مـحاولة استثمار اغتيال اللواء الحسن تنقلب على المعارضة
لأشهر طويلة بقي لبنان ينتظر مصيره على حافة الهاوية.. فعناصر الإنفجار اللبناني كانت متوفرة بوضوح مع انتشار فوضى السلاح والتوتر على وقع الأزمة السورية.. ظن الجميع أن لبنان لا يحتاج أكثر من شرارة ليهب بصراعاته الداخلية وانقساماته الحادة، ولكن كثيرين تفاجأوا بأن أياً من ذلك لم بحصل وبقي الأمن «خطاً أحمر» رسمه الجيش اللبناني بتوافق دولي، رغم اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، رجل الأمن القوي مع ما يمثله في الاصطفافات المحلية والإقليمية والدولية.
مسلحون في طرابلس |
الخاسر الأكبر إضافة الى الشعب اللبناني، الذي لا ينفك يحلم بالاستقرار، كانت «قوى ١٤ آذار» التي ظنت أنها تلعب في الفراغ وبإمكانها استثمار دم الشهيد وحرق البلد لتحقيق مآربها في السلطة عبر إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي متناسية أهمية التوقيت والتوازنات الدولية، ولذلك واجهت الفشل الذريع على كل مستويات.
على المستوى اللبناني، لم تعد لعبة استثمار الدم مقبولة لدى الشارع الذي رفض المشاركة بكثافة في مهرجان التأبين الذي عولت «قوى ١٤ آذار» على أن يكون مليونياً ليزحف المتظاهرون الغاضبون الى السراي بعد شحنهم بخطابات تعبوية. والفضيحة أن اللبنانيين لم ينسوا بعد أن قوى «١٤ آذار» كانت تعتبر السراي الحكومي في وسط بيروت خطاً أحمر برئاسة فؤاد السنيورة الذي «لم يرف له جفن» أمام أطول اعتصام في تاريخ لبنان. ولكن الفضيحة الكبرى بنظر اللبنانيين هو استعداد هذه القوى، التي فخرت لسنوات بـ«حبها للحياة»، لحرق البلد في سبيل مكتسبات سياسية وكذلك سرعة تخليها عن قواعدها الذين دفعتهم للمعركة لتهجرهم في ساعاتها الأولى وتصفهم بـ«الزعران».
أما على المستوى الدولي، فكانت الصدمة الكبرى لـ«١٤ آذار» بالموقف الأميركي الذي تمسك بحكومة ميقاتي «تفادياً للفراغ الخطير»، وهو ما دفع قوى المعارضة الى التخبط في المواقف
وقد برز حراك أممي دولي داعم للحكومة اللبنانية بتقاطع مع مقولة أن الامن خط أحمر والاستقرار خط أحمر والفراغ والفوضى أمر مرفوض وليس في مصلحة أحد، وتجلى ذلك في توافد سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي الى قصر بعبدا، ومعهم المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي، الذين شدّدوا على دعوة الجميع الى «المحافظة على الوحدة الوطنية» مؤكدين دعمهم للجهود التي تبذل لحفظ الامن والاستقرار في البلاد.
الإغتيال والإنقلاب القاشل
عند الساعة الثالثة من بعد ظهر الجمعة بخبر هزّ الساحة اللبنانية خبر إنفجار في شارع يتفرّع من ساحة ساسين في الأشرفية. ومع توارد الأخبار المُرفقة بالصور عن عدد الجرحى الذين تجاوز عددهم المائة والقتلى الشهداء الذين تجاوز عددهم الثمانية كما تبيّن لاحقاً، اتّصل اللواء أشرف ريفي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليبلغه عن انقطاع الإتّصال بالعميد وسام الحسن. قرّر ميقاتي عندها التريّث والتأكّد من الموضوع تحسباً لأن يكون مرد انقطاع الإتصال الى ضغط الإتصالات. وقد حافظ رئيس الحكومة على تريّثه لأربع ساعات حتى تمّ تبليغه بأنّّ العميد قد اغتيل في الإنفجار، بطريقة شبيهة بالطريقة التي اغتيل بها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، خبر جاء كالصاعقة على من عرف الرجل، سمع به أو احتكّ به، خاصة أنّه كان مرافق الرئيس الشهيد الحريري في حياته ومجاوراً له في مماته.
