هل البلد الأضحوكة بحاجة الى المزيد من المَسخرة التي شهدناها يوم الأربعاء الماضي في مجلس النوائب، حتَّى نستنتج أنَّه ليس أكثر من كيان شبح لا يقدر على إدارة نفسه بنفسه من دون راع محلّي أو إقليمي أو دولي؟!. فمنذ ما يسمَّى بمهزلة «الإستقلال» (أو الصراع الفرنسي الإنكليزي على تقاسم الحُصَص الاستعماريَّة)، عاش البلد اللقيط على المُقويَّات الخارجيَّة والمُضادَّات غير الوحدوية وخضع لمبضع جراحة عمليات الحروب الأهليَّة المُتكرِّرة الَّتي غيَّرَتْ معالمه دوماً بانتظار مُتصرِّف أو «مدير طوارئ» (Emergency Manger) لإدارة البلد المُفلس مادِّياً وسياسيَّاً واجتماعياً ومَدنياً الى أنْ يحينَ موعدالإعصارالمُقبل.
«شقفة الوطن» اليوم يُدارمن قِبَل بندر وآل سعود ومصيره على كفِّ.. وليد جُنبلاط! سوف يأتي اليوم الذي يتحسَّر فيه «ثوَّار بولتون» المُستقلَّون -عن سوريا لكنَّ التابعين لكُلَّ ما هبَّ في الخليج النفطي ودبَّ في الغرب الإمبريالي- على أيَّام سوريا وغازي كنعان. على الأقل، إبّان ما يُسمَّى بالوصاية السورية، كان هناك ما يُشبه الدَّولة والانتخابات وكانت الفتنة المذهبيَّة نائمة لكنَّها استيقظت بقوَّة على زمن الوصاية السعودية والقطرية وضاعَتْ القضية الفلسطينية (التي مرَّتْ ذكرى نكبتها في ١٥ أيَّار مرور غير الكرام). وصاية السين-قاف أغرقَتْ البلاد بالفوضى الانتخابيَّة حيث لا يُعرف اليوم ما ستؤول اليه الأمور ولا أحد يملُك الإجابة عماذا سيكون مصير الوضع الأمني والسياسي في حين يتربَّص بنا عدوٌ شرس لئيم على الحدود للانقضاض على مقاومته في اللحظة المناسبة، والنَّار السورية وصلت الى عُقر دارنا بفضل التكفيريين في الداخل!
كيف يكون ثوَّار أبي حذاء بوش مستقلّين فيذكُرون الحُقبة السورية بازدراء وكراهية رغم أفضال النظام عليهم، لكنهم لا يجدون غضاضةً في التبعية للسعودية وتلقِّي الأوامر ويقولون «أمركم سيدي» وهي على قلبهم «متل السمن والعسل»؟! انَّها قمَّة المذلَّة ولا يهم مَن هو السيِّد الجديد فمن شبَّ على الخنوع شاب عليه. وبعد ذلك يتغنَّى اللبنانيون بالاستقلال والفرادة والشطارة والحذلقة وهم كالمحكوم عليه لا يرى أطفاله إلا من خلف الزجاج المضاد للرصاص!
الإدارة البنْدَريَّة الجديدة للأزمة اللبنانية «بايظة» من اولِّها على ما يبدو، بدليل الأداء الذي شهدناه في مجلس النَّواب. الفوضى عارمة في بلد الخربة بسبب سياسييه، وممثّلو الشعب لا يبدو عليهم أنَّهم مضغوطون بالوقت والمصائب المعيشية والحياتية التي تُثقل كاهل المواطنين، بينما هم يتمخترون بسياراتهم الفارهة وبذلاتهم العامرة ويتبادلون التحيات والقُبُلات والنُكات وسط حراسةٍ مُشدٌَدة من القوى الأمنية! على علمي كانت «قرطة حنيكر» ترفض النزول الى مبنى البرلمان خوفاً على حياتها، أمَّا وقت جنازة القانون الأرثوذكسي فكان نُوَّابها يصولون ويجولون كالأسود فقط من اجل الوقوف في وجه العماد ميشال عون وكتلة «التغيير والإصلاح» الوحيدة التى تريد الصلاح في بلد السِفَاح.
معجزةٌ تلك الَّتي تُبقي على بلد «خيال الصحرا» يتنفس، ولو اصطناعياً، رغم أنَّه ميِّت سريرياً وعلى حافة الهاوية منذ زمَنَ بعيد ونوائبه الكراكوزات يستقطعون الوقت ويمتصَّون دَمَه ويرقصون على جُثَّته ويضحكون على النَّاس الذين يُعيدونهم الى مسرح الدُّمى واللافكاهة! من يُصدِّق أنَّ هكذا نُوَّاب انتظروا حتَّى آخر لحظة لوضع قانون انتخاب وضيَّعوا ٤ سنوات بالتمام؟! ماذا أنجزوا في هذه السنوات الأربع وهم الأعلى أجراً في برلمانات العالم؟ هل وضعوا قوانين عصرية تنفع النَّاس؟ ماذا كانوا يخترعون؟ ربَّما كانوا «يفرفطون بَلَحاً»على رأي زياد الرحباني. لقد برهنوا للمرَّة المليون أنَّهم «كومة حرتقجيَّة» همَّهم تسجيل نُقاط على بعضهم والخلاف أمام الكاميرات ثم تبادل العناق خلفها في وقتٍ لا يحتمل البلد أيّ تأجيل أومناورات أو ألاعيب سياسيَّة.
لا شكَّ أنَّ فرحة ميشال سليمان وحوت المال ميقاتي لا توصف اليوم بعد نحر »الأرثوذكسي». فالأول «حاطط كعارو بكعار» ميشال عون، وربَّما هذا سيكون أكبر إنجاز له في عهده، والثَّاني مازال يخدُم الزرقاويين برموش العيون بحثاً عن دورٍ ما، غيرمُهتم بغدر وليد جُنبلاط وطعن مُعلِّمه له. أما سمير جعجع الذي أطلق رصاصة الرَّحمة على قانون لمصلحة المسيحيِّين، فلا أدري لماذا المفاجأة والعَجَب بغدْره اليوضاسي؟ هل كانت سيرة ومسيرة جعجع أصلاً غير ذلك؟! وكيف ينتظر الجنرال مُعجزة منه وهو الذي خاض غمار التجربة المُرَّة معه؟!
لقد أثبت «التيَّار الوطني الحُر» أنَّه حُرٌّ فعلاً وعلى نُوَّابه أنْ لا يقْنطوا من هذه النكسة لانَّهم حاولوا قدَرَ المُستطاع وعلى كُل الأصعدة ولكنَّ بلداً يترك المتآمرين على مقاومته من دون عقاب ويدَعُ شخصاً مثل السنيورة يبلف ١١ مليار دولار من خزينة مُفلسة، ويترك بيكاً اشتراكيَّاً صغيراً يملك مفاتيح القرار، هو بلدٌ موبوء! وإذا كانت استهانة ولا مبالاة النوَّاب بهذا الحجم، فعُمرها ما كانتْ هذه الانتخابات التي لن تأتي بأي شيءٍ جديد، ولو كان القرار للناس لَأغلَقوا أبواب المجلس على النوَّاب الحاليين ووضعوا مكانهم النوَّاب الفائزين بالتزكية أشرف لنا فعلاً.
انَّه بلد كلُّه تزكية وتذاكي وإذا لم تحدث نفْضَة تقلِب المقاييس، فسترتفع فيه مجدَّدا كل المتاريس!
Leave a Reply