات والممثلات ومتابعة عروض الأزياء وموضات التجميل والتبصير. بالها طويل مثل صلاتها وفستانها وشعرها.
أما المرأة العالمية في يومها العالمي، فبالها قصير مثل صلاتها وفستانها وشعرها. متذمرة ومتوترة في مشيتها وكلامها. همها العمل والنجاح وإثبات الذات على حساب العائلة والأولاد. وفي آخر الليل تأخذ حبة منوم لتنام. بعض النساء العالميات في يومهن العالمي يجب أن يهدأن ويفكرن ويقرن في بيوتهن، لعل وعسى تخف عندهن نسبة الاكتئاب والانتحاب بأن حقوقهن مهدورة وغير متساويات مع الرجال.. وأيضاً لعل حوادث السير تقل على الطرقات، وتخف العداونية عند الأولاد الذين تربيهم دور الحضانة والمدارس التي لم تعد كسابق عهدها بكل أسف.
يكفي المرأة شرفاً أنها أم. تحمل وتربي، حتى لو شذ الأولاد وشردوا. المرأة اختارها الله لتعطي بلا توقف، وتغدق بلا تأفف، تخدم ولا تتذمر. منحها قلباً ينبض بالحب ويفيض بالسماح وخلق فيها نفساً تجد لذة في العطاء. هذه المرأة تاهت في خضم الشعارات والمظاهرات التافهة، وغابت الأنثى التي تغزل بها الشعراء والأم التي كرمها الله سبحانه.. لن يكفيها «مئة يوم عالمي»!
Leave a Reply