وفيما كانت الأشرفية تلملم آثارالجريمة، كشف مرجع واسع الاطلاع لصحيقة «السفير»، أن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وضع يده على «داتا» الاتصالات التي أجراها الحسن، قبيل ساعات من استشهاده، وتحديداً منذ لحظة بلوغه أرض مطار بيروت مساء الخميس الماضي باسم مستعار حتى لحظة الانفجار قبيل الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة الماضي.
وقال المرجع إنه بُعيد وقوع الانفجار، طلب المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي من فرع المعلومات تزويده بالمعلومات تباعاً حول إمكان أن يكون هناك أي استهداف لشخصية معينة، وقد جاءته المعلومات أن لا شخصية مستهدفة، وفي الوقت نفسه، حاول ريفي الاتصال باللواء الحسن الذي كان يفترض أنه ما زال موجودا في باريس الى جانب عائلته، بعد عودته من برلين، فتبين له أن خط رئيس فرع المعلومات ما زال مقفلا، وقدر أن يكون في مكان لا يستطيع أن يتواصل معه.
وحوالي الساعة الرابعة، تلقى ريفي اتصالا من الرئيس سعد الحريري، وقال له «هل اطمأننت على وسام»، فأجابه ريفي: «وسام مسافر دولة الرئيس»، وعندها قال له الحريري: «وسام تحدث معي صباحا وطمأنني أنه وصل الى بيروت».
وعلى الفور، أرسل ريفي الفريق الذي يتولى تأمين مواكبة الشهيد الحسن، الى ساحة الانفجار، وعادوا اليه قبيل الخامسة تقريبا بساعة يده، ليدرك الجميع أن المستهدف هو وسام الحسن.
عندها، سارع ريفي الى إبلاغ كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس الحريري بأن وسام مفقود وعلى الأرجح أن يكون هو المستهدف بانفجار الأشرفية.
وكشف المرجع أن الحسن كان موضع مراقبة على الأرجح، ليس في بيروت وحدها، بل ربما تعرّض للمراقبة في برلين ومن بعدها في باريس، وحاليا، يجري التركيز على كل الأشخاص الذين تواصل معهم هاتفياً بعد عودته الى بيروت، وخاصة في يوم الانفجار، وهم أشخاص لا يتعدّون أصابع اليد الواحدة، وعلى الأرجح أنه كان سيلتقي أحدهم في مكتب سري كان يستخدمه في منطقة قريبة من مركز عمله في مقر المديرية العامة في أوتيل ديو.
في السياق نفسه، كشف اللواء ريفي عن الإمساك ببعض الخيوط «التي يمكن أن تقود الى كشف الجريمة»، مشيرا أمام وفد من نقابة المحررين أمس الى «ان السيارة المفخخة التي تم تفجيرها هي من طراز «تويوتا راف 4» مسروقة من أكثر من سنة وان الشهيد الحسن ومرافقه أحمد صهيوني كانا يستقلان سيارة عادية (مستأجرة) غير مصفحة من طراز «هوندا اكورد» للتمويه.
وقال إن اللواء الشهيد كان عائدا من أحد المكاتب السرية في المنطقة، التي كان يجتمع فيها مع بعض الاشخاص الذين يتعاونون معنا في مجال الامن أو إعطاء المعلومات، مشيرا الى انه شخصيا وبعض الضباط الامنيين القادة لديهم مكاتب سرية لكنها إجمالا تكون قريبة من مقر القيادة لسهولة الانتقال منها واليها، ويتم تغييرها كل فترة، ولا يدخلــها في العــادة إلا قلة قليلة من الاشخــاص المهمين بالنسبة الى عملــنا ونحن لا نزور هذه المكاتب كل يــوم بل كل أسبوعين أو ثلاثة، والشهيد وسام كان عنده موعد في هذا المكتـب ويبدو أنه كان مرصودا قبل تغيير المكتب.
ونفى ريفي صحة ما تردد عن حصول انفجارين، مشيرا الى حصول انفجار واحد، وان السيارة المفخخة كانت مركونة الى جانب الطريق وتم تفجيرها في لحظة قاتلة عند مرور السيارة بمحاذاتها تماما لأن الطريق فرعية وضيقة ولا يمكن القيادة بسرعة فيها.
وعلى الرغم من أنّ الحسن حائز على احترام حتى أولئك الذين يختلفون معه سياسياً، إلا أنّ تشييعه لم يحظ باحترام مؤيدي «14 آذار» الذين «يُحسب عليهم». فبعد أن أمّ مُفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار المصلين عوضاً عن مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الذي يُقال أن نادر الحريري تمنى عليه عدم المشاركة، بدأت الخطابات. وعدا عن خطاب صديقه العزيز اللواء ريفي التأبيني وخطاب رئيس الجمهورية الذي تحدّث فيه عن بذل أقصى الجهود للحصول على أجوبة، استترت الخطابات التي كان يجب أن تخدم هدفاً واحداً وهو التأبين بأهداف أخرى نادت من ساحة رياض الصلح بالتوجه الى السرايا وفرض تقديم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي لاستقالته وإسقاط الحكومة. وما بين فؤاد السنيورة الذي تحدّث باسهاب عن عدم وجود أي حوار قبل سقوط الحكومة، ونديم قطيش وهتافه «يا شباب ويا صبايا يلا يلا ع السرايا»، شنّ المعتصمون– المؤبنون، أنصار «قوى 14 آذار» من «تيار المستقبل» و«القوات» و«الكتائب» و«الأحرار» والإسلاميين بالإضافة الى سوريين محسوبين على «الجيش السوري الحر» هجوماً بالحجارة والعصي على القوى الأمنية وما لبثوا أن حاولوا اقتحام السرايا التي قام عناصر حمايتها بتفجير القنابل المسيلة للدموع لحين انتشار قوات الجيش التي أحبطت عملية اقتحام السراي، التي كانت بالأمس القريب خطاً أحمر لـ«١٤ آذار».
وهكذا، وبعد أن كانت الساحة ساحة تأبين بحضور آلاف الأشخاص تناثرت بينهم أعلام حزبية، تحولت الى ساحة رصاص وقنابل مسيلة للدموع في يوم سُمي بـ«الإنقلاب الفاشل». أما بعض شوراع بيروت والشمال وأوتوستراد الناعمة فقد انتشر فيها مسلحون تفننوا في رشق السيارات بالحجارة والمطالبة برؤية الهويات، ضمن أفعال لقيت امتعاضاً واسعاً في الشارع اللبناني. وفيما كانت وحدات الجيش اللبناني تنفذ عمليات أمنية ومداهمات ومطاردات بالغة الدقة والحرفية شبيهة بالعمليات الجراحية الموضعية لقمع بؤر التوتر والاخلال بالامن والاستقرار احباطاً للفتنة التي بدا واضحاً ان ثمة جهات تسعى الى اشعالها عبر زجّ مسلحين في شوارع بيروت وطرابلس وعكار والبقاع وصيدا وقطع الطرق وترويع المواطنين، في استحضار لأجواء الحرب الاهلية عبر انتشار المسلحين والقناصة في بعض المناطق وعلى اسطح البنايات واطلاق النار، تعلقت انظار اللبنانيين وآمالهم في عبارة وردت في بيان لقيادة الجيش–مديرية التوجية أثلجت صدورهم وطمأنتهم الى أن «الامن خط أحمر» ممنوع تجاوزه، سرعان ما ترجمت ميدانياً على الارض مع انجاز الوحدات العسكرية عمليات مطاردة ودهم واعتقال عشرات الملسحين، واعادة فتح الطرق والتواصل والحركة الطبيعية بين مناطق العاصمة والمناطق الأخرى.
Leave a Reply